الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

دوائر ثقافية غربية تستغل احتجاجات هونج كونج للنيل من التنين الصيني

صدى البلد

تحولت الاحتجاجات التي تشهدها جزيرة هونج كونج منذ أسابيع إلى فرصة مواتية لدوائر غربية للنيل من الصين وتجربتها الاقتصادية عبر حملة مكثفة ومتعددة الجوانب تشارك فيها منابر ثقافية بالغرب.

ومع تصاعد الاحتجاجات في هونج كونج تصدرت كتب جديدة في الغرب لتردد مقولات حول انهيار متوقع للاقتصاد الصيني ليتحول الأمر في سياق تلك الحملة الغربية الجديدة إلى "استهداف شامل لكل ما حققته الصين من إنجازات عبر تجربة اقتصادية فريدة" وكأن هذه الجزيرة التي احتلتها بريطانيا عام 1842 يمكن أن "تؤدي لخلخلة التنين الصيني".

وكانت هونج كونج قد عادت إلى حكم الصين عام 1997 مع تمتعها بدرجة عالية من الحكم الذاتي فيما وصفت وسائل إعلام غربية الاحتجاجات الحالية في هونج كونج بأنها تشكل تحديا كبيرا للرئيس الصيني شي جين بينج الذي تولى السلطة عام 2012.

وترى السلطات الصينية أن دولا غربية تدعم المظاهرات العنيفة المناهضة لبكين في هونج كونج التي كانت مستعمرة بريطانية في وقت تبرز فيه وسائل الإعلام الغربية ما تصفه "بالاحتجاجات التي تحولت إلى حركة مطالبة بإصلاحات ديمقراطية في المستعمرة البريطانية السابقة".

وفيما حثت الصين بريطانيا "لوقف تدخلاتها في هونج كونج والشؤون الداخلية الصينية" ذهب السياسي كريس باتن الذي كان اخر حاكم بريطاني لهونج كونج إلى أن تدخل الصين في تلك المدينة سيكون بمثابة "كارثة" ودعا رئيس وزراء بريطانيا بوريس جونسون لتنسيق المواقف مع الولايات المتحدة بشأن الأزمة الحالية في هونج كونج.

وطالب مسؤول في إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب "جميع الأطراف لتجنب العنف في هونج كونج" وما وصفه "باحترام الآراء السياسية المتنوعة" بينما تتوالى كتب جديدة في الغرب لا يمكن وصفها إلا بأنها تشكل نوعا من الاستهداف العدائي للصين.

ومن أحدث تلك الكتب التي تشكل بوضوح استهدافا للتجربة الاقتصادية الصينية ذلك الكتاب الصادر بالإنجليزية في لندن بعنوان "تنين من ورق: الصين والانهيار القادم"لوالدن بيلو فيما تبارت صحف غربية في عرض الكتاب بتعليقات تنزع نحو التأكيد على أن الاقتصاد الصيني يواجه عوامل أزمة حادة.

وإذا كان هناك من لا يخفي في الغرب الرغبة في تقويض إنجازات التجربة الاقتصادية الصينية الفريدة فهذا الكتاب الذي يسعى لإلقاء ظلال قاتمة على النموذج الاقتصادي الصيني يذهب مؤلفه إلى أن حجم الديون المصرفية يقترب من ثلاثة أضعاف الناتج المحلي الإجمالي للصين وأن الأزمة الاقتصادية القادمة في هذه الدولة ستكون سببا لإشعال أزمة اقتصادية عالمية جديدة بحكم التداخل المعولم والتشابك الكثيف بين الاقتصاد الصيني واقتصاديات العالم ككل.

وفي سياق الحديث عما يصفه والدن بيلو "بالأزمة المالية الناشئة في الصين" يتناول الكتاب قضايا مثل العلاقة بين النمط الصيني الفريد للشيوعية والليبرالية الجديدة "النيو ليبرالية" كما يناقش ما يوصف "بالتناقضات الذاتية للنمط الشيوعي الصيني".. مشددا على أن "انهيار التجربة الاقتصادية الصينية سيفضي لتداعيات وعواقب وخيمة تمتد آثارها للعالم".

والكتاب حافل بمصطلحات وتعبيرات نحتت فيما يبدو بمداد الكراهية للنموذج الصيني مثل "الفقاعة العقارية الصينية" وهو مصطلح سيء السمعة اقترن بالأزمة الاقتصادية الأمريكية التي انفجرت عام 2008 لتفضي لأزمة اقتصادية ومالية عالمية كما يتحدث مؤلف الكتاب عما يصفه "بمنظومة الظل المصرفية الصينية التي تقدم قروضا عقارية".

وفي تعليقات للصحافة الغربية على هذا الكتاب الجديد يمكن ملاحظة نبرة التشفي في متاعب يعاني منها النموذج الاقتصادي الصيني مع إشارات حول انعكاسات "الحرب التجارية الأمريكية ضد الصين على هذا النموذج" حتى إن بعض المعلقين مثل ويل هوتون المعلق في جريدة الأوبزرفر البريطانية اعتبروا أن هذه الحرب التجارية يمكن أن تؤدي لتسريع الانهيار الاقتصادي في الصين.

وفيما أطلقت الصين حملة دعائية ضخمة معتبرة "الولايات المتحدة عدوة العالم" تحفل الصحافة الثقافية الأمريكية والغربية ككل بطروحات وعروض لكتب مناوئة للنظام الحاكم في بكين واتجهت بوضوح "للتوظيف السياسي لاحتجاجات هونج كونج بغرض النيل من النظام الحاكم في الصين".

وفي دورية "نيويورك ريفيو" الثقافية الأمريكية اتهم الكاتب ايان جونسون السلطات الصينية بمطاردة الأكاديميين والمثقفين المستقلين عن الحزب الشيوعي الحاكم.. معتبرا أن العام الحالي هو "عام يتسم بحساسية خاصة في الصين حيث حلت الذكرى الثلاثين لأحداث تيانانمين كما تحل فيه الذكرى ال 70 لتأسيس جمهورية الصين الشعبية" وكذلك الذكرى ال20 لما وصفه "بقمع السلطات الصينية لطائفة "فالون جونج".

وهذه الطروحات والكتب الجديدة التي تبرزها الصحافة الثقافية الغربية تتضمن كتابات لمنشقين صينيين مثل "ما جيان" صاحب كتاب "غيبوبة بكين" والذي أفسحت له جريدة الجارديان البريطانية حيزا كبيرا لطرح بعنوان :"ناج من تيانانمين".

وفيما حمل كتاب "غيبوبة في بكين" رؤيته لأحداث تيانانمين الدامية بدا "ما جيان" حريصا على مغازلة الثقافة الغربية وإظهار إعجاب المنشقين الصينيين بأسماء شهيرة لأدباء في الغرب مثل فيرجينيا وولف وكلود سيمون والين جينسبيرج بقدر حرصه على كيل الاتهامات للسلطات الصينية بقمع المبدعين وفرض قيود خانقة على حرية التعبير.

ولاريب أن الغرب يطرب لمثل هذه الاتهامات التي يوجهها منشقون صينيون للنظام الحاكم في بلادهم ويسعد بكلمات كتلك التي ذهب فيها "ما جيان" إلى أن النظام الحالي في بكين "يسعى لبناء قوة عظمى شمولية ذات اقتصاد متطور وعالي التقنية تشكل خطرا جسيما على الديمقراطيات حول العالم"وأن أشياء مثل "الناتج المحلي الإجمالي أهم بكثير عند هذا النظام من الحياة الإنسانية".

وإذا كانت المواجهة بين دول في الغرب بقيادة الولايات المتحدة مع الصين تتخذ أساسا طابع "الحرب التجارية" فإن بكين تنتنقد ما تصفه "بالتنمر التجاري الأمريكي" بعد أن هدد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بفرض المزيد من القيود على السلع الصينية.

ومع توترات تصاعدت بين الجانبين الأمريكي والصيني في خضم تنافس على مكاسب تجارية لتتحول إلى مواجهة تثير قلقا عالميا يتجدد الحديث بقوة في الآونة الأخيرة عن "الحرب الثقافية" بصورة تعيد للأذهان أجواء عصر الحرب الباردة بين الغرب بقيادة الولايات المتحدة ومنظومة حلف وارسو بقيادة الاتحاد السوفيتي السابق والذي دخل في ذمة التاريخ في مطلع العقد الأخير من القرن الماضي فيما باتت هذه الحرب تستخدم ضمن ممارساتها لافتات حقوق الإنسان.

وتتهم الصين الإدارة الأمريكية باستخدام لافتات وشعارات حقوق الانسان "كآداة ضمن أدوات سعيها لتكريس هيمنتها العالمية" فيما تطلق بكين تحذيرات للمواطنين الصينيين من السفر للولايات المتحدة التي رأت صحيفة الشعب الصينية أنها "عدوة العالم".

وما يحدث الآن على صعيد الحرب الثقافية والدعائية بين دول في الغرب بقيادة الولايات المتحدة والصين يستدعي ذكريات ظن البعض أنها دفنت للأبد مع انتهاء الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي السابق.

والتركيز الواضح في الصحافة الثقافية الغربية على أسماء أدباء صينيين منشقين أو معارضين للنظام الحاكم في بلادهم ليس بالأمر الجديد في خضم الحروب الثقافية والدعائية حيث عمد الغرب لهذا الأسلوب أثناء الحرب الباردة مع الاتحاد السوفيتي السابق.

وإن كان انهيار الاتحاد السوفيتي ودول المنظومة الشيوعية التي دارت في فلك موسكو قد أفضى لفتح ملفات الأرشيف السري وكشف طرف من الحروب الثقافية التي دارت بين المنظومتين الغربية الرأسمالية والشيوعية وأسهمت بقوة في خلخلة الاتحاد السوفيتي السابق فإن هذه الحروب تتجدد الآن بصيغ متعددة في المواجهة الغربية بقيادة الولايات المتحدة مع الصين.

من الواضح لكل ذي عينين أن هذه الحروب الثقافية والدعائية لم تكن بعيدة عن استخدام منظمات غربية ترفع لافتات حقوق الإنسان بينما يفضي التحليل الموضوعي لممارساتها عن كشف نزعة واضحة "لتسييس قضايا حقوق الإنسان بما يخدم مصالح الجهات والأطراف التي تقف وراء هذه المنظمات" وهو ما يحدث في الاستهداف الأمريكي والغربي للتجربة الاقتصادية الصينية التي حققت إنجازات مزعجة للأمريكيين ودول أخرى في الغرب.

ومن جانبها، تمضي الصين في تصعيد حملتها الدعائية ضد الولايات المتحدة ودول أخرى في الغرب وخاصة بريطانيا وتذهب تقديرات أمريكية إلى أن حجم الموازنة الصينية المخصصة سنويا لتعزيز "الحضور العالمي لوسائل الإعلام الصينية" يصل إلى 10 مليارات دولار أمريكي.

ويبدو أن الاحتجاجات الحالية في هونج كونج تكتب صفحة جديدة في الحروب الثقافية والدعائية بين الغرب والصين فيما تتحول تلك الجزيرة التي تعد من المعالم السياحية العالمية إلى بؤرة لنوع جديد من الحروب العالمية.