الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

خالد الشناوي يكتب: تجديد الخطاب الديني بين اليأس والرجاء

صدى البلد

لا شك أن الإسلام في عمقه حوار مستمر بين النصوص الدينية الثابتة من جهة والحياة الواقعية المتغيرة من جهة أخرى
أو جدل دائم بين ثابت أزلي متعال، ومتغير متجدد. وبمقتضى هذا الأصل أيضا كانت قضية تجديد الخطاب الديني من القضايا الأساسية في الخطاب النهضوي الإسلامي الذي نهض بالدعوة له دعاة ومصلحون ومفكرون من مختلف أقطار العالم الإسلامي
، تجمع بينهم الرغبة في الإصلاح عن طريق فتح باب الاجتهاد، وإشاعة ثقافة كونية مبنية على أسس شرعية وعقلية. ولا زالت هذه القضية الحيوية – قضية تجديد الخطاب الديني- تستأثر باهتمام الباحثين والمفكرين المعاصرين خصوصا مع التطور الهائل الذي شهدته مناهج العلوم الإنسانية والنظم الوضعية التي تروم بدورها تحقيق العدالة الاجتماعية في أحسن وأكمل صورها .

إلا أن الخطاب الديني في مصر ما زال محلك سر ولم يحظ بأي نوع من أنواع التجديد أو بارقة أمل نحو التطور ومواكبة قضايا العصر.

التكرار والملل والتغيب الفكري والدعوي للأسف الشديد هو الخالة المسيطرة على المشهد في جل مساجد مصر في الريف والحضر
ومن يقل بخلاف ذلك فهو واهم للغاية ولا يجيد قراءة المشهد فكريا ودعويا على أرض الواقع!

فهل تحولت مساجدنا العريقة إلى وصلات من الصريخ والتهويل وتكرار الخطب المتعلقة بالنساء اما تهويلا ووصمها بشيطان متحرك تارة أو مغازلة لها وخدشا لحيائها بثكنات منزلها تارة أخرى!

وإذا كان تجديد الخطاب الديني من أهم القضايا التي يطرحها خطاب النهضة في كل المجتمعات والحضارات الإنسانية عبر تاريخها الطويل، فإن ما يمر به عالمنا العربي والإسلامي من شيوع تطرف ديني أو طائفي أو مذهبي يرتكز على أفكار وهابية تخنق الإبداع، وتحد من حرية الفكر والتعبير، يجعل من تجديد الخطاب الديني ضرورة حياتية وحتمية حضارية لا مناص عنها.

إن التجديد هنا مسؤولية كبرى، ومن واجب العلماء والدعاة الاجتهاد في تقديم الخطاب الأمثل الذي يحقق مقاصد الشريعة ومصالح البشرية ويمدهم بقيم النهضة والرقي والازدهار.

فى كل الكتابات التى أعرفها _وأنا رجل معتكف في محراب الفكر_عن أسباب العنف المجتمعى والمقاومة المسلحة لسلطات الدولة لا توجد إشارة إلى أن السبب الوحيد لهذه الممارسات هو الخطأ فى فهم الدين. 

فلهذه الممارسات جذورها فى الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية لمن يقومون بها أو يتعاطفون معها، وفى انغلاق المجال الدعوى والفكري أمام دعاوى الإصلاح
لا أقلل من أهمية سيادة خطاب دينى عقلانى، ولكن مثل هذا الخطاب هو ثمرة نهضة المجتمع التعليمية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية
بل وهو وليد حوار حر فى نظام سياسى يرحب بحريات الرأى والعقيدة والتعبير في ظل سيادة الوطن وسلامة أراضيه
ومؤسسات دينية تتحمل مسؤوليتها أمام الله والتاريخ .

كم نحتاج إلى حركة تجديدية فكرية وعلمية وفقهية وثقافية متناسقة ومحكمة، ومحكومة بالضوابط الشرعية، وتقوم على العلم والمعرفة والدراية والإحساس بالمسؤولية، وبالتقدير العميق لأمانة العلم، ولمسؤولية الفكر، ولرسالة أهل الذكر والإصلاح،
لتعيد الفرع إلى أصله، ولتقوّم ما اعوج من سلوك بعض المسلمين، ولتطلق القوة الإصلاحية الكامنة في الدين في حياة الناس،
لأنها جاءت أصلًا لإحيائها. قال تعالى: «يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم».

فالإسلام دين الحياة والانفتاح، ويجب أن يحمى من دعاة الموت والانغلاق.

وبذلك نرى أنه بات ضروريا إعادة النظر ووضع الأمور في نصابها ووزنها بميزانها الصحيح بعيدا عن المزايدة وعقد الصفقات من خلف الكواليس هذا إن أردنا خطابا دينيا بعيدا عن الملل والتطرف وإلا فنحن واهمون وفي سبات نوم عميق !