الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

منى عامر: التحكيم الدولي مسار خاص من التقاضي.. يتميز بقصر مدته وسرعة إجراءاته.. وتنفيذ الحكم مسئولية المحكمة الوطنية.. يلجأ إليه المستثمرون للحفاظ على أموالهم.. ويمكن الاستعانة به لحل أزمة سد النهضة

دكتورة منى عامر أستاذ
دكتورة منى عامر أستاذ القانون المدني والتحكيم الدولي

دائما ما يتردد على أسماعنا مصطلح «التحكيم الدولي»، وانتشر هذا المسمى بصورة كبيرة خلال السنوات القليلة الماضية، حتى إن بعض الأصوات نادت للجوء إليه في أزمة سد النهضة بين الدول الثلاث مصر والسودان وإثيوبيا.

ولكن معرفتنا عن «التحكيم الدولي» لم تتعدَ مجرد سماعنا الاسم ونسج المزيد من التكهنات حول ماهيته وأدواته وطبيعة عمله، ولذا فقد حرص «صدى البلد» على التعرف أكثر عن «التحكيم الدولي» من أهل الاختصاص والفقه القانوني، فكان لقاؤنا مع الدكتورة منى طه عامر، أستاذ القانون المدني والتحكيم الدولي، والتي لها باع كبير في نظر العديد من القضايا على طاولة التحكيم الدولي، في عدد من الدول.

وإلى نص الحوار..

*هل هناك علاقة بين التحكيم والقضاء العادي؟
إن التحكيم طريق استثنائي من طرق التقاضي، ويقوم في الأصل على مبدأ «سلطان الإرادة»، أي في حالة وجود نزاع بين طرفين سواء كانوا شركات أو أفرادا، لكنهما لا يريدان أن ينظر النزاع بينهما أمام المحكمة فيمكن لهما الاتفاق على الخروج عن الأصل العام والاتفاق على شرط التحكيم، وهو الاستثناء من الأصل العام.

* وهل هناك شروط يجب توافرها في حالة اللجوء للتحكيم الدولي؟
أول شرط من شروط اتفاق التحكيم أنه يكون مكتوبا، لأنه استثناء من الأصل العام، أي القضاء الوطني، إذ يمكن النص على اللجوء إلى التحكيم في أي تعاقد بين طرفين.

* وما الذي يميز التحكيم الدولي لكي ألجأ إليه وأترك القضاء العادي؟
إن التحكيم يتميز عن القضاء الوطني؛ بأن المتنازعين هم من يختارون قاضيهم المخول إليه نظر القضية وبذلك يحددون هيئة التحكيم ومكان انعقاد الجلسات، مع العلم أن هيئة التحكيم قد تكون فردا أو مكونة من 3 أشخاص أو 5 ، المهم أن يكون عدد أعضاء هيئة التحكيم فرديا، مع الأخذ في الاعتبار أن أطراف النزاع يختارون أعضاء هيئة التحكيم ليس لتمثيلهم أو ينوبون عنهم إنما يقومون بأداء مهمتهم بكل نزاهة وحيادية بعيدًا عن أى مجاملة لأى طرف.

* وعلى أي أساس يتم اختيار أعضاء هيئة التحكيم؟
إن اختيار هيئة التحكيم نابع من ثقة المتنازعين في نزاهة أعضاء الهيئة وأنهم عدول وثقة، ثم يجتمع الأعضاء لاختيار رئيس الهيئة، وهو من يمثِّل العدد الفردي في هيئة التحكيم، وهذا ما يميز التحكيم عن القضاء الوطني حيث يختار طرفا النزاع قاضيهم بخلاف القضاء العادى؛ حيث إن اختيار القاضي ليس في يد أطراف النزاع، وإنما هو معين من قبل الدولة.

* هل هناك مميزات أخرى في التحكيم الدولي؟
نعم، سرعة إجراءات التقاضي، إذ إن مدة نظر الدعوى والفصل فيها يكون عادة أشهر قليلة وبحد أقصى عام واحد فقط لإتمام إجراءات التقاضي، إلا اذا اتفق الأطراف على التمديد، وفي المقابل، فإن القضاء الوطني قد يتداول القضية لعدة سنوات؛ وذلك لكثرة عدد القضايا المتداولة أمام دوائره، كما أنه في التحكيم يمكن تحديد فترة زمنية معينة يتم فيها تداول القضية وإصدار الحكم مع نهاية المدة المحددة، وهذا يمكن الاتفاق عليه في الجلسة الإجرائية الأولى في التحكيم.

كما أن التقاضي عن طريق التحكيم يوفر أيضا إمكانية الاستعانة بخبراء فنيين، فعلى سبيل المثال قد يكون النزاع هندسيا، فيمكن للمتقاضين أن يختاروا أحد أعضاء هيئة التحكيم أو رئيس الهيئة بحيث يكون متخصصا في مجال الهندسة، أما إذا كانت القضية متداولة أمام القضاء الوطني فإن القاضي الذي يتولى القضية عادة يستعين بخبراء متخصصين في المجال المتنازع فيه وهذا يستغرق وقتًا طويلًا مقارنة بما إذا كان القاضى نفسه (المحكم) خبيرًا فى موضوع النزاع.

ومن مميزات جلسات التحكيم أيضا أنها تكون سرية، ويتم تداول القضية بجلسات مقصورة على طرفي النزاع كلٌّ بمحاميه او وكيله القانوني مثلها مثل جلسات المحكمة العادية وحتى صدور الحكم، والذي يعتبر نهائيا وغير قابل للاستئناف إلا بالطعن بالبطلان في حالة أن خالفت هيئة التحكيم الإجراءات القانونية الصحيحة.

*هل في التحكيم لابد أن يكون القاضي دارسا للقانون؟
لا، فإن من مميزات التحكيم أن القاضي الذي ينظر القضية لا يشترط أن يكون دارسا للقانون، بل يمكن أن يكون عمدة البلد على سبيل المثال أو أى شخص يكون محل ثقة لطرفي النزاع، وأنا أفضل أن يكون المحكم أو أحد أطراف هيئة التحكيم قانونيًا أو عالمًا بإجراءات دعوى التحكيم وكذلك صياغة الحكم وذلك لضمان عدم بطلان حكم التحكيم وإمكانية التنفيذ وحفاظًا على وقت طرفى النزاع.

* هل التحكيم هو الجلسات العرفية أم هناك اختلاف بينهما؟
كانت قديمًا المجالس العرفية هى التى تقوم بحل النزاع ويلتزم الأطراف أدبيًا بتنفيذ ما يتوصل إليه الوسطاء أو المحكمون من حلول، وجاء قانون التحكيم لينظم أعمال المحكمين لمزيد من الضمانة القانونية والحماية للأطراف وأيضًا لتعاون القضاء مع المحكمين لتنفيذ أحكامهم مثلها مثل أحكام المحكمة الوطنية، وبعد صدور حكم التحكيم يتم نقله للمحكمة الوطنية، لكي يأخذ ختم السند التنفيذي، ثم تبدأ المحكمة الوطنية تنفيذه مثله مثل أي حكم صادر عنها.

*هل يمكن لأحد الأطراف الاستئناف على الحكم الصادر من لجنة التحكيم؟
لا، إذ إن من أهم ما يميز التحكيم هو أن الحكم فيه غير قابل للاستئناف، لكن يجوز الطعن عليه بأمرين، إما بالبطلان إذا كانت هيئة التحكيم قد خالفت إجراءات التقاضي وفق ما نص عليه قانون التحكيم، وتُنظر دعوى بطلان الحكم أمام محكمة الاستئناف الوطنية، ولا تنظر المحكمة فى موضوع الدعوى الأصلية ولكن تنظر في إجراءات التقاضى ومدى موافقتها للإجراءات المنصوص عليها فى قانون التحكيم، أما في التحكيم بين الدول يتم تقديم التماس إعادة النظر، وذلك في حالة تقديم مستندات مزورة في القضية أثرت على الحكم.

فمميزات اللجوء للتحكيم تتمثل في أن الحكم نهائي، وسريع، وسري، وصادر من قاضٍ متخصص؛ ولهذا اتجه الاستثمار في العالم كله إلى التحكيم حالة نشوء نزاع بين أطراف العقد.

*تحدثنا عن التحكيم بصورة عامة.. نود أن نتعرف أكثر على معنى التحكيم الدولي.
إن التحكيم الدولي المقصود به نظر أي نزاع بين طرفين من دولتين مختلفتين، سواء دولة ودولة أو شركة وشركة أو فرد وفرد، على أن يتفق الطرفان على الجهة التي سيلجأون إليها والقانون الواجب تطبيقه على النزاع.

*هل هناك مثال واقعي للجوء للتحكيم الدولي؟
بالطبع، جميع شركات الاستثمار تضع شرط التحكيم؛ لأن أي مستثمر أجنبي لا يريد أن يكون تحت رحمة القضاء الوطني للدولة التي يستثمر فيها، حفاظًا على وقته ولاسترداد أمواله فى أسرع وقت ممكن حال نشوب أي نزاع.

إن التحكيم الدولي مفيد جدا في اقتصاد الدول، لأنه يحافظ على تدوير رأس المال بصورة سريعة، لأن أقصى مدة لنظر القضية عام واحد، وبالتالي فإن المستثمر يضمن عودة رأس ماله سريعا خلال سنة ليعيد تشغيله مرة أخرى، ما يعني الحفاظ على الدورة الاقتصادية لرأس المال.

*هل هناك صفات محددة يجب توافرها في المحكم؟
بالطبع لابد من توافر عدد من المواصفات في المحكم، أبرزها أن يكون المحكم محترفا وأمينا وعالمًا بأمور التحكيم وإجراءاته وكيفية صياغة الحكم بصورة قانونية صحيحة، وأن يمتلك الكفاءة المهنية لمباشرة الدعوى، وأن يكون نزيهًا وحياديًا ومستقلًا عن أحد الأطراف ولا يتبنى وجهة نظر أحدهم على حساب الآخر.

كما أن المحكِّم قد يكون فردا، وقد يكون هيئة عدد أعضائها فردي، مع التأكيد على أن اختيار التحكيم مسئولية الأطراف المتنازعة، سواء كانوا دولا أو شركات أو أفرادا، فالمحكم قاضٍ يحكم بضميره ولا يعني تعينه من قبل أحد الأطراف المتنازعة أن ينحاز لهذا الطرف، كما لا يعني تعيينه أيضا أن يكون متبنيًا مصلحة من اختاره، بل إن اختيار المحكم يعتمد على معرفة طرف النزاع بأخلاقه وأنه ذو خبرة عالية ونزيه ولديه أمانة ولن يخون ويحكمه الخلق المهني، بينما أمام القضاء الوطني فإن كل الأطراف سواسية ويخضع القاضي لضوابط عديدة جدا، حتى إنه يكون مطالبا بالتنحي حال مثل أمامه شخص لديه معه سابق معرفة ويكون طرفا في القضية المتنازع عليها.

* في التحكيم العادي قد يطلب طرف من أطراف النزاع رد أو تنحي القاضي.. هل هذا متاح في التحكيم الدولي؟
نعم، إن التنحي وردَّ المحكِّم منصوص عليه في قانون التحكيم، إذ أول ما يقوم به المحكم في قضية ما، هو بحث علاقته بأطراف النزاع، فإذا كان لا يوجد سابق معرفة بالطرف الخصم فيقوم بإبلاغ موكله بإقرار أنه ليس له علاقة بأي من أطراف الدعوة ولم يسبق له التعامل معهم، سواء معرفة ودية أو عدائية، وهو ما يعرف بشرط «الحيدة والاستقلال».

وفي حالة معرفة المحكم بأحد أطراف النزاع، لابد أيضا أن يطلع هيئة التحكيم وأطراف النزاع على سابق هذه المعرفة وحيثياتها، أي لابد من توافر شرط الإفصاح بين المحكم وأطراف النزاع وأفراد هيئة التحكيم؛ لأن عدم الإفصاح يخل بشرط مهم قد يترتب عليه بطلان الحكم حالة اكتشاف علاقة المحكم بأحد الأطراف، مع الأخذ في الاعتبار أنه عند إفصاح المحكم بوجود سابق معرفة مع أحد أطراف النزاع، فيمكن لأطراف الدعوى أن يتمسكوا به لضمان نزاهته، أو أن يطلبوا تنحيته، وسواء وافق أطراف النزاع على بقاء المحكم او رحيله، لابد أن يتم تدوين هذا القرار في محضر الجلسة.

*وماذا يعني قانون الإرادة في التحكيم؟
التحكيم يقوم في الأصل على مبدأ سلطان الإرادة، أي لا بد من وجود إرادة لدى المتنازعين للجوء إلى التحكيم، ولا بد لأطراف النزاع أن يكونوا متفقين من البداية على اللجوء إلى التحكيم حالة حدوث نزاع بينهما، وفي حالة أن هذا الاتفاق لم يتم منذ البداية فإنه يجوز بعد النزاع أن يلجأ الطرفان بالاتفاق التام بينهما للتحكيم، وحينها تتم صياغة اتفاق خاص بين الطرفين يخص هذه الجزئية، وفيها يتم الاتفاق على كافة إجراءات الدعوى وحتي صدور الحكم.

*هل متاح أمام مصر اللجوء إلى التحكيم الدولي لحل أزمة سد النهضة؟
ليس من المتاح أن تلجأ مصر للتحكيم الدولي لحل أزمة سد النهضة بمفردها، إلا إذا اتفق الطرفان على اللجوء إلى التحكيم الدولي أو الوساطة حالة أن لم توفق سبل المفاوضات والتسوية الودية المتعارف عليها دوليا.

وإذا وافق الأطراف ممثلين في مصر وإثيوبيا والسودان على الذهاب بالقضية إلى التحكيم الدولي فإنه لا بد من الاتفاق على معاهدة تنص على هذا الاتفاق ومن ثم يتم تحديد الجهة التي ستنظر القضية إما المحكمة الدائمة للتحكيم في لاهاي، أو محكمة العدل الدولية، لكن إذا لم يتفق الطرفان على اللجوء للتحكيم فلا يمكن لطرف بمفرده اللجوء إليه دون موافقة الطرف الآخر، وكما ذكرنا فإن التحكيم أساسه سلطان الإرادة، وأنا على ثقة ويقين بأن قائدنا رجل سياسي محنك شديد الذكاء لن يترك الأزمة تتفاقم وسوف يكون هناك حلول سلمية.

* هل يمكن أن يتم التأثير على هيئة التحكيم من قبل دولة معينة إذا كانت القضية بين دولتين؟
في التحكيمات الدولية ما بين الدول، فإنه من المستحيل أن تقبل هيئة التحكيم للرضوخ، ولا يوجد في هذه الحالة أي تهديدات، وإذا وجدت رغم ندرة حدوثها، فيجب على المحكم أن يعلن أنه خضع للضغط من قبل طرف ما ويحق له طلب الحماية أو التنحى.

ويجب أن ننتبه إلى أن المحكم هو قاضٍ يحكم بما يقدم إليه من عقود وما تم الاتفاق عليه وما يقدم إليه من مستندات، وأسباب ودفوع.

* هل هناك نوعية معينة من القضايا لا يمكن اللجوء فيها للتحكيم الدولي؟
صحيح، هناك قضايا معينة لا يمكن اللجوء فيها للتحكيم، فلا يجوز اللجوء للتحكيم في حالة قضايا الجنايات كالسرقة والقتل والاغتصاب وغيرها، لكن يمكن اللجوء فيها للتحكيم فيما يتعلق بالشق المدني الذي يمثله الشق التعويضي، وأيضا في حالات الحروب لا تحكيم دولى.

*ما الجهة المعنية بتنفيذ حكم التحكيم الدولي؟
إن القضية في التحكيم الدولي تأخذ إجراءات الحكم العادي الصادر من المحكمة الوطنية العادية كأنه صادر عن المحكمة المختصة أصلا بنظر النزاع، إذ إنه بعد صدور حكم التحكيم يقدم للمحكمة الوطنية، لكي يأخذ ختم السند التنفيذي، ثم تبدأ المحكمة الوطنية في تنفيذ الحكم مثله مثل أي حكم صادر عن المحكمة.