الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

حسام عيسى يكتب.. العدوان التركي على سوريا بأوامر أمريكية

صدى البلد


يستلزم في بادئ الأمر التنويه بل التأكيد على تبعية تركيا للولايات المتحدة الأمريكية، حيث تأتي المباركة الأمريكية لما يحدث في سوريا نتيجة لإيمانها القاطع بأن تركيا لن تخرج عن السياق الذي حددته لها سلفًا، بمعنى أوضح إن الضغوط الأمركية التي مارست على تركيا إبان حادثة القس الأمريكي المحتجز، ورغبة تركيا في استثمار هذا الموضوع للمقايضة بين القس وداوود أوغلو المقبوض عليه في أمريكا لم يكن الوضع في النهاية لصالح تركيا، وبرهنت الولايات المتحدة على تحكمها وتلاعبها بالاقتصاد التركي كيفما تشاء، ففي عام 2018 انخفض معدل النمو بالإضافة إلى الليرة التركية حتى تم الإفراج عن القس، وهنا ظهرت قدرة أمريكا على سلب الإرادة التركية من المنطقة.

لقد أعطت الولايات المتحدة الإشارة إلى أحد أذرعها ألا وهي تركيا للتعامل في المنطقة، وذلك يؤكد على أن تركيا أقل بكثير من البُعد الجيوبوليتيكي للهيمنة على الإقليم أو المناطق الحدودية السورية، ولعل المتتبع للأحداث يعلم جيدًا أهمية المنطقة السورية بخاصة في محافظة الحسكة الحدودية التي تقع في الشمال الشرقي لدولة سوريا، وتربط بين ثلاث دول: العراق شرقًا، إيران شمالًا، وتركيا غربًا، مما يعني أنها ذات بُعد استراتيجي كبير، فهي منطقة شبه منحرفة، عرضها قليل، يمر بها أحد أنهار سوريا، ويتمركز فيها الأكراد، إلى جانب إيوائها للدواعش الممولين من تركيا والتي ترغب في عدم استقرار تلك المنطقة ليس هذا فحسب، بل ترغب أمريكا في جعلها منطقة منزوعة السيطرة لكي تستطع تمرير أي شيء فيها دون الأخذ بالإجراءات القانونية أو الدولية للمرور في تلك الأراضي.

إن السبب الرئيسي للعدوان على سوريا، وبخاصة الحسكة إنما يتمثل في رغبة أمريكا الطامعة في السيطرة على خط الغاز الممتد من إيران وتركمستان فقطر ثم الحسكة فتركيا ثم إلى أوروبا مما يدعم من سيطرتها التجارية، ويقلل من النفوذ الروسي في القارة الأوروبية، إن ما يحدث على الأراضي السورية يرجع إلى عدم مقدرة أمريكا على السيطرة الكاملة على الغاز الإيراني، وفقدانها اتفاقيات الغاز مع تركمستان، لذا اتجهت الولايات المتحدة للضغط على روسيا - الحليف الرئيسي لإيران -.

ونستخلص مما سبق أن سوريا هي التي دفعت ثمن العقاب الأمريكي لروسيا، وكل ذلك بسبب مساندة الدب الروسي لإيران التي لم تستطع أمريكا حتى الآن إخضاعها الكامل للأخذ باتفاقيات الغاز.

هذا ويتساءل البعض عن سبب الصمت الروسي أمام ما يحدث في تلك الفترة، لذا يجب التوضيح بشأن الموقف الروسي في سوريا، حيث أنها اكتفت بوجود أكبر قاعدة عسكرية لها في الشرق الأوسط وتطل على المياه الدافئة، بالإضافة إلى اكتفائها بتمركزها في اللاذقية وإدلب لتكون قريبة من مناطق الغاز بالبحر المتوسط، ولذلك تثق روسيا تمامًا أن العدوان على الحسكة لن يفيد؛ لأن إيران لاتزال خارج السيطرة الأمريكية، ولأن قطر وحدها غير قادرة على إمداد أوروبا بالغاز. إن الفائز من ذلك الصراع هو روسيا التي تمكنت بفعل قوة سياستها الخارجية من زيادة تحالفها الاستراتيجي مع كلًا من: إيران، ألمانيا، والصين، وبذلك يمكننا التنبؤ أنه في المستقبل القريب قد ينتج مُهيمن تحالفي قادم سواء: صيني روسي أو صيني روسي ألماني.

ولعل ما حدث في مؤتمر العظماء السبع الأخير إنما يؤكد على التقارب الروسي الألماني، وخاصة بعد وصف ترامب لألمانيا بأنها " الشريك الفاشل "، مما نتج عنه تباعد أمريكي وتكامل روسي تجلى في عام 2018، ذلك العام الذي شهد أكبر نسبة تعاون روسي – ألماني على مر العصور، إضافة إلى أكبر نسبة تعاون روسي – صيني.

أما عن المنطقة العربية، فهي لم تخسراقتصاديًا بل معنويًا، حيث وُضع القادة العرب في موقف مُحرج أمام شعوبهم بسبب سكونهم أمام تقسيم دولة عربية، إضافة إلى ظهور قوى إقليمية جديدة تعمل على إرهاب دول المنطقة بعد أن تقلص الدور الإسرائيلي في الفترة الأخيرة، وتصدرت تركيا المشهد لتُعلن عن نفسها كذراع أمريكي جديد في المنطقة، تهدد استقرار قبرص واليونان ومصر، كما أنها سوف تستثمر وضعها الجديد لتضغط على أوروبا من أجل ضمها للاتحاد الأوروبي - ذلك الحلم الذي طال انتظاره -.

كل هذه الأحداث إنما تزج بمصر لتتفاعل مع محيطها الإقليمي، فظهور قوى إقليمية بهذا الشكل وبكل ذاك الدعم إنما يهدد مصالح الدولة المصرية فيما يخص الغاز بالبحر المتوسط، وهذا يفرض عليها زيادة التعاون مع السعودية والإمارات من جانب، وفرنسا وألمانيا من جانب آخر، إن ذلك التحالف الخماسي سوف يتفاعل أكثر مع الحليف القادم، إيماءً بنظرية " توازن القوى ": على الضعفاء التحالف للحيلولة أمام وجود دولة مهيمنة في المنطقة.

ولسوف نرى ما تخبئه لنا الأيام في الفترة القادمة.