الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

نورهان البطريق تكتب: لكل ظالم نهاية 3

صدى البلد

رفض طلبها في أول الأمر، وزاد في تعذيبها أكثر فأكثر حتى استحالت العيشة بينهما، فأخذت تتوسل إليه و ترجوه أن يرحمها من كل هذا العذاب، و لكنه جذبها من شعرها ، وأخذ يمسح بها أرض الغرفة ،ثم جذبها من ذراعها ،وثبت عينيه في عينيها وقال لها "عايزة تتطلقي تتنازلي عن كل حقوقك، و ابوكي يتنازل على كل ممتلكاته ليا " أجابته باكية تحاول أن تخلص نفسها من بين يديه " موافقة بس بشرط تسيب ليا البنت انا أربيها " أجابها بجحود "خديها مش عايزها، فاكرة نفسك جايبالي الولد اللي هيشيل اسمي ،في داهية انتي وهي وابوكي ".

بعد أن حصل على التنازل منها ، وأصبح كل شيء ملكًا له وطوع يده، بدأ برفع دعوى بحضانة ابنته، مستندًا إلى محام لا تختلف أخلاقه عنه كثيرًا. واتفقا سويا على تأكيد أن الأم سيئة السمعة وغير جديرة بتربية البنت، وأنه قام بتطليقها بسبب خيانتها له ،فلم يتحمل الأب سماع هذا الكلام المشين على ابنته حتى أصيب بسكتة قلبية وتوفى في الحال، وبينما كانت الابنة تحاول إنقاذ أبيها وتنتحب لوفاته المفاجئة، حكمت المحكمة بانتقال حضانة الطفلة إلى الأب بعد إثبات عدم أحقية الأم بتربيتها، فما إن أدار لها ظهره حاملًا ابنته على ذراعه ،حتى أخذت تردد "حسبي الله ونعم الوكيل".

مرت عشرون عامًا ،وكبرت الطفلة وصارت فتاة يافعة ، والتحقت بكلية الطب، أخذت تدرس وتتعلم، وكانت حياتها بين بيتها المتمثل في أبيها لاسيما بعد أن أقنعها أن أمها قد توفيت منذ كانت طفلة ، و الجامعة المتمثلة في صديقاتها، إلى أن دق الحب باب قلبها وأحبت زميلا لها ،وجاءت إلي أبيها تزف إليه الخبر، وتطلب منه أن يقابله هو وأهله للاتفاق على موعد الخطبة تعنت ورفض طلبها خاصة أنه قد علم أن مستوى الأهل المادي متواضع ، إلا أنها ألحت عليه كثيرًا ، وأقنعته أنه شاب طموح ومجتهد، فوافق على مضض. 

وجاء الموعد المتفق عليه ، وقابل أبو الفتاة أهل العريس، و بعد السلام وتقديم الحلوى قام أبو العريس بتعريف نفسه وعائلته ،فما إن سمع الرجل الاسم وبعض المعلومات حتى اصطبغ وجه بالوجوم و الاصفرار، وساد الصمت بالمكان ، وما إن استوعب الصدمة حتى انتفض من مكانه واقفًا، و أنهي المقابلة في الحال، فلم يفهم أحد ما حدث فالكل يتساءل :هل أصاب الرجل ضربا من الجنون؟ !!!!
شيعت البنت حبيبها إلى الباب بينما كانت دموعها تسبقها، فما إن حاول الشاب أن يهون على حبيبته حتى نهره أبوه،و دفع به خارج البيت متجها به نحو السيارة تأهبا للرحيل.

أغلقت البنت باب المنزل بقوة إلى الحد الذي جعل اللوحة المعلقة عليه تتساقط وتتناثر أجزاؤها على الأرض، وتوجهت نحو غرفة الضيوف لتصب جل غضبها على مسامع أبيها، فلم تجد منه ردا على غضبها سوى " خلي أبوه ييجي يقابلني بكرة في المكتب " فلم ينبس بعدها بكلمة ، وتركها وانصرف نحو غرفته.

رفض أبو الولد أن يذهب إليه لمقابلته بسبب الطريقة التى طردهم بها من بيته، إلا إن ابنه ظل يلح إليه،فما كان بوسعه إلا أن يوافق من أجل سعادة ابنه فحسب. دلف الرجل إلي المكتب في الموعد ،فوجد الآخر يطل على نافذة شرفته يتابع موظفي شركته ،قائلا "ملقتش غير بنتي عشان ابنك يلعب عليها " فرد الآخر "أنا معرفش مين بنتك ، كل اللي أعرفه أن ابني حبها، وأنا ميهمنيش ف الدنيا شىء غير سعادته ".

ضحك ضحكًا زلزل الغرفة من شدته قائلا بسخرية "لسه بتاع شعارات وكلام فاضي، زي مانت متغيرتش ، زي ما كنت بدافع دايما عن فقر أبوك و قلة حيلة امك، وبتشوفها إنها قناعة و عزة نفس".

قاطعه غاضبا وبصوت حانق"انت مين"؟
التفت إليه هذه المرة لكي يتابع تعبيرات وجهه فور أن يخبره "اخوك".
لم تتمكن قدماه من حمله أكثر من ذلك ، و اتكأ على المكتب حتى جلس على الكرسي ، ثم قال له "كذاب " فرد عليه " تحب اقولك على دليل، فاكر لما كنت يسرق مفاتيح الجراج وأفضل اللف بالعربيات طول الليل، وانت كنت بتستني طول الليل عشان ترجع لأبوك المفاتيح".

قام الرجل متوجها نحو الباب ،فقاطعه قائلا محمد انا موافق على جواز ابنك من بنتي، بالمقابل السر ده ميطلعش بره الاوضة دي، كده ولا كده احنا اسامينا دلوقتي ملهاش علاقة بعض، ملهاش لازمة تفضح سري قدام بنتي ،انا دلوقتي رجل أعمال كبير وليا اسمي ومركزي في السوق.

رد عليه منكسرا "حتى اسم أبوك استعريت منه" وقبل أن يغادر ، رمقه نظرة تنم على احتقاره له و ازدرائه .

تمت مراسم الخطبة في فيلا العروس، وقام الأب بتقديم فرصة عمل لعريس ابنته فى المستشفى الخاص به،قدم الجميع المباركة على الخبرين سويا إلا الأب ، ضاق صدره بهذا الخبر ، وتسلل إليه شعور بالخوف والقلق على ابنه، وبالفعل تحقق شعور الأب بعدما قام أخوه بتلفيق قضية تجارة الاعضاء البشرية لابنه، واتخاذه المستشفى ستارا لإجراء العمليات غير القانونية. وبالفعل تم حبس الشاب بعد أن تمكن بأساليبه الرخيصة من إثبات التهمة عليه. قصد أبوه مكتب أخيه ،يتوسل إليه، ويوعده أن يبعد ابنه عن ابنته مقابل التنازل عن القضية، لكنه رفض ، ونادى على أفراد الأمن ليطرحوه خارج المبنى ، وبعد مرور سنوات على قضية زوجته إلا أنه تذكرها ، نظرا للعامل المشترك بينهما وهي مقولة "حسبي الله ونعم الوكيل "الذي ظل يرددها أخوه أثناء خروجه.

حزنت البنت حزنا شديدا ،انزوت على نفسها في غرفتها ،وقد أعلنت مقاطعتها للطعام ،حتى أنها صارت لا تفارق غرفتها،صامتة طيلة الوقت شاحبة الوجه ،لم تعد ترغب برؤية أحد ولكن أباها لم يكترث لكل هذه الأعراض وظن أنها حالة من الميوعة والدلع تتحلى بها كأغلب بنات جيلها. وذات يوم دلف الي غرفتها،ليخبرها أن رجلًا ثريا تقدم لخطبتها ،وعليها أن تستعد للحفلة التي سيتم تحديدها خلال الأيام القادمة.

هزت رأسها موافقة، وما إن خرج ،حتى طلبت من خادمتها أن تحضر لها طعاما ،ففرحت لنطقها ولشهيتها التى استعادتها ، وانطلقت لتلبي لها طلبها،فما إن خرجت حتى قامت الفتاة وأغلقت الباب بإحكام، فما إن مرت دقائق معدودة حتى عادت الخادمة تقرع الباب،ولكن دون أن يأتي لها إذن بالدخول ، فلما كررت طلبها "ستي ستي الأكل ياستي " ،ولم تفلح للوصول إلي اية نتيجة ،فتحت الباب ،فما إن وطأت بقدميها الغرفة حتى سقط الطعام منها على الارض، وأخذت تصرخ وتبكي، فتحرك الجميع صوب الغرفة، فوجد الفتاة غارقة في بحر من الدماء بعد عن مزقت أوردتها، حاول الجميع إسعافها، ولكن بعد فوات الأوان فقد صعدت روحها إلي بارئها تاركة ورقة بخط يدها "مش مسمحالك يا بابا على كسرة قلبي حسبي الله ونعم الوكيل".

صدم الأب رأسه عدة مرات بالحائط حتى سال دمه على جبينه بعدما قرأ هذه الكلمات، وأخذ يبكي ويصرخ ويحطم فى أثاث الغرفة، ثم انهال بالضرب والإهانة على الخدم والحرس ويردد "كنتوا فين لما عملت فى نفسها كده،انتوا السبب ،ثم أخذ يحدق بفراغ الغرفة ويقول "لا انا السبب، انا اللي حرمتها من أمها ،وبعد كده من حبيبها، لا وكمان كنت هبيعها بالفلوس لواحد في عمر جدها".

تقوقع على نفسه، و نقل أغراضه إلى غرفتها وظل يبكي عليها ليالي و أياما  طويلة ، حتى ظن كل من حوله أنه تاب بعد وفاة ابنته، وأنه سيكفر عن ذنوبه وسيرد المظالم إلى أهلها. إلا أنهم خاب ظنهم عندما رأوه يعود كل ليلة مخمورا يترنح يمينًا ويسارا ويتخبط بالمارة إلى أن يصل الى باب غرفته،فيستلقى على سريره فاقد الوعي والشعور بكل من حوله.

وفي يوم العطلة، طلب من إحدي الفتيات التى قد تعرف عليها أثناء ارتياده على الملهى الليلي أن تذهب معه إلى بيته ،فوافقت بعدما أن دس في حقيبة يدها مبلغا جعلها توافق دون تردد، وما إن فتح باب بيته حتى تلقى طعنة في ظهره جعلته يسقط أرضا ،فما إن رأت فتاة الليل ذلك المشهد المفزع بين لص يحاول أن يقبض روحها ، و آخر يسقط صريعا حتى فرت هاربة من الباب، بعد أن ألقت بحقيبتها في وجهه  ليأخذ كل ما بحوزتها مقابل أن يتركها تعيش . وما إن خرجت من الباب حتى طلب من الرجل أن يكشف عن وجهه ليتعرف عليه ، فلديه فضول أن يعرف ما إذا كان أخاه، أم زوجته جاءت لتنتقم لابنتها أم واحدا ممن غدر بهم، وظلمهم بلا هوادة أو شفقة. و إذا به يخلع قناعه فيتفاجأ بـ "وائل " ابن حارس الفيلا ، وبدأ الولد يتصبب عرقا ويتعلثم وقال "لم أقصد قتلك ياسيدي كل ما في الأمر أنني أخطط لسرقتك منذ أيام ، و انتظرت يوم عطلة أبي حتى أتمكن من سرقة مفاتيح البوابة الخارجية منه وهو نائم ،ومن ثم يمكنني أن أتسلل إلى الفيلا من سلم الخدم ، فأقوم بسرقة كل مايمكن أن تطوله يداى، ومن ثم أبيعه لأتحصل على المال الذي من شأنه أن يلبي رغباتي من سهر وتسكع بالشوارع ، فأبي فقير لايمكنه أن يلبي احتياجاتي، أما أنا فأحلم أن أكون غنيًا ".

تمعن الرجل في الطفل وكأنه يعاود شريط صباه وظل يحملق فيه وهو يردد "نفس الكلمات، نفس تعبيرات الوجه ،نفس حالة عدم الرضا، كأنه مرآة ، تنعكس فيها صورتي " ثم اعتدل في جلسته كأنه يحاول أن يلملم آخر كلمات له ،قال "لا تخف ،ستصبح غنيا. و لا أخفي عليك سرا ،ستكون يوما صاحب هذه الفيلا، ولكن أعلم أنك كلما تقدمت خطوة فى هذا الطريق كلما خسرت واحدًا تلو الآخر من أهلك،و كلما تحول حبهم لك إلى كراهية بسبب أنانيتك وجحودك ،إلى أن يؤدي بك الطريق فى نهاية المطاف إلى الموت المحقق، فتطعن بالسكين فى ساعة متأخرة من الليل على يد واحد مثلك،"لأن الطيور على أشكالها تقع " وبذلك فقد لازمت عدد أنفاسه عدد كلماته ، فما إن انتهي منها، حتى انقطعت أنفاسه وتوقفت نبضاته و توفى بالحال.