الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

في ذكرى رحيله.. معلومات لا تعرفها عن المناضل الفلسطيني إدوارد سعيد

صدى البلد

يعتبر أحد أهم المثقفين الفلسطينيين وحتى العرب في القرن العشرين سواءً من حيث عمق تأثيره أو من حيث تنوع نشاطاته، ووصفه روبرت فيسك بأنه أكثر صوت فعال في الدفاع عن القضية الفلسطينية، إنه الأديب الفلسطيني إدوارد وديع سعيد الذي تحل اليوم ذكرى رحيله.

تنشر صدى البلد في هذا التقرير لم تعرفها عن الراحل، الذي كان من الشخصيات المؤثرة في النقد الحضاري والأدب وقد نال شهرة واسعة خصوصًا بكتابه «الاستشراق» المنشور سنة 1978، وفيه قدّم أفكاره المؤثرة عن دراسات الاستشراق الغربية المختصة بدراسة الشرق والشرقيين.

قامت أفكار إدوارد سعيد على توضيح وتأكيد ارتباط الدراسات الاستشراقية وثيقًا بالمجتمعات الإمبريالية معتبرًا إياها منتجًا لتلك المجتمعات ماجعل للاستشراق أبعادًا وأهدافًا سياسيةً في صميمه وخاضعًا للسلطة ولذلك شكك بأدبياته ونتائجه.

وقد أسس طروحاته تلك من خلال معرفته الضليعة بالأدب الاستعماري، وفلسفة "ما بعد البنيوية" ولاسيما أعمال روادها مثل ميشيل فوكو وجاك دريدا.

وأثبت كتاب «الاستشراق» ومؤلفاته اللاحقة تأثيرها في الأدب والنقد الأدبي فضلًا عن تأثيرها في العلوم الإنسانية، وقد أثر في دراسة الشرق الأوسط وعلى وجه الخصوص في تحول طرق وصف الشرق الأوسط. جادل إدوارد سعيد حول نظريته في الاستشراق مع مختصين في التاريخ، وبفعل كون دراساته شكلت منعطفًا في تاريخ الاستشراق فقد اختلف العديد معه لاسيما المستشرقون التقليديون مثل برنارد لويس.

عُرف إدوارد سعيد كمفكر عام، فضمت مجالات اهتمامه بشكلٍ دائمٍ شؤونًا ثقافية وسياسية وفنية وأدبية في المحاضرات والصحف والمجلات والكتب، ونافح من واقع دراساته النظرية كما تجربته الشخصية كمقدسي ترعرع في فلسطين وقت إنشاء دولة إسرائيل، وطالب بزيادة الضغط على إسرائيل خاصةً من قبل الولايات المتحدة مثلما انتقد العديد من الأنظمة العربية والإسلامية.
حازت مذكراته «خارج المكان» المؤلفة سنة 1999 على العديد من الجوائز مثل جائزة نيويورك لفئة غير الروايات، كما حاز سنة 2000 على جائزة كتب أنيسفيلد-ولف لفئة غير الروايات وغيرها.

كما كان عازف بيانو بارعًا، وقام مع صديقه دانييل بارينبويم بتأسيس أوركسترا الديوان الغربي الشرقي سنة 1999 وهي مكونة من أطفالٍ فلسطينيين وإسرائيليين وعربٍ من دول الجوار، ومشاركةً معه أيضًا نشر سنة 2002 كتابًا عن محادثاتهم الموسيقية المبكرة بعنوان "المتشابهات والمتناقضات: استكشافات في الموسيقا والمجتمع"، وبقي إدوارد سعيد نشطًا في مجالات اهتمامه حتى آخر حياته وتوفي بعد اثني عشر عامًا من الصراع مع مرض اللوكيميا سنة 2003.

ولد إدوارد سعيد في القدس في الأول من نوفمبر سنة 1935، والده وديع الفلسطيني الأرثوذكسي خدم في الحرب العالمية الأولى في فرنسا ضمن القوات الأمريكية تحت إمرة الجنرال جون بيرشنغ ما أهله لنيل الجنسية الأمريكية، وانتقل قبل ولادة إدوارد بعقد إلى القاهرة وأسس مع ابن عمٍّ له شركة أدواتٍ مكتبية وقرطاسية، أما والدته الأرثوذكسية أيضًا فمن مواليد الناصرة وكانت نصف لبنانية. لإدوارد -أول الأولاد- ثلاث شقيقاتٍ أكبرهن المؤرخة روزماري سعيد زحلان "1937- 2006".

عاش إدوارد حتى الثانية عشرة متنقلًا بين القدس والقاهرة والتحق بالمدرسة الإنجيلية ومدرسة المطران في القدس سنة 1947، غير أن المحامي والصحفي الإسرائيلي جوستوس وينر زعم أنه قضى هذه الفترة في القاهرة ولم يلتحق بمدرسة المطران سوى فترةٍ قصيرةٍ جدًا مدّعيًا أن ليس ثمة وثائقُ مدرسية تثبت ارتياده لها.

أواخر الأربعينات ألحقه والده بكلية فكتوريا في الإسكندرية وهي مدرسة إنجليزية داخلية لأولاد الطبقة الثرية، وطرد منها سنة 1951 لكونه مشاغبًا، ليرسله والده إلى مدرسةٍ داخليةٍ نخبويةٍ في الولايات المتحدة في ماساتشوستس.

ما لبث سعيد أن تدبّر أمره وأحسن صنعًا ليحرز الترتيب الأول أو الثاني على مئةٍ وستين طالبًا، وأثرت تلك السنة على مستقبل حياته لمقابلته أناسًا من ثقافاتٍ عدةٍ وللتشابك وتنامي الإحساس لديه بأنه خارج المكان.

تابع دراسة الآداب وتخرج من جامعة برنستون سنة 1957 ثم من ماجستير الآداب سنة 1960 ثم الدكتوراة في اللغة الإنكليزية والأدب المقارن سنة 1964 من جامعة هارفرد برسالةٍ عن الروائي الإنجليزي جوزيف كونراد وروايته "قلب الظلام Heart of Darkness" عن الاستعمار البلجيكي للكونغو.

عبر سعيد عن اهتماماته الموسيقية في كتاب «متتاليات موسيقية» سنة 1991 محاولًا ربط الموسيقى ببعديها الثقافي والسياسي، كما نشر العديد من الأعمال التي تخص القضية الفلسطينية مثل كتاب «قضية فلسطين» سنة 1979 منطلقًا من بداية الأحداث بولادة الحركة الصهيونية وانتشار إيديولوجيتها ضمن الثقافة الاستعمارية الأوروبية وتشجيع اليهود على الهجرة إلى فلسطين وفي الوقت ذاته عرض نبذةً عن تاريخ الشعب الفلسطيني مقدمًا عرضًا شاملًا حول الخصائص السكانية والاجتماعية المميزة لهذا الشعب، ومن خلال عرض كمٍّ كبيرٍ من الوثائق وتفسيرها يصر إدوارد سعيد على قضية أن فلسطين -في القرنين التاسع عشر والعشرين- لم تك صحراء لا شعب فيها بل مجتمعًا مَدَنِيًّا ذا كيانٍ سياسيٍّ يناهز تعداده ستمائة ألفٍ.

لـ"إدوارد سعيد" ثمانية عشر كتابًا في مواضيع شتى إلا أن «الاستشراق» صُنِّفَ كأحد أهم أعماله إن لم يك أهمها فعلًا إذ شكَّل بداية فرع العلم (الحقل الأكاديمي) الذي يعرف بدراسات ما بعد الكولونيالية وفيه اعتبر ظاهرة الاستشراق لم تك إلا تلبيةً لحاجة المجتمعات الاستعمارية، وأتبعه بكتابيه «قضية فلسطين» (1979) و«تغطية الإسلام» (1980) اللذين اعتبرهما تكملة له، ثم «الثقافة والإمبريالية» (1993) الذي قال عنه في مقدمته إنه بمنزلة الجزء الثاني لـ«الاستشراق» لتشكل سلسة كتبٍ يحاول فيها أن يشرح العلاقة المتشابكة والمعقدة القائمة في العصر الحديث بين العرب والإسلام والشرق عمومًا والغرب متمثلًا ببريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة خصوصًا.