الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

في ذكرى رحيله.. غازي القصيبي هزم الكآبة بالتعليم.. ورفض العمل مع والده في التجارة لإكمال دراسته.. تقلد العديد من المناصب..كتب "حكاية حب"

صدى البلد

في ذكرى وفاة الشاعر السعودي غازي القصيبي
ولد في حياة كئيبة بسبب وفاة والدته
خرج من السعودية من أجل الدراسة وعاد إليها يحمل شهادة البكالوريوس


في بيئة مشبعة بالكآبة، كانت ولادته التي وافقت اليوم الثاني من شهر مارس عام 1940 ذلك الجو الكئيب كانت له مسبباته، فبعد تسعة أشهر من ولادته توفيت والدته، وقبل ولادته بقليل كان جده لوالدته قد توفي أيضًا وإلى جانب هذا كله كان بلا أقران أو أطفال بعمره يؤنسونه، في ذلك الجو، إنه الشاعر السعودي غازي القصيبي الذي تحل اليوم ذكرى رحيله.

ويقول غازي عن حياته في الطفولة: «ترعرعت متأرجحًا بين قطبين أولهما أبي وكان يتسم بالشدة والصرامة فكان الخروج إلى الشارع محرّما على سبيل المثال، وثانيهما جدتي لأمي، وكانت تتصف بالحنان المفرط والشفقة المتناهية على الصغير اليتيم»، ولكن لم يكن لوجود هذين المعسكرين في حياة غازي الطفل تأثير سلبي كما قد يُتوقع بل خرج من ذلك المأزق بمبدأ إداري يجزم بأن «السلطة بلا حزم تؤدي إلى تسيب خطر، وأن الحزم بلا رحمة يؤدي إلى طغيان أشد خطورة» هذا المبدأ، الذي عايشه غازي الطفل طبقه غازي المدير وغازي الوزير وغازي السفير أيضًا فكان على ما يبدو سببًا في نجاحاته المتواصلة في المجال الإداري.

قضى غازي عبد الرحمن القصيبي، الشاعر والأديب والسفير الدبلوماسي والوزير سعودي، في الأحساء سنوات عمره الأولى ثم انتقل بعدها إلى المنامة بالبحرين ليدرس فيها مراحل التعليم، حصل على درجة البكالوريس من كلية الحقوق في جامعة القاهرة، ثم حصل على درجة الماجستير في العلاقات الدولية من جامعة جنوب كاليفورنيا التي لم يكن يريد الدراسة بها، بل كان يريد دراسة القانون الدولي في جامعات أخرى من جامعات أمريكا، وبالفعل حصل على عدد من القبولات في جامعات عدة ولكن لمرض أخيه نبيل اضطر إلى الانتقال إلى جواره والدراسة في جنوب كاليفورنيا وبالتحديد في لوس أنجلوس ولم يجد التخصص المطلوب فيها فاضطر إلى دراسة العلاقات الدولية أما الدكتوراة ففي العلاقات الدولية من جامعة لندن والتي كانت رسالتها فيها حول اليمن كما أوضح ذلك في كتابه حياة في الإدارة.

لم يستمر جو الكآبة الذي ودل فيه "غازي"، ولم تستبد به العزلة طويلًا بل ساعدته المدرسة على أن يتحرر من تلك الصبغة التي نشأ بها ليجد نفسه مع الدراسة بين أصدقاء متعددون ووسط صحبة جميلة، في المنامة كانت بداية مشواره الدراسي حتى أنهى الثانوية، ثم حزم حقائبه نحو مصر وإلى القاهرة بالتحديد وفي جامعتها انتظم في كلية الحقوق، وبعد أن أنهى فترة الدراسة هناك والتي يصفها بأنها غنية بلا حدود ويبدو أنها كذلك بالفعل إذ يُقال إن رواية شقة الحرية التي كتبها، والتي كانت هي الأخرى غنية بلا حدود تحكي التجربة الواقعية لغازي أثناء دراسته في القاهرة.

بعد ذلك، عاد إلى السعودية يحمل معه شهادة البكالوريوس في القانون وكان في تخطيطه أن يواصل دراسته في الخارج وأصرّ على ذلك رغم العروض الوظيفية الحكومية التي وصلته وكان أهمّها عرضًا يكون بموجبه مديرًا عامًا للإدارة القانونية في وزارة البترول والثروة المعدنية "وزارة الطاقة والصناعة والثروة المعدنية حاليا" والتي كان يحمل حقيبتها آنذاك عبد الله الطريقي إلا أنه رفضه مقدمًا طموح مواصلة الدراسة على ما سواه.

كان أباه حينها قد عرض عليه الدخول في التجارة معه ومع إخوته إلا أنه اعتذر من أبيه عن ذلك أيضًا فما كان من الأب شديد الاحترام لاستقلال أولاده كما يصفه ابنه إلا أن يقدّر هذه الرغبة بل وساعده بتدبير أمر ابتعاثه الحكومي إلى الخارج وهذا ما تم، وفي 1962 ونحو لوس أنجلوس في الولايات المتحدة الأميركية كانت الوجهة هذه المرة وفي جامعة جنوب كاليفورنيا العريقة قضى ثلاث سنوات تتوّجت بحصوله على درجة الماجستير في العلاقات الدولية.

وفي أميركا وأثناء دراسة الماجستير، جرّب غازي منصبًا إداريًا للمرة الأولى وذلك بعد فوزه بأغلبية ساحقة في انتخابات جمعية الطلاب العرب في الجامعة، وبعد رئاسته لها بأشهر أصبحت الجمعية ذات نشاط خلاق، بعد أن كانت الفرقة سمتها نظرًا للوضع الذي كان يعيشه الوطن العربي آنذاك والذي يؤثر بالطبع على أحوال الطلاب العرب.

عاد إلى الوطن وعمل أستاذًا جامعيًا ثم إكمال الدراسة والحصول على الدكتوراه بعد فترة عملية، كان قرار غازي من بين خيارات عدة، فعاد إلى الرياض عام 1964 وإلى جامعتها - جامعة الملك سعود حاليًا - تقدّم آملا بالتدريس الجامعي في كلية التجارة - إدارة الأعمال حاليًا - ولكن السنة الدراسية كانت قد بدأت قبل وصوله، ما جعل أمله يتأجل قليلًا حتى السنة التالية، وفي تلك الأثناء قضى غازي ساعات عمله اليومية في مكتبة الكلية "بلا عمل رسمي" وقبيل فترة الامتحانات الجامعية جاء الفرج حاملًا معه مكتبًا متواضعًا ومهمة عملية لم تكن سوى لصق صور الطلاب على استمارات الامتحان وقام حامل الماجستير في العلاقات الدولية بتلك المهمة عن طيب خاطر.

وقبل بدء السنة التالية، طلب منه عميد الكلية أن يجهّز نفسه لتدريس مادتي مبادئ القانون ومبادئ الإدارة العامة إلا أنه وقبيل بدء الدراسة فوجئ الأستاذ الجامعي الجديد بأنه عضو في لجنة السلام السعودية – اليمنية التي نصت عليها اتفاقية جدة لإنهاء الحرب الأهلية في اليمن وكان أن رشح اسمه كمستشار قانوني في الجانب السعودي من اللجنة دون علمه، ليأتي أمر الملك فيصل باعتماد أسماء أعضاء اللجنة فلم يكن هناك بدّ من الانصياع لهكذا عضوية، ومع أوائل العام 1966 كانت مهمة اللجنة قد انتهت ليعود المستشار القانوني السياسي إلى أروقة الجامعة، وكلف حينها بتدريس سبع مواد مختلفة. وفي 1967 غادر نحو لندن ليحضّر الدكتوراه هناك، وكتب رسالته حول حرب اليمن ثم عاد إلى الرياض في 1971 ولكنه قد أصبح الدكتور غازي ليبدأ مشواره العملي ويصل إلى مجلس الوزراء بعد أربع سنوات في التشكيل الوزاري الذي صدر عام 1975.

ومن مؤلفاته وإنتاج الأدبي: "شقة الحرية، حياة في الإدارة، دنسكو، أبو شلاخ البرمائي، العصفورية، سبعة، سعادة السفير، الجنية، العودة سائحا إلى كاليفورنيا، هما، حكاية حب، رجل جاء وذهب، أقصوصة ألزهايمر، نشرت بعد وفاته".
توفي عن عمر يناهز السبعين عامًا في يوم الأحد 5 رمضان 1431 هـ الموافق 15 أغسطس 2010 الساعة العاشرة صباحًا في مستشفى الملك فيصل التخصصي بالرياض بعد معاناة طويلة مع المرض.