الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

رضا نايل يكتب: 23 يوليو.. خدعوك فقالوا

الكاتب الصحفي رضا
الكاتب الصحفي رضا نايل

أعرف أن صديقًا لي عندما يقرأ هذه الكلمات سيقول (لولا عبدالناصر لكنت بـ"تسرح" بمناديل في الإشارات والمترو، أو بسميط وبيض وجبنة)، ولكن التاريخ لا يكذب ولا يتجمل، فالحقائق تكشف عن نفسها في النهاية، ولكننا نختار "الغباء الانتقائي" لأن السلطة هي "التي تنتج الوعي وتشكله" كما عند "فوكو"، فلو قالت لنا السلطة إن 2+2 = 3 أو 5، فسوف نصدقها ونؤيدها، رغم يقيننا أنها = 4، لأننا حينها نقرر أن نكون أغبياء انتقائيا كما يقول جورج أورويل في 1984.

فتاريخيًا كان التعليم في الأزهر مجانا وكذا الإعاشة فى الأروقة دون رسوم، ويتم الصرف عليها من الأوقاف الموقوفة على الأزهر، ثم أدخل محمد علي باشا، الذي يبدأ معه تاريخ مصر الحديث، التعليم الحديث بالمجان أيضًا، بل كان يمنح تلاميذ هذه المدارس رواتب شهرية كما يذكر عبد الرحمن الجبرتي.

وجاء الاحتلال الإنجليزي في سبتمبر 1882 وألغى هذه المجانية.

حتى صدر دستور 1923 الذي نص في المادة 19 من الباب الثاني فى حقوق المصريين وواجباتهم على أن: "التعليم الأولي إلزامي للمصريين بنين وبنات وهو مجاني فى المكاتب العامة".
وفي مايو 1933 تقدم أحد أعضاء مجلس النواب باقتراح بزيادة ميزانية التعليم الإلزامى (الأولي) لمواجهة زيادة عدد أولاد الفلاحين، وهنا ثار الرأسماليون والأرستقراط داخل مجلس النواب، وقال النائب "وهيب دوس": "إن تعليم أولاد الفلاحين يعد طفرة كبرى لأنه خطر اجتماعي هائل لا يمكن تصور مداه".
ولما تشكلت حكومة حزب الوفد في فبراير 1942 تولى أحمد نجيب الهلالي باشا وزارة المعارف فاختار طه حسين مستشارًا فنيًا للوزارة، تقدم طه حسين بتقرير عام 1943 عن إصلاح التعليم تمت مناقشته فى مجلس النواب في يناير 1944 لإتاحة الفرصة لتعليم الفقراء، فتقررت مجانية التعليم الابتدائي 1944، وكانت "المملكة المصرية" حينها تقدم فى هذه المرحلة كل احتياجات الدراسة من كتب وكراريس وأقلام، حتى المسطرة والبرجل والمثلث، بالإضافة إلى الوجبة الساخنة.
ولما تولى طه حسين منصب وزير المعارف فى حكومة الوفد التي تشكلت في يناير 1950، وقال مقولته الشهير فى البهو الكبير بجامعة الإسكندرية يوم افتتاحها فى حضور الملك فاروق: "إن التعليم فى مصر حق للجميع فهو كالماء والهواء منحة من الله لكل الناس بلا تفريق"، فقررت حكومة الوفد مجانية التعليم الثانوي بما يؤكد تاريخيًا أن مرحلة الابتدائية ٤ سنوات والمرحلة الثانوية 5 سنوات كانتا مقررتين بالمجان قبل يوليو 1952، وقبل المجانية كانت رسوم الالتحاق بالابتدائى عشرة جنيهات سنويًا، وعشرين جنيهًا للثانوي.
وأن الخطوة التالية هي محانية التعليم في الجامعة كما كان يخطط عميد الأدب العربي طه حسين، والتي تقررت في العهد الناصري حيث أصبح دخول التعليم الجامعي مجانًا عام ١٩٦٢.
وقد كان التعليم فى العصر الملكي أفضل كثيرًا مما كان عليه فى عهد ناصر وحتى الآن، فالربط بين سوء التعليم والمجانية لم يبدأ إلا مع دولة 52، وتحديدًا مع بداية تسعينيات القرن الماضي حيث بدأت الاستجابة لشروط أمريكا والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي تحت مسمى تحسين الخدمة وتحقيق الجودة التعليمية بإنشاء الجامعات الخاصة، التي ثار حولها جدل ونقاش كبيرين على صفحات الجرائد وفي البرامج التليفزيونية، وفي النهاية صار لدينا جامعات الأغنياء للأغبياء، وجامعات الفقراء للفقراء، وربما كانت حكومة أحمد نظيف تنتوي خصصة الجامعات الحكومية أو جامعات الفقراء، فقد قال متسائلًا: من يتحمل عبء نفقات 17 جامعة حكومية تضم آلاف الأساتذة وملايين الموظفين أصبحت الجامعات حاليًا 24 جامعة.

ولكن شيفونية ناصر أو دراويش عبدالناصر أو من اختاروا أن يكونوا أغبياء انقائيًا يرون تاريخًا آخر، حتى قال فيهم نجيب محفوظ في "ثرثرة فوق النيل": "لم يكن عجيبًا أن يعبد المصريون فرعون ولكن العجيب أن فرعون آمن بأنه إله."

رضا نايل