الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

إسراء النجمي تكتب: ما وراء ترند المهرجانات

صدى البلد

دائمًا ما يجذب انتباهنا الاختلاف، وطبيعي أن نمل الروتين وما يصبح بـ الشيء العادي بالنسبة لنا، حتى نجد أنفسنا نبتعد عنه شيئًا فـ شيئًا، وان كُنا نسعى إليه في وقت ما بشغف، فـ الآن هوآخر شئ من الممكن أن نُفكر في الالتفات إليه لـ تواجده بكثرة من حولنا، وهكذا تتلاشى الأشياء الجميلة التي كانت في يومٍ ما أكثرهم تميزًا ولمعانًا، لطالما مللنا كثرتها، وظهر بعدها الأجمل والأكثر لمعانًا.


إذا كنت ترى أن لـ النجاح سقف أو لـ الجمال نهاية، فـ أنت شخصية بعيدة كل البعد عن الإبداع وأحلامك تتسم بالتواضع، وطموحاتك راكدة غير شغوفة، وهذا بدوره لن يحقق لك نجاح في أي جانب من جوانب حياتك.


وهكذا هو الغناء ان كنت ترى مثلًا أن "أهد الدنيا" هي أكثر أغنية من الممكن أن تجعلك في حالة سعيدة "مهيبرة"، أو أن "بنت أكابر" هي أجمل أغنية شعبية باللهجة الصعيدي على الإطلاق، أو أن "قولوله سماح" هي أنجح أغنية دراما ولم يأتي الأنجح منها، إذن هذه هي حدود نظرتك للجمال وبالتالي لم تبذل مجهود فيما بعد لـ تبحث عن ما هو أكثر جمالًا لـ تُبدع فيه، وتظل تٌنتج ماهو في نفس مستوى "أهد الدنيا" و"بنت أكابر" و"قولوله سماح" حتى نمل من كثرة تواجدهم في قوالب مختلفة، وانتاجك يقل جمالًا تدريجيًا حتى يتلاشى وجودك، وتبقى كل أغنية من الثلاث أغاني هي الأجمل في مسيرتك القصيرة رغم كثرة انتاجك.



النجاح منظومة كبيرة، العجلة الأساسية فيها هي الإستمرار على التدرج لـ أعلى بشكل إيجابي في الإبداع، وأن تعطّلت قليلًا سـ نلتفت لما تنتجه المنظومة المقابلة لها، مثل ما جاءت الأغنية الدرامية "جابوا سيرته" بعد"قولوله سماح" فـ صُناع الأغنيتين ابدعوا في انتاجهم، واذا كانوا لا يروا سقف لـ إبداعهم فـ نحن على موعد معهم في الأكثر إبداع أوابداع مقابل في شكل مختلف مثل ما رأينا من كاتب كلمات "قولوله سماح" في عمله التالي "أول يوم في البعد"، هكذا يُدير المُبدع منظومة نجاحه، ويبقى طريقه فاقد لـ النهاية، ونبقى نحن ننتظر ابداعاته القادمة بشغف.



ولكن عندما تتأخر كل منظومة لامعة من حولك في انتاجها، سـ يكون أمامك خيارين، الأول: ان تستعين بـ انتاج زمن الفن الجميل، والذي من الممكن أن تمل منه بعد قليل لـ تلجأ لـ الخيار الثاني: ألا وهو "المهرجانات" التي دائمًا ما تكون تحت بند تغيير مزاجيتك قليلًا فـ تستعين بها كـ نوع من المرح وليس لـ الإستماع لفن حقيقي، وكلما تأخر انتاج المنظومات من حولك كلما استعنت أكثر بـ المهرجانات الأكثر نشاطأً والأكثر انتاجًا والأكثر عشوائية.



وهذا يأخذنا إلى أول سبب من أسباب ترند "المهرجانات الشعبية" وانتشارها بـ كثرة، ألا وهو "الإنتاج":

عندما يُقدم لنا المنتج ألبوم واحد في العام لـ مطرب، واغنية سينجل لـ مطرب آخر، ويقتصر النجاح في أغنية واحدة أو أغنيتين بالكثير في العام، وفي المقابل عشرات المهرجانات، سـ نستمع لـ الأغنيتين وتُصبحا "ترند" ولكن باقي العام طبيعي سـ تنتشر المهرجانات وتُصبح "ترند".

عندما يمر 12 شهر مرور الكرام ولم نرى فيهم اهتمام بـ انتاج فني حقيقي كما كان الفن المصري من قبل، لا تستعجب من انتشار "المهرجانات".

لم نعد نهتم بـ تواجد الأغنية الشعبية المصرية ولا تطويرها، ماذا بعد "خطوة.. بنت أكابر" هل تأتي "آاه ياحنان"!!.. نحن نتطور أم ننحدر.. نصعد السلم أم نهبط؟.. طبيعي سـ يلجأ أغلب الجمهور لـ المهرجانات، وطبيعي سـ تضج حفلات الزفاف بها.



المهرجانات لا تُعد أغاني بل هي حالة يستعين بها الكثير لـ يُحسن مزاجيته ويملأ فراغ الانتاج الغنائي وسوء اختياراته، ويا حبذا إذا كانت حالة من الترفيه و"الهيبرة"، وذلك يأخذنا إلى السبب الثاني وراء "ترند" المهرجانات، وهو "الاختيارات الغير موفقة":

عندما يطرح مطرب ألبوم من 12 أغنية، وتنجح أغنية واحدة فقط وتُصبح ترند، وباقية الأغاني تُشبه غيرها.. هنا لحن "منحوت".. وهنا كلمات مٌقتبسة.. وهذا الموضوع قُتل تناولًا بهذه الطريقة، وهذه جيدة جدًا ولكن التوزيع أفقدها الكثير من روحها، النتيجة هي أغنية واحدة ناجحة من الألبوم مقابل عشرات من المهرجانات التي يستمع إليها جمهور يعيش في مجتمع مهموم بـ كل جوانب حياته في حاجة لـ التنفيس عن همه ولكنه لا يجد انتاج أمامه أكثر من المهرجانات.

ولذلك تُصبح ترند ولكن لفترة محدودة.. ولم تُذكر بعدها على عكس أغنية الألبوم التي نجحت وأصبحت ترند يظل نجاحها عالق في ذاكرتنا.

بعد أيام معدودة من ترند ذلك المهرجان المنسي، يتم انتاج خمس مهرجانات على سبيل المثال منهم مهرجان أصبح ترند وتلاشى بعد وقت قصير أيضًا، ومازال لم نرى انتاج فني غنائي غير تلك الأغنية من ذلك الألبوم لفترة طويلة، ثم نمل من حالة المهرجانات.. ننظر حولنا ولم نرى انتاج جديد على مستوى، فـ نسترجع أغنية الألبوم هذه وما سبقها من الأغاني الناجحة، أو اننا نستعين بـ أغاني الزمن الجميل، ثم نمل فـ لا نجد أمامنا سوى المهرجانات وهكذا هي الدائرة.



أكثر المستمعون لـ المهرجانات هم أكبر فئة في مصر وهي الفئة الشعبية، وذلك يأخذنا لـ السبب الثالث، وهو "الثقافة الفنية":

كتب أستاذي الكاتب الصحافي والمُحلل السياسي أحمد رفعت مقالين عن دور "وزارة الثقافة" في تثقيف ووعي هذه الأحياء الشعبية فنيًا ومحاربة الإرهاب، وتحدث عن نقطة إهمال الوزارة لـ تثقيف المناطق الشعبية فنيًا، وتسهيل وصول الفن الحقيقي لهم، عن طريق توفير تذاكر بـ أسعار رمزية في المسارح القريبة من أحيائهم، وكيف ان حفلات مهرجان القلعة الذي دُشن خصيصًا لهم بدأ بشكل مجاني تمامًا ثم تزايد سعر تذاكره تدريجيًا من خمسة جنيهات إلى 20 جنيهًا، لـ تصبح الأسرة التي تتكون من خمس أفراد أو أكثر غير قادرة على حضور الحفل، ويُصبح غالبية الحضور من خارج هذه الفئة الشعبية التي هي الهدف الأساسي من "مهرجان القلعة".



تأحذني كلمات أستاذي لـ "ترند المهرجانات"، وكيف أن في غياب الدعم الثقافي الفني لـ هذه الأحياء يظهر من ابنهائها مؤدي مهرجانات، وبـ "جدعنة أهل حتته" يجد الدعم ويُقيم الحفلات ويُحيي أفراحهم، ويصبح هو نجم الحي والأحياء المجاورة وتتوسع الدائرة، ونستمع لـ مهرجاناته في "التكاتك" والمواصلات العامة "التي تعد وسيلة مهمة في بناء ثقافة شعب"، ويصبح هو الذوق العام في ظل غياب الدور التثقيفي في هذه الأحياء التي يمثل سُكنها الشريحة الأكبر في الدولة، ولا ننسى أن كل ذلك أيضًا في ظل قلة الإنتاج وسوء الاختيار.

هل تتذكرون حفلات "ليالي التليفزيون" التي كانت تُعرض على قنوات التليفزيون المصري، وكيف كان لكل أسرة موعد مع حفل لـ أكبر النجوم في منزله كل ليلة.. هل تتذكرون الحفلات التي كانت تُقام في محافظات الصعيد لنجوم كبار من كل عام؟!.



لماذا لم تُدشن "وزارة الثقافة" حملة تتبنى فيها التثقيف الفني من خلال المواصلات العامة في الأحياء الشعبية، وتوزيع "CD" أو "فلاشة" تحتوي على باقة من أجمل وأنجح الأغاني لـ كل "ميكروباص أو توكتوك" في كل "موّقف" أو مكان تجمع هذه المواصلات، وكل فترة تمد رئيس "الموقف" بالجديد الناجح والنظيف في عالم الغناء، حتى يزوّد "فلاشات" السائقون.. لماذا حتى الآن نأخذ محل المتفرجون في صمت، ولا نُفكر في حلول بديلة.





ومن إهمال "وزارة الثقافة" لـ الأحياء الشعبية ننتقل لـ إهمال أخر وسبب رابع يخص الوزارة بشكل آخر أيضًا، وهو روتين الرقابة على "المصنفات الفنية":

وكيف يتم تعطيل تنفيذ الأعمال الغنائية والمدة التي قد تصل لـ عشرون يوم حتى يتم استخراج تصريح بالموافقة على تنفيذ العمل الغنائي، في حين أن في خلال العشرون يوم يتم انتاج ما لا يقل عن خمس مهرجانات على مواقع السوشيال ميديا دون رقابة على كلمات ودون حاجة لاستخراج تصريح بالموافقة على تنفيذها.



السبب الخامس، هو عزوف الإعلام عن دعم الفن والفنانين والتركيز على البرامج السياسية والاجتماعية:

في الفترة الأخيرة لا نجد برنامج فني يدعم الغناء بشكل صحيح، ويعطي كل ذي حق حقه لـ تظهر الأعمال الجيدة للجمهور، وكأن دور الإعلام الفني اقتصر على ملاحقة الفضائح وأخبار الوفاة وصور "انستجرام" الفنان وخلافاته والتدخل في خصوصياته من طلاق وزواج وخلاف، وهذه ارتدت الحجاب وهذه تخلت عنه، وهذه فقدت جمالها أما الآخرى فقدت وزنها، وذلك أيضًا في غياب دور المنتج بالاهتمام بتسويق اعمال المطرب والدعاية بشكل صحيح وحرفي، وفي ظل أيضًا استحواذ مؤدوا المهرجانات على مواقع السوشيال ميديا التي أغلب مستمعيها من الطبقة المنسية من قبل وزارة الثقافة.

كيف لا نرى حتى الآن لقاء تليفزيوني مع صناع "بنت أكابر، قولوله سماح، جابوا سيرته، ناسيني ليه، تحيرك، أول يوم في البعد، حبيتك بالتلاتة، أهد الدنيا وغيرهم من الأعمال الناجحة".. ولكن الحديث عن خلاف حمو بيكا والنقيب هاني شاكر أهم من تخصيص حلقة عن الأعمال الناجحة النظيفة والحقيقية، وأيضًا تحولت اللقاءات في كثير من القنوات إلى "بيزنس.. هتدفع هستضيفك، مش هتدفع خليك في بيتك"!!.





أما السبب السادس والأخير حتى الآن هو قراءة الوضع بشكل سطحي من قبل بعض الفنانون:

البعض يرى أن سبب ترند المهرجانات هو أن "الجمهور عايز كدة"، هذه الجملة "السمجة" وتلك الشمّاعة الفاترة، التي تصف جمهور دولة كاملة بـ انه يلهث وراء كل ما هو تافه، وكأنهم يتناسون أن الجمهور المصري من أكثر الجماهير التي تتقن تذوق الفن الحقيقي ويملك أذن موسيقية بالفطرة، فـ ما لذلك الفنان صاحب الشماعة الفاترة إلا ان يبحث عن عمل "تافه"، ولذلك تراه يبحث عن أغاني "الإيفيهات الفاقدة لـ المعنى والغير مبررة"، وتجد أن الأغنية عبارة عن حشو ايفيهات لا تليق بعمل غنائي ولا تليق بالفن المصري ليتحول العمل إلى "مسخة" العام، ويهبط درجة تحت مستوى المهرجانات، فـ يرتفع عليها ترند المهرجانات، ويدفع الفنان ضريبة تقليد ومنافسة ماهو أقل منه، في حين أن مؤدوا المهرجانات عندما يلجأون لـ تقليده يرتفعون، فـ لكل مقام مقال.. وانت عزيزي الفنان مكانك "الصالون" لماذا تشتهي المنافسة على "المصطبة".



ما أريد قوله أن المُبدعون كثيرون ولكن التحديات أكثر وأكبر وتحتاج لـ نفس طويل وقوة وذكاء ونظرة عميقة لها وقراءتها بشكل جيد، ما نعيشه الآن أشبه بحرب فردية شرسة يجد فيها المُبدع صعوبة في الظهور واللمعان، حرب قاسية تقوم بـ فلترة المبدعون بلا رحمة ولا تبقي على صاحب الإرادة الضعيفة والنفس القصير حتى وان كان أشطر مبدعيها، ولذلك نجد انتاج المبدعون قليل وتواجدهم أقل، ما نعيشه الآن لا يخص الغناء فقط ولكنه يخص دولة كاملة.



وأخيرًا أنا لا انسى أن أغنية "أهد الدنيا" لـ رامي صبري حقت نجاحًا كبيرًا وكانت "ترند" وعند صدورها كنت لا أقوى على الاستماع لـ سواها تقريبًا، فـ ما كان لي سوى أن أُفعّل خاصية إعادتها كلما انتهت، مثل الكثير من الأعمال الغنائية الرائعة، ولكننا نحتاج لتواجدكم بمثل هذه الأعمال بشكل أكبر وأكثر تنوع، وباختيارات جميعها صائبة.