الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

حكاية شارع سليمان الحلبي.. أرضه تحتفظ بـ صفحة أليمة من فصول الصراع بين الشرق والغرب

شارع سليمان الحلبي
شارع سليمان الحلبي

يبدأ شارع سليمان الحلبي "دوبرينه سابقا"، بمقدمة فنية سينمائية يدعمها ماضي حكايات شارع عماد الدين، وينتهي شارع سليمان الحلبي، بسوق لقطع غيار السيارات جديد بمجاورة جفاء وجدية شارع رمسيس، ويمتد شارع سليمان الحلبي على حافة منطقة الأزبكية التي كانت بحيرة حتى منتصف القرن التاسع عشر وصارت متنزها طبيعيا وفنيا في نهاياته والتهمها حريق القاهرة عام 1952، وسكان شارع سليمان الحلبي الحاليون خليط من صغار التجار وبقايا أبناء البلد الذين سارعوا للسكن به للفوز بـ الامتيازات التجارية والفنية والطبقية التي وفرتها التجديدات والإضافات العمرانية والخدمية التي أنجزها الخديو إسماعيل وبفضلها صار الشارع على بعد خطوات من مركز قاهرته الأوروبية.


شارع سليمان الحلبي يحتفظ بصفحة أليمة من فصول الصراع:
شارع سليمان الحلبي، كان ضمن بؤرة القاهرة الفنية المسرحية والسينمائية والغنائية التي ارتبطت بشارع عماد الدين قبل أن تنحسر عنها الأضواء بعد حريق القاهرة، ثم تنتقل نهائيا إلى مكانها الحالي في شارع الهرم وارتاده وسكنه وجلس على مقاهيه على مدى سنوات العديد من رواد التمثيل والغناء العربي غير أن أهميته تتبع من شيء آخر أقرب للدم منه للفن فأرضه تحفظ حتى الآن صفحة أليمة من فصول الصراع بين الشرق والغرب رغم أنها سطرت بمداد من دم قبل قرنين كاملين، إلا أنها مازالت صالحة لقراءة ما يدور في العالم حتى هذه اللحظة، ففيها رفع الغرب ممثلا في الحملة الفرنسية نفس شعاراته البراقة وهي الحرية والإخاء والمساواة ليحتل الشرق ممثلا في مصر وبلاد الشام ويزعم تخليصها من الاستبداد والجهل والخرافة.

سبب تسميته بشارع سليمان الحلبي:
تعود تسميته إلى شاب أهوج ومهووس بالخرافات على حد وصف الغزاة، اغتال بخنجر صدئ ومسموم رسول الحرية والمساواة المبعوث من قبل الحضارة الغربية لإنقاذ الشرق العربي وتنويره، والشاب هو سليمان الحلبي صاحب الشارع الحالي، ورسول الحرية الغربية هو الجنرال كليبر قائد الحملة الفرنسية على مصر بعد رحيل أو هرب نابليون بونابرت.

فى الساعة الثانية بعد ظهر يوم السبت 14 يونيو عام 1800 كان الجنرال كليبر قد تجاوز أرض الشارع وبدأ يتفقد أحوال قصر الألفي الذي يقع على حافته، وكان مقرا لقيادة الحملة، وكان القصر المحاط بحديقة يمتد الشارع في جانب من مكانها الآن مدمرا بفعل أحداث ثورة القاهرة الثانية، وكان كليبر ينوى بعد ترميمه أن يضيف إليه قطعه أرض مكانها الحالي ثلث الشارع من ناحية عماد الدين، وبينما هو يتفقد مع أحد مهندسيه أحوال القصر اقترب منه شاب يضع على رأسه بإهمال واضح عمامة خضراء هذا الشاب هو سليمان الحلبي وظنه كليبر متسولا أو أحد ضحايا قمعه لثورة القاهرة فقال بعجرفة وبعامية ركيكة "مافيش" غير أن الشاب واصل تقدمه بلا تردد وحينما لاحظ كليبر أنه يمد يده اليسرى ظن أنه يريد تقبيل يده فقرر أن يمكنه من ذلك الشرف على مضض، وبمجرد أن مد يده أخرج الشاب يده اليمني ليس لمصافحته كما توقع، ولكن لطعنه بالخنجر الذي كان يخفيه بين ملابسه.

سليمان الحلبي طعن كليبر في صدره وبطنه وتقريبا قبل أن يجتاز أسوار القصر وأرض الشارع هاربا كان قائد الحملة الفرنسية قد فارق الحياة للأبد. 

سليمان الحلبي أعدم بوسيلة همجية تماما بناء على حكم نطق باللغة الفرنسية ولعل ترجمته إلى العربية تظهر إلى أي مدى حقق جيش الحملة شعارات الحرية والمساواة والإخاء والعدالة فقد نطق كلماته قاضي الحملة، وحكم علي الحلبي بحرق يده اليمني وبعد ذلك يتخزوق على الخازوق لحين تأكل رمته الطيور وما تحكم يده عليه يكون حلالا للجمهور الفرنساوي.

ميلاد الشباب سليمان الحلبي صاحب الشارع:
سليمان الحلبي ولد عام 1776 في مدينة حلب السورية لأب كان يعمل في تجارة الزبد، وحياته ارتبطت كليا بالقائد الفرنسي كليبر، فلولا انه قتله بالقرب من الشارع لمر في صمت مثل غيره من ملايين البسطاء، ولعل المقارنة بينهما تكشف عن عمق الفجوة والتناقض بين حياة الشرق الخاضع والغرب الغازي، فبينما كان والد سليمان يفكر في عمل يضمن حياة مستقرة لابنه، كان كليبر قد أنهى دراسته للهندسة المعمارية، والتحق بجيش ملكة بلغاريا، وبينما كان كليبر يقتحم مدينة الإسكندرية غازيا وقاتلا كان الحلبي ينتقل بين غزة ويافا والمدينة المنورة وحلب طلبا للعلم والرزق، وبينما جاء كليبر إلى القاهرة لسبب معلن وبراق هو تطبيق شعارات الحرية والإخاء والمساواة وإنقاذ أهل مصر من ويلات الجهل ولسبب خفي وحقيقي هو مجد إقامة إمبراطورية فرنسية في الشرق، دخل سليمان القاهرة في ملابس رثة لهدف بسيط هو حسب نص التحقيقات الفرنسية معه المغازاة أي الجهاد في سبيل الله، وفي سبيل تحقيقه ظل يتابع كليبر من شارع إلى شارع ومن القصر إلى قصر حتى تمكن منه في أرض الشارع الذي يحمل اسم الحلبي.