الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

إبراهيم عطيان يكتب: مثلث برمودا الجزء الثاني‎

صدى البلد

قبل بضعة أشهر في يوم شديد البرودة في صحراء سيناء الحبيبة
يجلس المجند محمود عبد الناصر أحد أبناء محافظة البحيرة
مع باقي أفراد قوة التأمين المرابطة في أحد أكمنة شمال سيناء
يتبادلون الحديث حول ذكرياتهم أثناء فترة الدراسة
قبل الالتحاق بالخدمة العسكرية
في تلك السهرة الشتوية يجلس شباب في عمر الزهور
خلف آليات عسكرية تحميهم من البرد والمطر يدلي الجميع بدلوه
تعددت الروايات وذكريات الماضي القريب.
بدايتها كانت مع أحمد صابر
الذي بدأ في سرد قصته منذ الطفولة مع رانيا ابنة خاله
قبل أن تترك محافظة المنوفية مع أسرتها
التي انتقلت إلى محافظة الاسكندرية بسبب ظروف عمل والدها
مرورًا بقصة الحب الملتهبة التي نشأت بينهما في المرحلة الثانوية، ثم الخلاف الذي نشب بينهما بسبب التحاقها بكلية الشرطة.
يقول أحمد بنبرة صوت ضاحكة:
كم كنت أنانيًا وقتها عندما غضبت من التحاقها بالشرطة
لقد كان هدفي أن تكون بجانبي في كلية الألسن
كما اتفقنا من قبل ثم الهجرة بعد الزواج.
يقول أحمد الذي يتأمل سواد الليل من أمامه في صحراء سيناء:
الحمد لله الذي هداها للالتحاق بالشرطة حتى لا أترك مصر.
مصر الآن بحاجة إلى أبناءها للدفاع عن ترابها والزود عنها.
نحن لا نستطيع العيش من دون هذا الوطن،
فالوطن هو المكان الذي يشعر فيه الإنسان بالأمان والدفء،
وبدونه نفقد الهويّة ونشعر بالضياع،
الوطن هو الشجرة التي نفيء إليها لنستظل بظلها فتحمينا
وتحنو علينا ونجد منها الدفء والحنان والرعاية والاهتمام،
إن مثل الوطن للمواطن كمثل الأم لأولادها
مهما قست لا يمكن أن تكره وليدها التي سهرت لراحته،
ولا يمكنه أيضًا أن يهنأ بعيش وهي تتألم؛
حب الأوطان لا يكون باللسان فقط فالوطن لا يرتضي هذا الحب
بل يقبله أن يكون خالصًا له بالإنتاج والعمل والإنجاز والتضحية
والدفاع عنه والكفاح من أجله.
ثم اختتم حديثه بالتأكيد على إخوانه لحضور حفل زواجه
من رانيا في الشهر القادم؛ بعد انتهاء مدة التجنيد.
ليستكمل عامر الفتي الصعيدي المتحمس باقي الروايات
بالحديث عن أبيه الذي أوصاه عند التحاقه بالخدمة العسكرية
أن يثأر لإخوانه من أبناء مصر الذين راحوا ضحايا للإرهاب.
ثم يردف حديثه بسؤال للحاضرين قائلًا:
هل كان يظن أبي أن ابنه عامر وزيرًا للدفاع؟
أم أنه عامر إف ستة عشر؟
فتسود المكان البارد حالة من البهجة والمرح،
حين انطلق عامر بين إخوانه كالفراشة باسطًا ذراعيه
متقمصًا دور الطائرة التي تدك معاقل الإرهاب قبل أن يجلس فوق صخرة على جانب الطريق الجبلي،
ثم يقول : لا أنسى حديثه عندما قررت أن أذهب مع أحد أصدقائي للعمل في المركز .
لقد أمسك بيدي ثم جلسنا تحت شجرة أمام بيتنا الريفي فقال:
إياك أن تتكلم في الأشياء حتى تكن عالمًا بها وفي الناس حتى تعاشرهم . ولا تردد خبرًا لا تعلم مصدره فتنشر الشائعات .
وإذا جاءك أحد بنبأ فتبين قبل أن تتهور.
ولا تصدق كل ما يقال ولا نصف ما تبصر وإذا ابتلاك الله بعدو تعرفه فاشكر الله.
وإذا هاجمك الناس وأنت على حق أو آذاك أحد بالنقد فافرح؛
فإنهم بذلك كتبوا شهادة نجاحك؛ فلا يُرمى من الشجر إلاّ المثمر.
وحينما يثق بك أحد أو يأتمنك على مال أو عرض فإياك ثم إياك أن تغدر. واعلم أن هناك منافقين وهناك أناس يتدثرون بكل لباس، ويتظاهرون بالأخلاق،
ويتسترون بدعوى الخير فاحذر أن يخدعوك.
وفر لنفسك بديلًا لكل شيء؛ حتى لا تتوسل لنذل.
لقد كان أبي كثيرًا ما يوجهني في كل شيء،
حتى ظننت لبعض الوقت أني لا أحظي بثقته!!
لم أكن أعلم أن ذلك إعداد لتحمل المسؤولية من بعده.
ثم ألجمه البكاء حزنًا على والده الذي مات وترك أسرة بلا عائل.
فالتف الجميع حوله للمواساة يحثونه على الصبر والتحمل،
فيجلس عامر ودموعه تتقاطر فوق رمال سيناء الطاهرة،
ثم يعود للحديث عن والده الذي أوصاه كثيرًا بأمه وإخوانه
وأن بكاءه ليس خوفًا من المسؤولية كما يظنون،
لكنه يخشى أن يباغته الإرهاب الغادر فيترك الأسرة بلا عائل.
كلمات عامر نشرت الصمت في المكان،
كما أشاعت عباراته وحركاته البهلوانية المرح قبل قليل.
لكنه سرعان ما عاد للمرح من جديد حين أخذ في تجفيف دموعه قائلًا:
وانت يا واد يا مجدي مش عيدكم النهارده؟
متقوم تكلم أهلك ولا انت ملكش أهل تدور عليهم.
يعود أحمد صابر للحديث مرة أخرى بسؤال وجهه إلى مجدي:
هل أنت مسيحي يا مجدي؟
ليبدأ الجميع في تهنئته مجدي بمناسبة أحد السعف
قبل أن يتنحى جانبًا خلف إحدى المركبات العسكرية لمحادثة أسرته.
في هذا التوقيت تحديدًا انتهت الضابط رانيا من تجهيز عش الزوجية مع والدتها وأخواتها، قبل أن ترتدي ملابسها العسكرية
والتوجه إلى عملها لأداء واجبها الوطني
في تأمين احتفالات الإخوة الأقباط بأحد السعف.
عروس المستقبل تستعد ليوم زفافها على أحمد صابر.
لكن يد الإرهاب أبت أن تزف رانيا على أحمد حين هز انفجار عنيف منطقة العطارين بالإسكندرية أودى بحياة رانيا
وبدلا من أن تزف في الأرض زفت في السماء
حيث استشهدت في عملية إرهابية ضربت الكنيسة المرقسية
أثناء الاحتفالات المسيحية بعيد السعف.
بداية القصة عندما لمح الضابط حسين رشدي
أحد الأشخاص تبدو عليه مظاهر الارتباك والقلق
يحاول الدخول مسرعًا إلى الكنيسة،
فاستوقفه حسين ورفاقه عند بوابة الكنيسة طالبين تفتيشه
لكنه رفض ذلك الإجراء، وحاول الدخول عنوة
فطارده الضابط وتمت محاصرته ومنعه من الدخول،
وعندما حاول الهروب إلى داخل الكنيسة لتفجير نفسه بها
تصدى الشهيد البطل بجسده ومنع القاتل من الدخول،
فكانت النهاية التي أسفرت عن استشهاد الضابط حسين
والضابط رنيا في الحال.