الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

عادل صلاح خضر يكتب: هكذا يكون الحب

صدى البلد

قبيل يومين، احتفلت فئة لا بأس منها من الشباب بعيد الحب في ثيابه "المصري"، والذي يتوافق مع الرابع من نوفمبر من كل عام، وبينما يقدم علينا هذا اليوم إلا وتتزاحم الساحات والحدائق والأماكن العامة على استقبال "العشاق".

والعشق هنا يدخل في نطاق محدد أغلبه ينصب على فئة من الشباب والفتيات يلتقيان ظنًا منهم أنه يوم يتوج فيه حبهما ويعبر كل منهما للآخر عن ما يجيش به صدره أو قل "اندفاعه"، هكذا تكون فترة الشباب، ويصبح المستفيد وحده هم بائعو الورود "الحمراء" في لونها، و"الدباديب" في مفهومها أو ما هو شائع بيننا بمسماها.

لكن هل هذا هو المقصود بعيد الحب عند المصريين الذي يأتي مختلفًا عن عيد الحب في العالم والذي يتم الاحتفال به كل عام في 14 فبراير؟، فعيد الحب لدينا والذي انطلقت فكرته في العام 1988 كان يستهدف تقديم الهدايا والاحتفال بين الأهل والأصدقاء والأحبة، وليس قاصرًا على ما تم الترويج إليه.

ولعل أغرب ما يجول في خواطر الناس أنه يوم حدد خصيصًا ليكون قاصرًا على فئة الشباب "غير المتزوجين"، بل كان أحرى به أن يكون يوم ليحتفل كل منا بحبه لزوجته ولأهله ولأصدقائه، ونهدي بعضنا بعضًا بهدايا تجعل ما لدينا من حب وألفة لمن هم منا من أحبتنا وذوينا وزوجاتنا نبراسًا حقيقيًا للمعنى الدامغ لهذه الكلمة "الحب" في معناها الثري وعطائها البراق وشمولها الذواق.

وثمة ما يجعل من ضغوط الحياة وصراعاتها أن يكون أحرى بنا أن نجعل من ذلك اليوم متنفسًا حقيقيًا للخروج من تلك المتاعب، وإن كنت ضد تلك الفكرة التي تحاول أن ترسخ في أذهاننا يومًا للحب دون غيره من أيام السنة، فيجب من حين لآخر دون تحديد ميعاد أن نعبر عن حبنا للمحيطين بنا ولو بكلمة طيبة.

بيد أننا خرجنا من سياق ما يدفعنا إليه هويتنا العتيدة وتاريخنا البراق وديننا الحنيف إلى المبادرة في البحث عن المعنى الحقيقي لهذه الكلمة، عن جوهرها، حقيقتها، سياقها الطبيعي، فلا هي كلمة تقال وحسب، وإنما مشاعر فياضة تختلف باختلاف من نعبر لهم عنها، فلا الزوجة كالصديق، ولا الأم كالرفيق، فثمة معانٍ مختلفةٍ لكلمة الحب، وإن ظل جوهرها ينادي بالوفاء ويعبر عن الغيرة.

حكى الأصمعي فقال، بينما كنت أسير في بادية الحجاز إذ مررت بحجر كتب عليه هذا البيت "أيا معشر العشاق بالله خبروا.. إذا حل عشق بالفتى كيف يصنع"، فكتب الأصمعي تحته ذلك البيت "يداري هواه ثم يكتم سره.. ويخشع في كل الأمور ويخضع"، ثم عاد الأصمعي في اليوم التالي إلى المكان نفسه فوجد تحت البيت الذي كتبه هذا البيت "وكيف يداري والهوى قاتل الفتى.. وفي كل يوم قلبه يتقطع".

ولما رأى الأصمعي ذلك كتب تحت ذلك البيت أيضًا "إذا لم يجد الفتى صبرًا لكتمان سره.. فليس شيء سوى الموت ينفع"، فقال الأصمعي: فعدت في اليوم الثالث إلى الصخرة فوجدت شابًا ملقى تحتها وقد فارق الحياة وقد كتب في رقعة من الجلد هذين البيتين "سمعنا أطعنا ثم متنا.. فبلغوا سلامي للوصل يمنع.. هنيئًا لأرباب النعيم نعيمهم.. وللعاشق المسكين ما يتجرع".

وكانت حفصة بنت الحاج الركونية، تغار على أبي جعفر بن سعيد غيرة لافتة ولم تكن تطيق أن تستأثر به امرأة أخرى، وقد كتبت إليه ذلك قائلة "أغار عليك من عيني رقيبي.. ومنك ومن زمانك والمكان ولو أني خبأتك في عيوني إلى يوم القيامة ما كفاني".

ولنا في سيدنا الإمام علي أسوة في الحب والغيرة على زوجته، حيث دخل مرة على السيدة فاطمة الزهراء رضوان الله عليها فوجدها تستاك بعود الأراك "سواك"، فأخذه من يدها وغازلها بقوله "حظيت ياعود الأراك بثغرها.. أما خفت ياعود الأراك أراك.. لو كنت من أهل القتال قتلتك.. لم ينج مني ياسواك سواك".

هكذا يكون الحب.. فأحبب حبيبك ما حييت فإنها خير الشفاعة بين المحبين.