الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

نورهان البطريق تكتب: لكل ظالم نهاية 2‎

صدى البلد

مع مرور الوقت، بدأ الأب يطمئن إلي الابن، و يتقلص الخوف من ناحيته ،حتى صار يسلمه زمام الأمور دون أن يقلق، إلى أن أتى اليوم الذي سقط فيه القناع و انكشف فيها حقيقة الابن،فبينما الأب غارق في نوم عميق، تناهي إليه صوت الهاتف، فتناوله وهو يتثاءب مغمض العينين، فيضغط على زر الإجابة بصوت متحشرج يغالبه النوم "الو "فتناهي إلي أذنه نبرة آمر حازمة " أنت والد أحمد " ايوة حضرتك أحمد حصله حاجة.

فاستطرد بنبرة أكثر حسما "ابنك واقف قدامي اهو خبط واحد بالعربية اللي كان ركابها، وأثناء التحريات تبين لنا أنها مش عربيته ولا معاه رخصة، و أثناء إستجوابه حول الحادث ،علمنا أن العربية بحيازة أحد سكان العمارة التي تعمل بها.

انتفض من مكانه، فاغرا فاه ،لم يكن مستوعبا ما سمعه ،إلى أن قطع شروده صوت الضابط وهو يطلب منه سرعة الحضور بالقسم لاستكمال الإجراءات ،أجابه "حاضر، سأكون عندك بالحال، وقبل أن يغلق الهاتف ،سأل عن حالة المريض الذي دهسه ابنه بسيارة، أجابه باقتضاب "بين الحياة والموت "

ذهب الأب إلى القسم يسأل عن الحادثة التى وقعت منذ قليل ،فدله امين الشرطة عن مكان ابنه،فما إن تراءت إليه سحنة أبيه ،حتى أخذ يصرخ بأعلي صوت "بابا بابا،الحقني يابابا"

وبعد عدة محاولات لتهدئة الابن لكي يفهم منه ماحدث، فعلم الابن أنه لا فائدة من مراوغة أبيه اكتر من ذلك، و أخذ يعترف له أنه لم يتب مثلما أعتقد، بل كان كل هذا جزءًا من خطة محكمة، الهدف منها سرقة مفاتيح السيارات التي بعهدتك حتى يمكننا استغلالها في اصطياد الفتيات التي تقع فريسة سهلة للسيارات الفارهة، فكنت أقضي طيلة الليل فى السهر والرقص وشرب الخمر ،وبعد أن انتهي من مهمتي أضع السيارة في مكانها ،وبعدها أقصد غرفتك واترك لك المفاتيح بمكانها ،وكذلك دواليك.

لم يكن بوسع الأب ما يقوله بعد ما سمعه سوى أنه رفع يده وصفعه على وجهه ،فانفجر الدم من أنفه من شدة صداها .و بعد متابعة ملابسات القضية ونظرا لصغر سن الشاب وعدم بلوغه السن القانونية، قررت المحكمة إيداعه في الأحداث لمدة ثلاث سنوات.امتثل الأب لحكم القانون و ارتضى بحكمه، مستودعا الله ابنه ،و داعيًا لأمه بالصبر والسلوان على بلواهما.

بعد مرور الثلاث سنوات، خرج الأبن إلى نور الدنيا رغم أنه لم يستوطن قلبه بعد،ولكنه تعجب من عدم وجود من يستقبله فى ذلك اليوم، فسار وحيدًا بين جمهرة الناس حول أبنائها، فرحين بإنتهاء مدة العقوبة،راجين من الله ألا تعود تلك الأيام ثانية .توجه إلى بيته ،فلم يجد أحدا من أهله. فأخذ يسأل المارة حتى رأي عجوزا كفيفا ،فسأله عن عائلته، فتعرف عليه الرجل من صوته، وأخبره أن سكان البناية رفضوا أن يستأنف أبوه عمله وقدموا طلبا بتعيين آخر بدلا عنه ،ونعتوه بالسارق ووسموه بعديم الشرف.

سأله عن عنوانهم الجديد، فرد عليه" ابوك خرج تحت أستار الظلام، يهتدي بنور القمر، و لما حلت الشمس ،استيقظنا ولم نجد لابوك أثرا.

وأثناء تفقده لأهله، التقى برفاق السوء، و عادوا يوسوسون له من جديد بحلم الثراء السريع ،وجمع المال بطرق سريعة ، و أخذوا يغرونه بما في جيوبهم حتى زاغت عيناه ،وشرع يسأل عن السبيل لكي يسلكه من أجل أن يحصل على كل هذه الأموال الطائلة ، فاخذوه من يده إلى أكبر تجار المخدرات لكي يستسمحوه في أن يقبل أن يضمه إليهم ويصبح واحدا من صبيانه، قبل الرجل على الفور ،وطلب من مساعده أن يتولى تعليمه الصنعة ، و أن يطلعه على كل ماهو مطلوب منه. وبالفعل بدأ "أحمد " يندس بين الطلاب فى المدارس والنوادي الرياضية ،ليبيع لهم المخدرات،ومع مرور الوقت ذاعت شهرته، وصار من أكبر الموزعين في منطقته، وصار اسمه يتداول بشكل أكبر بين المراهقين المدمنين. 

وفي يوم هاجم رجال الشرطة الوكر الذى يعمل به، وقاموا بالقبض على الشبكة بأكملها بما فيها من تجار وموزعين، ومن حسن حظه أنه علم بمداهمة الشرطة للمكان ،وتمكن من الهرب قبل أن يلقوا القبض عليه.

ظل مختبئا في مكان على أطراف مدينته ،يتابع الأخبار من بعيد لبعيد ،إلى أن قرر السفر خارج البلاد، و قد ساعده في ذلك تعرفه على أحد المزورين المختصين بسفر الشباب خارج البلاد، وذلك أثناء عمله مع تجار المخدرات، وبالفعل تمت عملية السفر بنجاح ، واستطاع أن يختفي عن الأنظار لمدة سنوات ، ثم عاد بعدها من جديد رجل الأعمال المليونير الذي عاد إلي بلاده بعد سنين من الكد و التعب ليخدم أبناء بلده،حيث استطاع أن ينسب نفسه إلى أكبر العائلات ، و اشتهر بأعماله الخيرية بين الناس، حيث قام ببناء جامع ،و مستشفي ،ومدرسة لغير القادرين، وعمل رواتب شهرية للأرامل وغير القادرات، حتى أخذوا  يدعون له بالصحة و العمر الطويل ،وما هي إلا أشهر قليلة وقام بترشيح نفسه لعضوية مجلس الشعب ، وبدأ يجتمع بأبناء بلدته لينهال عليهم بوعوده الكاذبة وخطاباته المزيفة ، حتى أتى اليوم الموعود و تم الإعلان عن فوزه ونجاحه بنسبة ساحقة لا منافس لها، و ما أن تيقن بقبوله بالمجلس حتى تبخر ، فلم يعد يذهب إلى أهل دائرته، وبدأ يتهرب منهم ،وامتنع عن مقابلاتهم تماما.

وبعد مرور أشهر من نجاحه بمجلس الشعب ،أعلن خطبته على ابنة رجل أعمال، فتاة جميلة و مثقفة ، وتنتمي إلى وسط اجتماعي راقٍ، أما أبوها ،فكان ذا منصب مرموق، دمث الخلق ،حسن السمعة، كان يتقي الله في معاملاته التجارية و يتجنب طريق الشبهات حتى جزاه الله خيرا و زاد رزقه فصار يملك عشرات المصانع والشركات وبلغت ثروته المليارات.

تمت مراسم الزواج ،وتمكن بالفعل من الزواج من سليلة الحسب والنسب، و أنجب منها بنتا، وما هي إلا أشهر بعد الولادة حتى انسلخ عن قناعه وعاد إلى شخصيته الحقيقية ،لاسيما أن حماه قد لزم الفراش ،نظرًا لأمراض الشيخوخة ،التي كانت تزداد أكثر فأكثر كلما تقدم بالعمر، مما سنحت له الفرصة في الاستيلاء على مصانعه وشركاته، وبات الآمر الناهي في البيت ،بعدما كان يتمسح من أجل نظرة رضا يحصل عليها من زوجته و أبيها، فلم يقتصر الأمر على تكالبه على السلطة والمال فحسب ،بل صار يضرب زوجته ضربا  مبرحا  ويكثر من السباب حتى صارت ابنته تهابه وتختبئ وراء أمها خوفا من بطشه و سطوته. زادت حماقاته أكثر ،و بدأ يسلك الطرق الملتوية في صفقاته ومعاملاته التجارية، و بدأ يرتاد أحد الملاهي الليلة ، حتى ذاع عنه علاقاته المتعددة والمحرمة بين أوساط الناس ،فسار الخبر كالنار في الهشيم حتى وصل إلى زوجته التى سارعت بطلب الطلاق فور تأكدها من صحة الخبر.