الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

غادة حسن تكتب.. كيف تكون المدرسة مكانا محببا لأبنائنا

صدى البلد



(1) عقاب أم تأديب
من الأخطاء العامة الشائعة بين الناس الخلط بين (العقوبة) و(التأديب)؛ فالعقوبة تهدف إلي جعل الأطفال يندمون ويتأسفون على تصرفهم السيئ ، بينما يعني (التأديب) تعليم الأطفال كيفية تطوير واستخدام (ضبط النفس) والمحاكمة العقلية السليمة، وذلك بتعليمهم المهارات اللازمة والأساسية لتحصيل ذلك ، ومن ناحية أخرى فإن العقوبة تبني أساسًا على الاعتقاد بأنه إذا تألم الأطفال بسبب أخطائهم فإنهم لن يعيدوا الأخطاء ذاتها مرة ثانية ، ونحن نفترض أنه إذا دفع الإنسان ثمن غلطته التي ارتكبها فإنه سيفكر مرتين قبل أن يفعل العمل الخاطئ ذاته مرة أخرى كما أننا نميل إلي أن نفترض أيضًا أن كافة الأعمال السلوكية هي ناتجة عن (التفكير) ونحن نعتقد كذلك أن كل واحد منا، بما في ذلك الأطفال، يفكر بما يفعل، قبل أن يفعله، وأثناء الفعل، وبعد الفعل أيضًا ، وليس هذا أمرًا صحيحًا بالضرورة.
إن قدرًا كبيرًا من السلوك الإنساني إنما يصدر عن المشاعر بدلًا من التفكير والعمل الفكري، وسيتسبب هذا في مشكلة حقيقية عندما نعاقب الأطفال على أخطائهم التي يرتكبونها ولابد من توفر ثلاثة أمر للعقوبة كي تغير السلوك:
أولاُ : لابد أن يكون الشخص مدركًا للمشاعر التي تدفعه لخرق القواعد وعدم المبالاة بها.
ثانيًا : يجب أن يكون الشخص قادرًا على التفكير بما سيقوم به من عمل ، وما هي النتيجة التي ستحدث جراء قيامه بهذا العمل.
ثالثًا : وهو الأهم، يجب أن يكون الشخص قادرًا على معرفة كيفية منع نفسه من التصرف بناء على مشاعره فقط.
فإذا لم يكن الشخص قادرًا على تحقيق هذه الأمور الثلاثة ، وبهذا الترتيب، فمن غير المحتمل أن يكون للعقوبة أي أثر فعال على مثل هذا الشخص. ولا يهتم كثير من الكبار بهذا التسلسل البسيط من الحوادث الذي يجري في الدماغ لقد تعلموا كيف يعالجون هذه الأمور الثلاثة بشكل تلقائي، ويتمكن دماغ الشخص البالغ من المرور خلال هذه السلسة من الحوادث بسرعة كبيرة، ويمكن أن نضرب مثالًا على هذه الحالة الاستيقاظ في الصباح الباكر، وذلك عندما يرن جرس المنبه ويشعر أحدنا برغبة جامحة (الشعور) بأن يسكت رنين المنبه ويغط في نوم عميق من شدة النعاس والتعب واللذة بالاستمتاع بدفء السرير.
إلا أن صوتًا خافتًا يعتلج في الرأس(الدماغ المفكر) وينشط للعمل، فيبدأ المرء بحساب نتائج التغيب عن العمل..، كالخصم من الراتب، أو ربما التوبيخ أو التسريح من العمل، وعدم التمكن من سداد قسط البيت أو السيارة، وهكذا، وستجري في الذهن محاورة ذاتية قصيرة، وقبل أن يدرك المرء ماذا يفعل، ينهض من الفراش، ويمضي إلي عمله.
وعندما تختلط سلسلة أحداث المشاعر- التفكير-العمل، سينتج عن هذا أن تتولى المشاعر أمر التوجيه والقيادة، وعندما تتولى المشاعر التوجيه، ينتج عن هذا (عمل فوري)..، بل إن هناك بعض الأطفال الذين لم يستطيعوا بعد التحكم بمشاعرهم، وضبط كيفية التحكم بأعمالهم الناتجة عن المشاعر المباشرة، وقد نتعرض جميعًا لاضطراب في تسلسل أحداث هذا التسلسل المنطقي المشاعر-التفكير-العمل ما بين فترة وأخرى، فنعمل بناء على مشاعرنا وليس بناء على مهاراتنا الفكرية ومحاكمتنا وتفكيرنا بالأمور، وأما الأطفال فغالبًا ما يكون تسلسل أحداث العمل لديهم بناء على المشاعر-العمل، وهذا ما يقود الأم إلي توجيه (السؤال الأزلي): (بماذا كنت تفكر عدما طلبت منك القيام بالعمل؟)، والإجابة على هذا السؤال عادة هي: (لا أدري!). ولا يصدقون أن أي شخص، بما في ذلك الفتيان والمراهقين والأطفال، لا يدرون ماذا يفكرون أو ماذا يعملون، فما الذي يسبب حدوث هذه الحالة من الانزعاج؟ ويكمن الجواب في طريقة تنظيم الدماغ.
إن السر يكمن في طريقة عمل الدماغ،فالدماغ مقسم إلي أجزاء أو فصوص، ولكل جزء من أجزاء الدماغ وظيفة محددة خاصة به وعمل محدد يقوم به ، وإن جزء الدماغ الذي يمكننا من 


الإحساس بالمشاعر أو العواطف،يختلف عن الجزء الذي يمكننا من التفكير، وإن القدرة على التفكير بالأمور التي يمكن أن تحدث في المستقبل (النتائج) تتطلب أن يتواصل معًا كل من الجزء الذي يمكننا من الإحساس بالعواطف والجزء الذي يمكننا من التفكير، وقد يخرج أحيانًا التواصل بين هذين الجزأين من الدماغ عن السكة المحددة له وينحرف عن المسار الصحيح، وغالبًا ما يحدث هذا الانحراف في المسار لدى الأطفال ، ويجب على الكبار عندئذ التدخل (لإنقاذ هؤلاء الأطفال من أنفسهم)، وكلما نما الأطفال وتطورت ملكاتهم وإمكاناتهم الفكرية والعاطفية والعقلية تقوم أدمغتهم بإجراء المزيد والمزيد من الرحلات والتواصل بين أجزاء الدماغ المتعلقة بالعواطف والمشاعر والتفكير، وبالتالي يصبحون أقدر على تقييم النتائج التي تنتج عن أعمالهم وتصرفاتهم وسلوكهم، وتتطور في النهاية المسارات العصبية وتقل تدريجيًا الأعمال التي تحدث كرد فعل مباشر على تصرفات الآخرين.
ساعد الأطفال على تطوير سلسلة أحداث المشاعر- التفكير- العمل في أدمغتهم، ونلاحظ أن العقوبة فقط لن يكون لها الأثر أو الفاعلية ذاتها، كما أن العقوبة تسبب الألم، وقد يكون لها أثر إيجابي من فترة إلى أخرى، ولفترة قصيرة فقط، إلا أنها لا تضمن حدوث سلسلة أحداث المشاعر- التفكير- العمل في الدماغ عندما يمر الطفل أو المراهق بسلسلة الأحداث ذاتها في المستقبل، وسنجد هنا أن عملية الخطوات الخمسة البسيطة التي سنتحدث عنها ستوفر البديل الفعال للعقوبة وحدها، وإن توجيه انتباه الأطفال والمراهقين بشكل مستمر لسلسلة أحداث المشاعر- التفكير- العمل ستعلم الأطفال كيف يمكنهم أن يمارسوا هذه الطريقة بأنفسهم ولأنفسهم في الحالات التي تمر بهم، وبالتالي، سيصبحون بدورهم قادرين على تطوير مستوى ضبط النفس الذي يحتاجونه للنجاح في حياتهم وإن التأديب يعلم الأطفال والمراهقين كيف يمكنهم أن يفكروا بالنتائج التي سيؤول إليها الأمر، وما هي البدائل من الخيارات المتاحة لهم لاستخدامها عندما يشعرون بأنه يجب عليهم أن يفعلوا شيئًا ما مخالفًا للقواعد العامة للسلوك، فلابد لهم أن يمروا بمراحل سلسلة أحداث المشاعر- التفكير- العمل مرارًا، وبشكل متكرر إلي أن يتمكنوا من تطبيقها قبل أن يقوموا بعمل ما بدلًا من تطبيقه بعد القيام بذلك العمل.
الخطوات الخمس البسيطة
إن هذه الخطوات الخمسة هي استراتيجيات تواصل وإدارة بسيطة تساعد الأطفال على تطوير تسلسل أحداث المشاعر- التفكير- العمل، وهي أيضًا تساعد على تطوير مهارات التفكير وضبط النفس، وذلك بتعزيز تسلسل الأحداث المناسب للدماغ، وسيساعدهم هذا على تنفيذ العمل بشكل مناسب حتى وإن كانوا يرغبون بالقيام بعمل غير مناسب، وإنني أعتقد أنك لا محالة ستلحظ تغيرًا إيجابيًا حتى 
على السلوك الأكثر صعوبة، وذلك إذا ركزت على استراتيجيات هذه الخطوات الخمسة البسيطة.
- أن (البساطة) هنا لا تعني السهولة، إذ إن بعض هذه الاستراتيجيات ستتطلب التزامًا صادقًا وأصيلًا بمبدأ الثبات والاستمرارية، كما يجب التدرب عليها الي أن تصبح (عادة) طبيعية لكل طفل ، وإن المحافظة على مبدأي الثبات والاستمرارية ليس أمرًا سهلًا دائمًا، إذ إن هذا التسلسل قد يضطرب حتى في أذهان الكبار أحيانًا وذلك عندما نتصرف بناء على مشاعرنا وعواطفنا بدلًا مما نعرف انه التصرف الأفضل في مثل تلك الحالة، وإن إدراك هذه الخطوات الخمسة البسيطة سيساعد الطفل على ضبط المشاعر ومنعها من التسبب بإصدار ردود أفعال تتسبب بإحداث نتائج خاطئة على الآخرين، وإن هذا يعلم المرء كيف يعلم أطفاله طريقة التصرف والسلوك الصحيحتين حتى عندما تفشل العقوبة في تحقيق ذلك.
وإن الخطوات الخمسة البسيطة للإدارة الفعالة ستساعدك على فهم سبب معاقبة الأطفال على تصرفاتهم غير المقبولة واستمرارهم في فعل الأمور ذاتها التي أوقعتهم في المشكلات في المرات السابقة، كما ستساعدك هذه الخطوات على التحول من تطبيق وضعية العقوبة غير الفعالة والانتقال إلي وضعية التأديب الفعال، ولاشك أن أفضل طريقة لتعليم احترام القواعد وضبط النفس هو أن يجعل الإنسان من نفسه القدوة الحسنة الصالحة التي تحترم هذه المبادئ وتطبقها وتلتزم بها أمام الأطفال.
وإذا التزم الطفل بممارسة هذه الاستراتيجيات فإنه- دون شك- سيشعر بالرضا والاطمئنان والراحة 
إن تعليم الطريقة السليمة لضبط النفس للأطفال الذين يتصرفون بناء على مشاعرهم وبدافع من عواطفهم فقط يجب أن يتم على مراحل، ويجب أن تكون المرحلة الأولى هي مرحلة تعليم إدراك الذات ، وإن هذه المرحلة هي بداية تعلم الإدارة الجيدة، ولا تتطلب هذه المرحلة استخدام (العقوبة) دائمًا ، وهي أيضًا عملية سهلة دائمًا، إلا أننا إذا لم نقم بتعليم هذه المهارة الهامة جدًا لأطفالنا فإننا سنجد أن معظم المحاولات التي نتخذها مع الأطفال لتأديبهم أو عقوبتهم ستثبت فشلها وعدم جدواها على الإطلاق، وسنكتشف أنها غير مثمرة بتاتًا.
إن تعليم الطفل إدراك ذاته، وضبط نفسه، هو أمر أساسي جدًا للنجاح في معظم مجالات الحياة المستقبلية، إلا أن عملية التعليم قد تكون واحدة من أكبر التحديات التي تواجهها الأم في هذه الحياة.