الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

أماني سمير تكتب: سينما مصر .. العرض المناسب في الوقت المناسب

صدى البلد

عندما أسمع عن بدء عرض جديد للمخرج خالد جلال .. أسعى جديًا لمشاهدته ، فهو يعيدنى إلى حالة تلقى مسرحية أصبحت نادرة الحدوث فى أيامنا المجدبة .

وبعيدًا عن علاقة الزمالة المسرحية التى تجمعنى بخالد منذ سنوات طويلة .. وبدون تأثير شخصى على تقييمى الفنى كمحترفة لمهنة صعبة وهى ( النقد ) .. والتى تقتضى الموضوعية والحيادية فى تقييم العمل الفنى بغض النظر عن الرأى الشخصى فى صناعه .. لابد من كلمة حق عن المخرج خالد جلال كفنان يمتلك أدواته الإخراجية لتقديم عروض مسرحية مختلفة ومؤثرة .. وتحمل الكثير من مقومات المسرح من متعة بصرية وبهجة إنسانية وأحيانًا مشاعر خصوصية تمس الروح قبل العقل . 

فى جميع عروض خالد جلال ، تجد همه الأول هو تحليل الحالة المجتمعية من خلال ارتجال ممثليه فى مواقف مقارنات بين ما كان وما هو كائن بالفعل .. فنتعرف من خلال رؤية شباب ورشته المنتمين للجيل الحالى والمتوافق مع حال المجتمع المصرى الآن .. على مواضع الخلل التى أصابت العلاقات الإنسانية فى مصر خلال الحقبة الأخيرة .

لمست هذا فى كل عروض ورش مركز الإبداع الفنى والتى يديرها ويشرف على إخراج عروضها خالد جلال .

بدايةً من ( قهوة سادة ) وانتهاءً بعرضنا اليوم (سينما مصر) .

لماذا السينما ؟ .. لأنها ببساطة ذاكرة الأمم ودفتر أحوال الوطن .

من منّا لم يتأثر بمشهد فى فيلم سينمائى ؟ من منا لم تؤثر فى حياته جملة حوار سمعها وقرر بعدها أن ينهج منهجاّ آخر .. السينما هى مرآة الشعوب .. لذلك حين أراد خالد جلال أن يعبّر عن أزمتنا الحالية فى مصر بعد ثورتين متتاليتين أجهزت على الكثير من القيم التى كانت موجودة فى مجتمعنا خاصة الطبقة المتوسطة التى كانت قد بدأت فى التآكل .. لم يجد أفضل من الأفلام المصرية التى كانت قوتنا الناعمة الحقيقية فى غزو ثقافات العالم وتثبيت أقدام مصر على الخريطة الدولية .. فالسينما تجاوز عمرها فى مصر المائة عام ويزيد .

هذا هو محتوى أحدث عروض خالد جلال وشبابه الحالم بحالٍ أفضل .. أما للحديث عن تفاصيل العرض .. من عناصر مسرحية .. فلابد من الإشادة بقدرة خالد المبهرة على إدارة عرض مكون من 67 شابا وفتاة .. استطاع من خلال شهور التدريبات إعداد فريق متكامل يستطيع من خلاله تقديم قدراتهم للناس .. فكان فيهم الذى يجيد الرقص .. ومنهم من يجيد الغناء .. وقليل جدًا من لمست فيه الموهبة التمثيلية .. ذلك لأن ما تم اختياره من مشاهد من الأفلام المصرية كان يعتمد فكرة الممثل الشامل .. فلا نجد مشهدا قماشته تسمح بالأداء التمثيلى الذى يوضَح مساحة الموهبة .. وله فى ذلك كل العذر .. لأن من المفترض أن يقدم العرض طاقات المتدربين وليست كل قدراتهم .

وضع اختيار فيلم (الليلة الأخيرة) كرابط درامى العرض فى إشكالية مبدأية .. وهى اختيار المشاهد الرابطة بين زمان والآن .. ذلك أن (نادية) استعادت الذاكرة بينما زوجها ( شاكر) يحاول إقناعها بأنها فقدت الذاكرة ... وقد طالت فترات رجوعنا من حالة سينما زمان بمشاهدها المحفورة فى قلوبنا وعقولنا إلى (نادية) وصراعها مع من يحاول إفقادها ثقتها بنفسها وبقدرتها على العودة لحياتها .. وفى هذا أيضًا التمست العذر لخالد جلال مخرج العرض .. حيث أنه لابد من أن يمنح ممثليه المساحة للتعبير عن قدراتهم التمثيلية وليست المحصورة فى تقليد شخصيات الأفلام التى انطبعت فى عقولنا كإسماعيل ياسين وزينات صدقى .. وغيرهم من نجوم أثروا فى وجداننا الفنى وارتبطت مشاعر المتلقى بهم .. فكان من الصعب الاقتناع بأنهم بالفعل يؤدون هذه الأدوار .. لأن دائمًا الأصل أصدق .. إلا أن الاجتهاد منهم فى أدوارهم كان محمودًا ومقدرًا .

ساعدنى على الدخول فى نوستالجيا الأبيض والأسود إتقان تنفيذ الملابس .. واختيار الأغنيات الممتعة خاصة التى استضافها العرض بأصوات مؤديها الأصليين كعبد الحليم حافظ وسعاد حسنى ... فكان حضور أصواتهم إضافة قيّمة جدًا للعرض .. تؤكد على ثقافة المخرج وحسه الفنى العالى .. إضافة إلى إجادة من أدّوا الأغنيات ( لايف) وتمتعهم بصوت غنائى مدرّب جيدًا على الأداء الغنائى .. وهو ما يحسب دومًا لورشة خالد الإبداعية .

سينما مصر ليست عرضًا ممتعًا فقط .. لكنه عرض يحرّض على التفكير فى الخروج من الأزمة التى تعيشها مصر الآن .. فنحن لا نعيش أزمة سينما ولكننا نعيش أزمة وجود .. طرحها خالد جلال بأسلوب فنى رفيع مؤكدًا أننا لم نَمُت وإنما فقدنا الذاكرة لسنوات ، تصوّر فيها من حاولوا القضاء على هويتنا أنهم نجحوا ومسخوا شخصيتنا الرائدة وسلبونا قوتنا الناعمة .. لكننا قادرون على العودة .. بشباب يمثل جيلا يرفض أن تضيع هوية مصر .. من خلال ( سينما مصر).

تحية صادقة وتقدير كبير لمخرج يملك القدرة على تقديم همَه الوطنى وأحلام أولاده من صناع الفن من الأجيال الجديدة .. من خلال عرض مسرحى ممتع من الصعب أن تتجنبه .. أو تتجاهله .. فهو يفرض نفسه عليك برقة وعذوبة .. تستمتع به وتفكر فيه .. ويساعدك على قرار التغيير .. شكرًا خالد جلال .. تحياتى .