الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

من مذكراته.. عبد الناصر يروي الوجه الآخر لـ مصر بعد ثورة يوليو الذي أصابه بالاكتئاب

الرئيس الراحل جمال
الرئيس الراحل جمال عبدالناصر

كان الوضع بعد ثورة 23 يوليو مؤرقا، كل رجل كان يقابله أحد من الضباط الأحرار لم يكن في باله إلا قتل رجل آخر، وكل فكرة سمعوها لم تكن تهدف إلا لهدم فكرة أخرى، وانهالت عليهم بعد الثورة الشكاوى والعرائض بمئات الألوف وكان معظمها ليس إلا طلب انتقام، وكأن الثورة قامت لتكون سلاحا في يد الحاقدين، حتى تعرض الرئيس الراحل جمال عبد الناصر وكان حينها يوزباشي لأزمة نفسية حيث أصيب بالاكتئاب لفترة مؤقتة على حد وصفه في مذكراته.

سيطر على جمال عبد الناصر مشاعر اتخذت شكل الأمل المبهم، بعد التنفيذ الفعلي لثورة 23 يوليو، فبعد تنفيذ الثورة بساعات كان كل ما يشغل تفكيره سؤال واحد يلح على خاطره وهو "هل كان يجب أن نقوم، نحن الجيش، بالذي قمنا به في 23 يوليو عام 1952؟".

فقبل اندلاع الثورة، فكر جمال عبد الناصر كثيرا في أن تكون هذه الثورة بأيدي أبناء الشعب من فئات مختلفة، وقال عبد الناصر في مذكراته "فلسفة الثورة" وكتبها عنه الراحل محمد حسنين هيكل: "كنا نحن الشبح الذي يؤرق به الطاغية أحلام الشعب، وقد آن لهذا الشبح أن يتحول إلى الطاغية فيبدد أحلامه".

كانت ثورة يوليو 1952 تحقيقا لأمل كبير راود شعب مصر، منذ بداية العصر الحديث، وهو أن يكون سلطة الحكم في أيدي أبنائه، وأن تكون الكلمة العليا له، على حد وصف جمال عبد الناصر، الذي اعترف بأن الصورة الكاملة لم تتضح له إلا بعد فترة طويلة عقب 23 يوليو.

"أنا أشهد أنه مرت علي بعد يوم 23 يوليو نوبات اتهمت فيها نفسي وزملائي وباقي الجيش بالحماقة والجنون الذي صنعناه في 23 يوليو، لقد كنت أتصور قبل 23 يوليو أن الأمة كلها متحفزة متأهبة وأنها لا تنتظر إلا طليعة تقتحم أمامها السور، فتندفع الأمة وراءها صفوفا متراصة منتظمة تزحف زحفا مقدسا إلى الهدف الكبير".

ولكن صدم جمال عبد الناصر بما حدث في الواقع، فلاحظ أن الجموع الذي كان ينتظرها قد جاءت متفرقة، وفلولا متناثرة، مؤكدا "بدت الصورة يومها قاتمة مخيفة تنذر بالخطر" فشعر بالحزن وتفطر قلبه من المرارة"، لافتا إلى أنه بانتهاء 23 يوليو لم تنته الثورة بل أنها الساعة التي تبدأ فيها.

وأشار "كنا في حاجة إلى النظام، فلم نجد وراءنا إلا الخلاف، وكنا في حاجة إلى الاتحاد فلم نجد وراءنا إلا الخلاف".

تلخصت كل أماني عبد الناصر حينها في أن يسمع كلمة إنصاف من مصري في حق مصري آخر، وألا يسمع كلمة "أنا" على كل لسان، ويقول: "كنت أقابل خبراء كما تسميهم الصحف وكنت اسأل الواحد منهم عن مشكلة التمس عنده حلا لها فلا أسمع إلا كلمة أنا".

واعترف جمال عبد الناصر أن هذا الحال سبب له أزمة نفسية منها إصابته بالاكتئاب لفترة مؤقتة، ولكن التجارب فيما بعد خففت من وقع هذه الأزمة وجعلته يلتمس لهذا كله أعذارا من الواقع، حتى توصل إلى إجابة سؤاله "هل كان يجب أن نقوم نحن الجيش بالذي قمنا به في 23 يوليو"، والجواب هو "نعم، ولم يكن هناك مهرب أو مفر".