الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

المعلقون بين السماء والأرض.. قصص مأساوية لـ عمال البناء في مصر

مبنى تحت الإنشاء
مبنى تحت الإنشاء

البحث عن «لقمة العيش» يجعلهم يوميا معلقين بين السماء والأرض، يتسلقون المباني من الخارج وينهون ساعات عملهم الطويلة على خشب مثبت على شرف المباني، لا يستخدمون وسائل أمان أو حماية عند السقوط، تبدأ ساعات العمل في صباح كل يوم استعدادا إما لعاهة مستديمة أو موت.

محمد عبدالتواب "32 عاما" عامل بناء ورث المهنة عن أبيه منذ صغره، التحق بالمدرسة لمدة عامين، وبعدها أصيب والده عامل البناء خلال العمل وتوقف لفترة بسبب إجراءه لعملية في قدمه اليمنى، ازدادت احتياجات الأسرة للمال فاضطر والديه بعدم استمرار محمد بالتعليم، ويقول لـ«صدى البلد»: "كاان لازم أقف مع أبويا واشتغل بداله.. وبقيت أنزل معاه وعرفني الشغلانة".

ما يزيد عن عقدين كاملين قضاهما محمد في العمل كعامل بناء، يتسلق المباني يوميا للعمل على الواجهات، أو يعمل على بنائها، ولزيادة دخله يعمل على حمل مواد البناء بأوزانها الثقيلة، حيث يحمل ما يزيد عن ثلاثة آلاف قطعة طوب، أو شحنات الرمل كاملة وأكياس الأسمنت "صحتي هي مصدر رزقي وأكل عيشي.. لو نخيت عيالي مش هيلاقوا ياكلوا" كما قال لـ«صدى البلد».

لم يختلف الأمر عن عم محمد البنا "53 عاما" الذي قضى أجمل سنوات عمره في بناء المباني الشاهقة التى لم يحظ منها إلا شقة صغيرة لا تتعدى مساحتها 50 مترا، تفانى في عمله رغم تأثير ذلك على صحته والتي تدهورت بمرور الوقت فلا يقوى حاليا على القيام بأي مجهود بدني، حتى صعود درجات السلم يشكل أزمة صحية له، سقط من الطابق الثالث مرة ومن درجات السلم عدة مرات فاضطر اعتزال المهنة قبل 19 عاما.

كان محمد البنا يعمل طوال اليوم، لا يكل ولا يمل، كل يوم بالنسبة له كان بداية جديدة يستغل فيه قدرته الجسدية لإنجاز أكبر كم ممكن من العمل في أقل وقت، 27 عاما قضاها في أعمال البناء شارك خلالها في بناء مئات المنازل والأماكن المعروفة أيضا، كالمسجد في ميدان المؤسسة بشبرا الخيمة، والمنشآت العمرانية الهامة في حلمية الزيتون.

لم يبخل البنا بوقته أو مجهوده على أي شخص، فكان يلبي طلبات الجميع دون مال أو بأقل أجر ممكن، يقول لـ صدى البلد: "بنيت المسجد في ميدان المؤسسة الألف بـ 20 جنيه ومكنتش عاوز منه فلوس كنت عامله لله، وأي حد كان بيطلب مني حاجة مكنتش بقول لا".

ورث محمد مهنته عن والده، لهذا لم يلتحق بالتعليم، واستمر في العمل حتى عام 2000 حيث سقط من الطابق الثالث خلال العمل بإحدى المنشآت، وأصيب بالعديد من الكدمات واعوجاج في عظم مشط القدم، وانفصال فقرات بعموده الفقري، وأجرى عدة عمليات منها تركيب شبكة في عموده الفقري، وعاد مجددا إلى العمل فسقط من درجات السلم في برج، الحادثتين المتتاليتين كانتا سببا في اتخاذه قرار اعتزال ممارسة مهنة البناء.

تدهور الحال مع محمد صاحب الـ 53 عاما فلم يجد أي وظيفة ملائمة لطبيعة مرضه المزمن، وكل عمل يتطلب معرفته القراءة والكتابة الذي يجهلها تماما، فلجأ إلى العمل في استئجار العمل وكان حينها العمل مناسبا ومع انتشار الهواتف الحديثة لاحظ قلة الطلب خاصة وأن الدراجات بالمحل قديمة ولا يملك مالا لتحديثها، وأيضا موسم العمل في شهور الصيف فقط.

اقتحم الشباب مجال البناء كعمال نظرا لضيق الحال ولكن البعض منهم لا تناسبه الوظيفة ويستمر في العمل بها لحاجته للمال، ويقول أحد المقاولين في شبرا الخيمة، رفض كتابة اسمه، إنه يدير عمل هؤلاء الشباب ويوزع عليهم المهام بيومية تصل إلى 90 جنيها، ولكن منهم من يتبع سلوكيات خاطئة، "بـ يبلبعوا حبوب عشان ميحسوش بتعب الشغل.. بس أنا معنديش الكلام ده واللي بحس إنه واخد حاجة بمشيه" كما قال مقاول البناء لـ«صدى البلد».

وروى أن بعض العمال يلجأون إلى تناول حبوب مهدئة لكي لا يشعروا بإرهاق العمل، أو الخوف من المرتفعات العليا "بيكونوا متشعلقين في الهوا"، وينصح كل من يبدأ العمل كعامل بناء في اتخاذ احتياطاته اللازمة ودفع التأمينات حتى يجد معاش وتأمين صحي في وقت المرض.

ويتابع المقاول: "الشاب من دول طول ما هو بصحته هيلاقوا فلوس.. انما لو وقع وده بيحصل كتير مش هيلاقي فلوس".