الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

د. مجدى بدران يكتب: إدمان الشاشات الإلكترونية

صدى البلد



هل أصبحت الشاشات الإلكترونية بمثابة مقاهى تخطف الناس من عقر دارهم ، و تغيب أفراد الأسرة عن الحياة الأسرية ، و تحرمهم من القراءة و الاطلاع ، و تعطل الإنتاج .

عاد الأب متعبا بعد يوم عمل طويل ، فوجئ بسكون تام فى منزله ، راح يبحث عن إبنته فوجدها أمام شاشة التلفزيون الضخمة ، و وجد الإبن الأصغر قابعا فى الظلام متسمرا أمام شاشة الهاتف الذكى ، أما الإبن الأكبر فكان غائبا فى أحراش الفيس بوك على اللاب توب ، و كالعادة الزوجة أون لاين مع صديقات الشات على الآى باد . عادت به الذاكرة للوراء عندما كان أبوه يدخل البيت ، و كان الأولاد يتسابقون لتحيته وإحتضانه ، و الأم تسرع باسمة لتحمل عنه ما فى يديه ! كان هناك مراسم لاستقبال رب البيت عند دخوله بيته ، ولم لا ، ألا يستحق إهداء باقات من البسمات و الفرج والسرور بعودته إلى أسرته . هناك فرق ، و سوء إستخدام التكنولوجيا أصاب الأسرة بالخرس الإجتماعى .

قل الحديث بين الإخوة ، بل وبينهم وأبويهم داخل البيت، وبين الزوجين أيضا حتى فى شهر العسل . من الغال أن يتناول كل فرد فى الأسرة طعامه منفردا أمام شاشته ومع أصدقاء العالم الافتراضى . ارتماء الأطفال فى أحضان الشاشات يسبب الخلل فى مهارات التواصل ، و يفسر عدم التواصل مع العائلة ، وضعف القدرات اللغوية ، و ضعف مهارات الاتصال مع الآخرين فيما بعد . استحدام الشاشات كجليسة إلكترونية للأطفال سبب تأخر الكلام و انتشار وزيادة معدلات التوحد و بطء الانتباه و فرط الحركة فى أطفال العالم اليوم.

إدمان الشاشات يسبب الخلل فى الساعة البيولوجية ، و قلة جودة النوم ، و زيادة التوتر و التعب و الإرهاق . قلة الحركة و قلة النوم تزيدان من زيادة الوزن و السمنة وقلة المناعة .

أصبحت الأسرة المصرية اليوم أسيرة لأجهزة الشاشات بدءا من التليفزيون و مرورا بأجهزة الكومبيوتر، و المحاميل ونهاية بالهواتف الذكية و توابعها .

استخدام الأطفال قبل سن البلوغ أجهزة المحمول مازال غير مفضل و يحتاج مزيدا من الدراسات لبيان المخاطر ! نوم الأطفال بجوار أجهزة المحمول غير صحى ، فهو يقلل من جودة النوم ، و يرهق أياديهم قبل النوم . الأجهزة ذات خاصية اللمس تحرم الأطفال من مهارات إستخدام عضلات اليد التى تؤهل للكتابة والعمل فيما بعد ، وبات معروفا أن أيادى أجيال أجهزة التاتش أقل مهارة فى الكتابة والإملاء من الأجيال السابقة . مهارات التحكم فى أصابع اليد ميزة يتميز بها الإنسان مقارنة بالحيوانات ،و اختصار الكتابة على أجهزة الشاشات الحديثة سيجعل الإمساك بالقلم و الممحاة معضلة للأجيال القادمة ، وبالتالى الإمساك بالآلات فى المستقبل !

من المعروف أن وباء الحساسية إنتشر فى عالم اليوم ، و الأسباب متعددة ، لكن الغريب أن للشاشات دور ، وأن أسرى الشاشات ضحايا لحساسية الصدر حيث تتضاعف معدلات حساسية الشعب الهوائية فى الأطفال مدمنى الشاشات نتيجة قلة الحركة التى تجعل نمط حياة أطفال اليوم أميل للسكون ، وهذا يضر بتطور و نمو الجهاز التنفسى و الجهاز المناعى للأطفال اللذان ينشطان بالحركة .

أعداد الحويصلات الهوائية تزداد لوغاريتميًا من 24 مليونًا عند الولادة إلى 280 مليونًا بعمر 8 سنوات ، و تصل إلى 300 مليونًا في البالغين .

الحويصلات الهوائية هي جزء مهم من الجهاز التنفسي وظيفته هي تبادل جزيئات الأكسجين وثاني أكسيد الكربون بين الهواء من وإلى مجرى الدم. تقع هذه الأكياس الهوائية الصغيرة على شكل بالون في نهاية شجرة الجهاز التنفسي ويتم ترتيبها في مجموعات في جميع أنحاء الرئتين. قطر الحويصلة الهوائية يتراوح ما بين 200 و 500 ميكرون ، و الميكرون هو وحدة طول تعادل جزء من مليون من المتر.
إستخدام السماعات يصاحب أجهزة الشاشات الحديثة ، و هذا ربما يسبب مشاكل بالسمع مثل قلة السمع ، و إلتهابات الأذن لتلوث السماعات ، و قلة التركيز والإنتباه ، و حوادث المرور خلال المشى فى الشوارع المزدحمة و عبور الطرق نتيجة انشغال السائق أو المارة .

فى المستشفيات لوحظ أن السماح بأجهزة المحمول الخاصة بأباء وأمهات الأطفال الحديثى الولادة تسبب فى تلوث غرف العناية المركزة لحديثى الولادة . أغلب أجهزة الموبايل ملوثة حسب العديد من الدراسات الحديثة . نعيش فى عالم يتعرض لهجوم مستمر من الميكروبات خاصة الفيروسات كفيروسات الإلتهابات المعوية والمعدية و الإنفلونزا و الكورونا و الإيبولا ، و تلوث الأسطح بهذه الفيروسات يعتبر من ضمن طرق العدوى المؤكدة التى ربما تتسبب فى قتل الملايين كل عام .

فى أماكن العمل ، حارس العمارة و موظف الأمن و السكرتير مرابطون أمام شاشة المحول خلال ساعات العمل . كثيرا ما يبدأ الموظفون أعمالهم بفتح شاشة الموبايل . رأيت كاشير مطعم الفول فجرا مشغولا باليوتيوب المزعج وهو يناولنى باقى الحساب الذى أخطأ فيه ، و فى إشارات المرور يهرع السائق لفتح صندوق رسائل الميسينجر ، و خلال المحاضرات أيضا ربما ينشغل الطلبة بالتواصل مع أصدقاء مازالوا فى الفراش ، إنها فوضى تقلل الإنتاج و جودة الخدمات أيضا ، و فى وسائل المواصلات كل من فاز بمقعد ستجده غائبا مع محموله ، و كثيرا ما يفقد محطة الوصول .

حسب ما توصلت إليه الأبحاث والدراسات الحديثة يفضل إقلال ساعات المكوث أمام الشاشات إلى ساعتين فقط يوميا خاصة مع الأطفال و المراهقين . الحد الأقصى لمشاهدة التليفزيون يجب ألا يزيد عن ساعة يوميا من عمر سنتين إلى 5 سنوات ، وألا يزيد عن ساعتين يوميًا بعد خمس سنوات ، أما الرضع أقل من سنتين فمن الأفضل صحيا و نفسيا ألا يسمح لهم بمشاهدة أو أى تعامل مع الشاشات .