الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

نورهان البطريق تكتب: لكل ظالم نهاية 1

صدى البلد

بعد منتصف الليل، ولد الابن في أحد غرف الدور الأرضي، حيث كانت الغرفة متواضعة وأثاثها متهالك، حيث جاءت سيدة عجوز بعد ساعات طويلة تنم على ولادة متعثرة، تزف البشارة إلى أبيه، فما إن تحركت شفتاها." واد، واد مراتك جابتلك الواد،حتى انفرجت أساريره ،و دس يداه الاثنتان في جيبه، و أعطى إليها كل ما أخرجه دون أن يحسبه أو دون حتى ان يراه،وتركها وانطلق نحو الغرفة ليطالع مولوده الأول ، وبينما كان موليا لها ظهره قال لها "زغرطي وبلي الشربات ".

مرت السنون ،وصار ل "أحمد" ابن العشر أعوام، أخوة صغار، يلعب ويرتع معهم ، فقدكان عنيف حاد الطباع ،بينما كان محمد "ابن السابع سنوات ،يتنازل عن حقه لأخته مريم "بنت الخمس أعوام "حتى يحميها من بطش أخيها ،الذي كان ينهال عليها بالسباب والضرب إذا حاولت أن تعترضه في شىء، كذلك إذا حاولت أن تلمح بأخذ نصيبها من الدميات لتلعب بها بنات جيلها. فما كان بوسع الأب في البداية سوى النصيحة وفي الوقت نفسه أن يقرب بينه وبين اخواته، ولكنه في كل مرة لا يجني منه سوى النفور والهجر، ولما تكررت حادثة عدوانه على أخواته أكثر من مرة ، و تيقن الأب أنه لا جدوى من الكلام معه، فشرع بنهره وضربه حتي يجرعه من نفس الكأس الذي يسقيه لاخواته، إلا أنه في كل مرة كان يتعرض فيها لضرب المبرح، كان قد يزداد قسوة وتعنت.

جرت الأيام على هذا النحو بين شد وجذب ، ومد وجزر بين الأب وابنه حتى صار عمر الشاب عشرين عامًا، ومن هنا قرر أن يوسع الدائرة أكثر فأكثر، فلم تعد تشمل الأخوة فحسب، بل ضمت أيضا رفقاء السوء الذي يقطنون معه بنفس المنطقة التي يقيم بها. بدأ بلعبة الكوتشينة "كخطوة أولى في طريق القمار " بدأ يلعب بكل طاقته حتى يصل إلي هدفه (المال)،و ما إن خسر ،حتى ركض إلى بيته ليستولى على أي شيء تقع عليه يداه قابل للبيع حتى يعوض خسارته، بدأت الأم تشعر باختفاء أشياء من أثاث البيت ،وفي كل مرة كانت تسأل أفراد الأسرة عليها، كان ردهم عليها، أنهم طيلة النها خارج المنزل في أشغالهم، ويتهمونها بالتسيب والاستهار، الى إن يأتى الدور على" أحمد" ، فيبدأ بالسباب والصراخ عليها ، ثم يصفهم بالفقر والجوع، و أنه لو فكر لص في سرقة البيت ،لترك لهم مالًا تعاطفا معهم واشفاقا عليهم، وما إن ينهي هذه الكلمات التي تشبه الرصاصات التي تخترق صدر عائلته ،حتى يغلي الدم في عروق أبيه و تبلغ ثورته عنان السماء، فيهب واقفا ليجذبه من قميصه ، و يكور قبضته ليلقيه عدة لكمات متتالية، فلا يشعر بنفسه إلا بعدما يجذبه ابنه الثاني بعيدًا عنه حتى ينقذ أخيه من موت محقق، بينما تبكي الأم وتنتحب على حال ابنها المحزن ،وبينما كانت دموعها تنهمر،كان لسانها يبتهل بالهداية له.عكس الأب الذي كان يصب عليه اللعنات ويردد قلبي "وربي غضبانين عليك ليوم الدين ".

و ما إن سمع الابن هذه الكلمات حتى توجه لغرفته يلملم أشياءه ،ويجمع حاجياته إستعدادا لمغادرة المنزل بلا عودة ، فتسوء حالة الأم وقلبها يحترق بنيران فراقه، فما كان بوسع أخيه سوى أن يبحث عنه ،حفاظا على صحة امه التى لم تتحسن سوى بعودته، فما إن وجده حتى عاتقه عناقا طويلا، ولكن أخاه سرعان ما كان يقذفه بعيدًا عنه ، قائلا بسخرية "عايزين مني ايه تاني، مش خلاص سبتلكم القصر بتاعكم، وطردتوني من جنتكم" فيجيبه أخاه وهو يربت على كتفه "امك من ساعة ما سبت البيت وهي بتموت، فيقاطعه بجمود ولامبالاة " و انا مالي حلوا مشاكلكم بعيد عني " فيغادر أخوه المكان و دموعه تنهال من عينيه كالشلالات، حيث يجر خبيته، ويعود إلي أدراجه منكسرا حزينا لايقوى على فعل شىء سوى البكاء طيلة الطريق.

و في منتصف الطريق، يقابل أباه الذي يتعصر قلبه ألما على فراق ابنه فيساله"فين اخوك " فينكس رأسه ولا يجبه، فيدرك الإجابة دون أن يكرر سؤاله مرة أخري، ويطلب منه أن يصف له المكان الذي يتواجد به ليذهب لاحضاره، وبالفعل يعثر الأب عليه ويقوم بصطحابه إلي المنزل رغما عنه ،فتستقبله امه بالقبلات الممزوجة بالدموع ،وهي تشكر الله وتحمده على نعمة رجوعه لها بالسلامة.

وفي أحد الأيام جاء الابن إلى أبيه باكيا نادما على ما فعله من حماقات، ولكن الاب لايقدر على تصديقه ويشعر بريبة في قرارة نفسه ، ويظن أنها واحدة من ألاعبيه التي لاتنتهي ،ولكنه أمسك يديه و أخذ يقبلها عدة مرات ،وكذلك انحني تحت قدميه ليقبل توبته، فلم يستطع الأب أن يتمالك دموعه ،فأمسك به من ذراعه واحتضنه بشده ... كمسافر عاده لتوه بعد سنوات من الغياب، وعاد الأب بصحبة ابنه يزف إلى امه و اخواته خبر توبته، فظن الجميع أنهم فى حلم من جمال الخبر، فعلت الزغاريد، وابتهجت الأسرة ،وأخذوا يرقصون ويهللون حتى بزوغ الفجر.

أثبت الشاب حسن نيته وصدق كلامه، وشرع يعمل بتنضيف السيارات مع أبيه وأخيه ،فكان يطلب من أبيه أن يذهب إلي البيت ليستريح من عناء العمل ،واعدا اياه أن يقوم بكل الأعمال الموكلة إليه بالنيابة عنه، طالبا منه ألا يقلق بشأن البناية و الجراج، وأنها سيتولى أمرهما حتى حلول الليل مع أخيه الأصغر منه.

مع مرور الوقت، بدأ الأب يطمئن إلي الابن، و يتقلص الخوف من ناحيته ،حتى صار يسلمه زمام الأمور دون أن يقلق، إلى أن أتى اليوم الذي سقط فيه القناع و انكشف فيها حقيقة الابن.فبينما الأب غارق في نوم عميق، تناهي إليه صوت الهاتف، فتناوله وهو يتثاءب مغمض العينين، فيضغط على زر الإجابة بصوت محشرج يغالبه النوم "الو "فتناهي إلي أذنه نبرة آمر حازمة " أنت والد أحمد "
ايوة حضرتك أحمد حصله حاجة.

يتبع..