الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

خالد الشناوي يكتب:النزوح صوب المتعاليات

صدى البلد



إلهي وسيدي ومولاي أسألك:
سطوعا يقشع الضباب
همة وقامة فوق السحاب
روحا مستنيرة تفتح كل باب
أسألك شمسا للمعارف لا تغيب
نافذة من نور قربك_بها_يحين للجسد المتعب أن يستريح
وللروح الثائرة أن تعود
وللقلب المعنى أن يسكن أنينه

وها أنا وقد طردت أسراب اليأس الدميم وسوء الظن رمادا أثيم....فهربت من متاهة ظلماء عمقها سموم....مزقت أوهام الظن المشؤوم.....وصحوت من الليل الموصوم.....فانقشعت وحشية الغيوم وبربرية النجوم.....

تراتيلي الوجدانية قد تكون في قلب يدور رغم سكون جسده وروح تطوف رغم هدوء العالم من حولها ... فالعاشق قد تضيق به الدنيا رغم اتساعها وقد يسعه جحر ضب فيكون له أرض وسماء
________________

بادرني أحدهم سائلا: أهؤلاء يمثلون التصوف؟
ثم أردف قائلا:
لقد كدت أن ألفظ التصوف جراء فعلهم
وبسبب هؤلاء الذين أساءوا وشعوذوا وألصقوا بالتصوف التهم الثقال !

قلت:لا تحكم على التصوف من خلال هؤلاء اللقطاء وإنما من خلال أقطابه وعارفيه ومفكريه من ذوي البصيرة المستنيرة.
فالتصوف كالبحر ينفى وسخه "وأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض".

فالتمييز بين الحقيقي والزائف إنما هي خلفيات مكتسبة من التجارب يقاس عليها ما يمر به المرء من أحداث واطوار وليس سوى قليل من الناس من يدرك ذلك .

إن أردت التصوف القويم فعليك أن تهرع إلى ميدان الفكر والمعرفة وأن ترجع بتصوفك إلى مجاهدة النفس حتى تشرق أنوار معرفتك بربك حق المعرفة وذلك يكون بصحبة أرباب البصائر.

وما تشكوا منه اليوم هو حال المتمشيخين الذين تعجلوا بالتصدر للمشيخة قبل نضجهم الروحي وكمالهم المعرفي فأفلسوا في تربية مريديهم وكيف لا؟

فلم ولن يفلح لهم مريد أبدا
فكيف؟ وفاقد الشئ لا يعطيه!

لقد عانَ التصوف على مرّ الزمان من أدعياء مغرضون تزيّوا بزيه، وانتسبوا إليه، فأساءوا له بأقوالهم وأفعالهم وسلوكهم، والتصوف منهم براء!

ولذلك كان لا بد من التفريق بين أدعياء التصوف المنحرفين، وبين الصوفية الصادقين، أصحاب السلوك، ممن لهم درجات عليا في الإيمان والتقوى والورع.

وآثار كبرى في نشر الأخلاق والدين، والدعوة إلى الله تعالى في سائر العصور والبلدان.

ومتى كان في شريعة الحق والدين أن يؤاخذ الجار بظلم الجار؟
وأن يتحمل الإسلام في جوهره النقي أخطاء المسلمين المنحرفين؟
وأن تنسب إلى هذه الفئة النقية أخطاء المتمصوفة الشاذين من أعداء التصوف؟!

وإنكار بعض العلماء على أفعالٍ شاذَّة منسوبة إلى التصوف وأهله، إنما يستهدف هؤلاء الغلاة المنحرفين من أدعياء التصوف.
ولطالما حذّر الصوفية أنفسهم من هؤلاء الأدعياء!

التصوف يبدأ من الرفض أو من كلمة "لا" يقولها الصوفي الحق لضحالة المادة و دناءتها.

هي جهاد دائم ضد النفس و ضد ميولها و نزواتها
أي قمع الرغبة في الرضوخ للمادة
التي قد تسقط المتصوف في درك الانحلال، إنها ثورة الأعماق على السطوح.

الصوفية هي صنف من أصناف الهجرة فالمتصوف يجيد فن النزوح صوب المتعاليات، من الأسفل إلى الأعلى و من الأرض نحو السمآء.

إنها غريزة الاستعلاء لدى المتصوف الحق .. أي الهجرة من المكان السئ إلى المكان الجيد باعتقاد الإنسان الصوفي.

جاءت الصوفية كرد فعل على انحطاط المجتمع، حيث فساد الأخلاق و تكالب الناس على الثروات و الشهوات..

هنا ينسحب الصوفي بروحه المتعالية على المادة إلى عالمه الكبير الذي يختص بالحرية و الخيال و لذة السؤال عن المجهول

غايتها إعداد النفس للبلوغ إلى الحضرة العالية، حيث الأمن و الجمال و نزعة الحب الإلهي حتى قال قائلهم:

"نحن في لذة لو علمها الملوك لجالدونا عليها بالسيوف"!

يقول الشيخ أحمد زروق_أحد علماء الصوفية الحقة_ في ذلك:

"غلاة المتصوفة كأهل الأهواء من الأصوليين، وكالمطعون عليهم من المتفقهين،

يُردُّ قولهم، ويُجتنب فعلهم، ولا يُترك المذهب الحق الثابت بنسبتهم له، وظهورهم فيه".

وقيل: "إن الخير والشر في كل طائفة من الناس إلى يوم القيامة،

فليس كل الصوفية سواء، كما أنه ليس كل العلماء والفقهاء والمدرسين والقضاة والتجار والأمراء سواء!

إذ فيهم الصالح وفيهم الأصلح، وفيهم الفاسد وفيهم الأفسد، هذا أمر ظاهر لا شبهة فيه عند الجمهور"

إن تكن ناسكا فكن كأويس
أو تكن فاتكا فكن كابن هاني

من تحلى بحليــة ليست فيه
فضحته شواهــد الامتحان

جاء بمركز الإمام الجنيد للدراسات الصوفية :(....فالتصوف في نفسه- كما أشار إلى ذلك علماء أجلاء منهم: العالم الجليل الإمام السيوطي-:

"علم شريف رفيع قدره سني أمره، لم تزل أئمة الإسلام وهداة الأنام قديما وحديثا

يرفعون مناره ويجلون مقداره ويعظمون أصحابه، ويعتقدون أربابه، فإنهم أولياء الله وخاصته من خلقه بعد أنبيائه ورسله،

غير أنه دخل فيهم قديما وحديثا دخلاء تشبهوا بهم وليسوا منهم، وتكلموا بغير علم وتحقيق

فزلوا وضلوا وأضلوا، فمنهم من اقتصر على الاسم وتوسل بذلك إلى حطام الدنيا.

ومنهم من لم يتحقق فقال بالحول وما شابهه، فأدّى ذلك إلى إساءة الظن بالجميع!

وقد نبّه المعتبرون منهم على هذا الخطب الجليل ونصوا على أن هذه الأمور السيئة من ذلك الدخيل...".

وخلاصة القول، فهذا نتف يسير عن التصوف وأهله، من غير المبتدعين المفترين، دعت إليها الضرورة لتصحيح معتقدات بعض الأفراد الذين قد عميت بصائرهم عن رؤية النور.

وتجاهلت حقائق الإسلام، وحكمت على التصوف والصوفية من خلال أعمال بعض المنحرفين والمبتدعين من أدعياء التصوف دون تبين ولا تمحيص!

وذلك حتى يدركوا أثر التصوف وضرورته لإحياء القلوب، وتهذيب النفوس، وكي يطّلعوا على ثمرات التصوف ونتائجه في انتشار الإسلام في مختلف الديار وشتى الأمصار.

فالتصوف الخالص لله رب العالمين يعني الحب والسير نحو حضرة المحبوب جل في علاه لا لعلة ولا لعبادة معلولة بتلك العلة .
وعلى كل فالحب سر إلهي يعطى في كل ذات على حسب ما يليق بها .