لم يكن الرفق في موقف إلا زانه ، ولم يكن التسامح بين الناس إلا ازدادوا مودة ورحمة ومحبة، فهنيئا لكم أيها المتسامحون، كل النظريات والاعراف حذرت من الغضب وسرعة الانفعالات السلبية والجهل على الغير، كما حرمت الخصام والقطيعة والعداوة، فدعت للأخلاق الحسنة والتحلي بالصبر والتسامح والتراحم والحكمة والصبر
والتعقل في كل المواقف في العلاقات البشرية، لكن من دواعي الأسف أصبحت علاقات الناس على المحك، فساعة واحدة في الشارع تكفي كي تكتشف هذا الفوران الكامن في نفوس أفراد المجتمع الواحد، خصوصا في هذا الزحام الذي يزداد يوما بعد يوم يخلق مشاهد من العراك والصدام وتبادل الشتائم وقد يصل الأمر إلى حد التشابك بالأيدي !
وأتساءل: لماذا وصلت أخلاقنا إلى هذا المستوى المتدني من ضبط النفس والتسامح ؟! فلا أحد يصبر ولا أحد يتحمل والسبب بسيط يستطيع الطرفان استيعابه واحتواء الموقف ليذهب كل منهما في طريقه ليتحرك الطريق وتمر المواقف على خير ؟! ..
سألت البعض عن هذه الظاهرة التي تزيد الناس بغضا وكراهية وعداء .. يقول أحدهم : إن ظروف الحياة وصعوبتها بسبب غلاء المعيشة وتدني مستوى الدخل مما أثقل كاهل رب الأسرة جعلته يكاد لا يطيق من حوله حتى نفسه ، ومنهم من ذكر ان نفوس الناس تغيرت وازدادت النفوس حقدا وبغضا وحسدا وطمعا .. وبعضهم أعاد
سبب هذه الظاهرة إلى الأعمال الفنية التي دخلت البيوت من اوسع ابوابها ثم كرست للسلوكيات المشينة والألفاظ البذيئة مما أدى إلى انتشار العنف والتشجيع على اخذ الحق بالذراع وليس بالقانون ! وربما يقول قائل "وقد يكون معه الحق " أن هذا الأسلوب وردود الأفعال بكل عصبية وغضب نتيجة مشاكل داخلالأسرة فلقد أصبحت العلاقات الأسرية بين الزوج والزوجة وبين الأب والاولاد شعارها الصوت العالي مع سيل من الشتائم المتبادلة إلى حد التطاول بالأيدي وما نسمع ونقرأ عن كم الدعاوى المرفوعة في المحاكم بين الأزواج لهو خير دليل على تنامي ظاهرة العنف بشكل يهدد سلامة المجتمع واستقراره الاجتماعي والنفسي ..
ومن دواعي العجب أن يُتهم المتسامح في أغلب مواقفه بالضعف وربما بالجبن والتخاذل من قبل الذين يؤيدون مبدأ العين بالعينين والكلمة بألف كلمة ومبدأ "إن لم تكن ذئبًا أكلتك الذئابُ "! بينما لو تأملنا في قول القرآن: { وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ۚ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} (٣٤ فصلت) لماذا لا نعيد تقويم النفس ودعم وتجديد وسائل التحكم بأهوائنا وسد ذرائع الشر والغضب فيها، كي نعيش في سلام نفسي مع الآخر ينعكس على سلامة المجتمع كله.