الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

أمجد المصرى يكتب.. المبدعون يهزمون إبليس

صدى البلد

من جديد تبوح عروس البحر الأبيض المتوسط ببعض أسرارها الدفينة وتُخرج لنا بعضًا من خباياها التى لا تنضب فنًا وفكرًا وإبداعًا رغم التراجع الشديد وغير المبرر للتوهج الفني فى مدينتى الساحرة فى سنواتنا الأخيرة إلا أنها تعود وتثبت أنها مازالت مدينة الفن والنور والجمال القادرة كل يوم على إنجاب المزيد والمزيد من المبدعين.

فرقة المبدعون المسرحية .. هكذا اطلق هؤلاء الشباب اليانع على أنفسهم وهم يشكلون فرقه واعدة تحاول أن تشق غبار الصمت الفنى الذى ضرب مسارح الإسكندرية بعد أن كانت حتى وقت قريب كاملة العدد خاصة خلال موسم الصيف بمسرحيات لكبار نجوم المسرح فى مصر والذين كانوا يعلمون جيداٌ قيمة جمهور الإسكندرية الذواق فينتقلون بفرقهم وعروضهم إليها ليضيئوا لياليها بالفن والإبداع قبل أن يهجروها مؤخرًا بعض الشىء لأسباب مازالت غير مقنعة ... !!

شباب صغير السن قادتنى الصدفة وإدمان البحث عن اللآلئ الكامنة من أبناء هذا الجيل الشاب الواعي المدرك لقيمته أن أراهم وهم يقدمون عرضًا جيدًا على أحد المسارح بالإسكندرية وسط حضور جماهيرى مقبول، خاصة مع انخفاض سعر تذكرة الدخول وروعة العرض الذى استمر قرابة ساعتين متواصلتين دون أن ينصرف أحد من الحضور حتى المدعويين الذين جاءوا ليقيموا أو ليدعموا أبطال العرض وأغلبهم من صغار السن الذين ربما يقف عدد كبير منهم على خشبة المسرح لأول مرة فى تاريخهم، ورغم ذلك كان لديهم قدرًا جيدًا من الجرأة والثبات فى مواجهة هذا الجمهور الكبير داخل مسرح صغير يستطيع فيه الممثل وهو على الخشبة أن يسمع همسات واراء وانتقادات الحضور أولًا بأول أثناء العرض بكل سهولة ولكن يبدو أن من اعدهم نفسيًا لهذا الغرض كان ماهرًا جدا فلم نرى سقوطًا فى الحوار أو خروجًا عن النص المكتوب طوال العرض وإنما رأينا ثبات واتزان مسرحي رغم ضعف الإمكانيات المساعدة للممثل وكأنهم يتحدون كل الظروف ليثبتوا أن اليأس ما زال خيانة عظيمة.

اختار مؤلف العرض عنوانًا مستفزا للعقول وهو مملكة ابليس وأجاد المخرج الشاب محمد سامى توظيف النص مع قدرات الشباب المؤدى ليخرج فى النهاية بعرض متوازن فكريًا يحمل رسالة طيبة هى أن الأصل فينا هو الخير ولكننا فقط نبتعد احيانًا عن الله وعن ثوابتنا واصولنا وقيمنا الراسخة فتتعثر الخطوات ويتعاظم دور الشيطان إلى أن نعود مرة أخرى إلى الحق والنور فننتصر .. فكرة أخلاقية مثالية راقية والأروع هو تقديمها بشكل بسيط وبأقل الإمكانيات التى تكاد تكون منعدمة فى هذا العرض لدرجة انهم يقدمون عرضًا لليله واحدة فقط نظرًا لعدم وجود دعم مالي يمكنهم من استئجار مسرح بشكل دائم ولكن الأثر فى النهاية كان رائعًا جدٌا بين الحضور من مختلف الأعمار.

فريق شاب محترم نرجو ان يتم دعمه من مسئولى الثقافة وأهل الإسكندرية ورجال المحافظة فهؤلاء المبدعون الصغار فى التأليف والأخراج والتمثيل والغناء احق بالدعم والمؤازرة من أجل أن تعود الإسكندرية مرة أخرى مهدًا للمبدعين وقبله لعاشقى الفن وحتى نعطى لشبابنا الصغير املًا وقدوة فهؤلاء اختاروا طريق الفن الراقى رغم صعوبته بدلًا من أن تتخطفهم الأفكار والاتجاهات المتطرفة سلوكًا وفكرًا والتى أصبحنا نعانى منها بين شبابنا فى سنوات التشتت الأخيرة.

تحيه إلى هذا الشباب الواعى ومن اكتشفهم ونظمهم فى شكل فريق متكامل بعدد كبير وموهبة واضحة ولنرى كثيرًا من هذه التجارب الجيدة على أرض الإسكندرية الحبيبة فهذا قدرها وقدرنا معها لنظل دائمًا نردد فيها حاجه حلوه رغم أنف من يزرعون فى أرضنا ياسًا وإنكساراٌ ومن يبثون فى وجدان أبنائنا وصغارنا فنًا هابطًا لا يليق بعراقة وقيمة هذا الشعب العبقرى الخالد ... عظيمه يا مصر .