تستمر ظاهرة العنف الأسري في التمدد والانتشار.. حيث يعد العنف الأسرى من أشهر أنواع العنف البشرى انتشارا في مجتمعاتنا العربية، ويقصد بالعنف الأسرى إلحاق الضرر والأذي البدني والنفسي، والاعتداء ماديا ومعنويا من أحد أفراد الأسرة على فرد آخر داخل محيط الأسرة.
وللعنف الأسرى العديد من الصور والأشكال؛ والتي تتمثل في الصراخ ورفع الصوت واستعمال الكلام الجارح المؤذي، والألفاظ البذيئة والضرب المبرح والاشتباك بالأيدي واستخدام بعض الأسلحة... ومن الممكن أن ينتهي هذا العنف في بعض الأحيان بحدوث جريمة قتل.
ظاهرة ليست بجديدة في مجتمعاتنا فهي موجودة منذ بداية الخلق حينما قام قابيل بقتل أخيه هابيل ليتزوج أخته ..واستمرت هذه الظاهرة إلي الآن.
هذه المشكلة من أكثر المشكلات التي تؤثر سلبا على المجتمعات.. فالأسرة هي نواة المجتمع وبالتالي ففسادها يعني فساد المجتمع ككل ...وبالتالي انتشار الكثير من المشكلات السلبية والعقد النفسية والجرائم التي نراها حاليا بصورة واضحة.. هو إذن أكثر فتكا بالمجتمعات من الحروب والأوبئة، ينخر في أساس المجتمع فيهده و يضعفه.
أن العلاقات الأسرية عبارة عن مثلث مكون من ثلاثة أضلع؛ ضلع الثقة ، ضلع الاحترام وضلع الرحمة...ضلع الرحمة أهمهم والذي يضم بين جنباته الإنسانية والحب والمودة والرعاية والأمان.
وظهور العنف هو في الأساس يعني غياب ضلعين كاملين من أسس العلاقة ..الرحمة والاحترام...في خلق غيابهما علاقة عوجاء تتلاعب بها الهمسات والأنواء.
ولهذه الظاهرة أسباب عديدة منها:
1- غياب ثقافة الحوار والنقاش والتشاور بين أفراد الأسرة
2-شرب الكحول وتعاطي المخدرات والإدمان عليها
3- الفقر والظروف الاقتصادية والمعيشية الصعبة، فيتم تفريغ وإزاحة شحنة الخيبة وقلة الحيلة على ).Displacementالزوجة والأبناء بما يسمى (
4- سوء اختيار الزوجين لأحدهما من البداية، والوقوع في شرك التسرع نقيض التوافق والتكامل.
5- وجود مشكلة نفسية أو مرض نفسي لدى أحد أفراد الأسرة.
6- أساليب التربية الخاطئة التي تعتقد بأن العقاب الجسدي أو اللفظي هو الذي يؤدي إلي نتائج التربية الإيجابية.
وهناك أمثلة حية عديدة لجرائم العنف الأسرى ومنها:
قضية إسراء غريب.. وهي شابة فلسطينية من بيت ساحور، عمرها 21 عاما تعرضت للعنف والضرب والتعذيب حتي آخر أنفاسها بسبب خروجها مع خطيبها وأخته قبل كتب كتابها.. وانتهت قصتها قبل أسابيع جثة في المشرحة.. بعدما تعرضت للتعذيب حتي القتل من قبل أسرتها... وتم توجيه الاتهام إلى زوج أختها وأخويها ونحن الآن في انتظار حكم القضاء في هذه الواقعة.
. يوسف القططي فلسطيني آخر مقيم بالسعودية، صاحب مقطع الاب الذي يضرب ابنته الرضيعة بعنف شديد ويصفعها علي وجهها بطريقة بشعة، ويطالبها بالوقوف علي قدميها... قبل أن يقوم برفعها من يديها بشدة وتركها تقع على الأرض بينما تكتفي الرضيعة بمجرد البكاء..والتوسل له بتركها...
لم نكن لندرك واقع ما تعانيه لولا انتشار هذا المقطع علي مواقع التواصل الاجتماعي.
طفل البلكونة من خلال فيديو قصير آخر انتشر أيضا علي مواقع التواصل الاجتماعي.. ويظهر سيدة مصرية تدفع ابنها بعنف من شباك أحد العقارات بمنطقة حدائق اكتوبر كي ينتقل إلى شقة أخرى من خلال البلكونة ...بحثا عن مفتاح الشقة، ووسط صراخ من الطفل ومصور الفيديو.. مما أثار غضب المتابعين واندهاشهم من قسوة الأم.
ربة منزل مصرية دفعت حياتها ثمنا لطلبها المساواة مع الزوجة الثانية بعدما اعتدي عليها زوجها بالضرب حتي فارقت الحياة في محافظة الجيزة.. فاستراحت من معاناتها جراء تفضيل الزوج الزوجة الثانية عليها عاطفيا وماديا ..وهو ما سبب المشاجرات بينهما بعدما طالبت الضحية بمساواتها في مصاريف المنزل مثل الأخرى ... ليعتدي عليها الزوج بالضرب المبرح حتي فارقت الحياة..
يمكننا التخلص من هذه الظاهرة بمعرفة الأسباب والدوافع التي يقوم عليها العنف والاستناد علي أركانه.. مما يجعل علاجه مبنيا علي هدمه وتفكيكه وتجاوزه قبل وقوعه ...مما يساعد على القضاء عليه نهائيا ..وهناك بعض الحلول التي قد تساعد على ذلك..
وتتمثل في:
. الوعظ والإرشاد الديني اللازم لحماية المجتمع من العنف عموما والأسرى خصوصا.. والتشديد علي أن الضرب له ضوابط في الإسلام؛ فلا يجب أن يكون مبرحا أو ينتج عنه الأذى البدني والإصابات ..فالرسول عليه الصلاة والسلام حدد هذه الضوابط حيث لا يصل إلى حد الألم.
. تقديم استشارات نفسية واجتماعية وأسرية للأفراد الذين ينتمون إلى الأسر التي ينتشر فيها العنف وتوعيتهم بخطورة ذلك.
.خضوع الشباب المقدمين علي الزواج للفحص النفسي في مراكز نفسية متخصصة وتأهيلهم لتحمل مسئولية تكوين أسرة.
التواصل مع الخطوط الساخنة للجهات المنفذة للأطفال وخطوط المجلس القومي للطفولة وأرقام نجدة الطفل.
وجوب تدخل الدولة في أمر نزع الولاية من الشخص المكلف بها في الأسرة.. اذا ثبت عدم كفائته للقيام بمسئوليات التربية، وإعطائها إلى قريب آخر مع إلزامه بدفع النفقة.. وإذا تعذر ذلك يمكن إيجاد ما يسمي بالأسر البديلة التي تتولي رعاية الأطفال الذين يقعون ضحايا للعنف الأسرى.. .
فحينها قد يتحمل المخطأ ضريبة عنفه...وينجو الضحية من التشوه الذي قد يلحق بروحه..ويظل يعانيه باقي العمر.