الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

نورهان البطريق تكتب :مرحلة المنتصف‎

صدى البلد



اكره تلك المنطقة التي يُطلِق عليها البعض "منطقة المنتصف"، ولا أرغب بالاعتراف بوجودها أصلًا، فالمشاعر لا يمكنها أن تنتمي لها، فهي إما أن تميل كل الميل إلى القرب والوصال، وإما أن تبتعد وتهجر كليًا، فأنا أرفض تمامًا تلك المرحلة التي توقظ الحنين وتشعل الاشتياق، فإما أن أبقى أو أرحل، المهم ألا أقف في هذا المنتصف الذي يحاول بعد كل خسارة أن يجرّني إلى هاويته ليعيق عبوري إلى جسر النسيان، وكأنه يحرص على أن تترسب بداخلي بقايا من كل قصة لم يُقدَّر لها الاكتمال وخَتمَ عليها القدر بختم الانسحاب، فتظل ترافقني تلك البقايا التي تشبه الشرارات التي تخلّف وراءها نيران الذكريات التي تنهش في العقل، وكذلك تظل تهدم جدران القلب إلى أن يتلاشى.

أخاف من تلك المنطقة الملعونة، لأن لديها القدرة على أن تجعلني أعيش كافة المشاعر ونقيضها، يمكنها أن تجذبني تارة للانسياق وراء مشاعري بكل جوارحي إلى أن يقفز قلبي فرحًا حين يغمره الحب، فسرعان ما تصفعني سريعًا لأستفيق من غفوتي امتثالًا لكبريائي وعنفواني، فما إن أمضي في دروب النسيان احترامًا لكرامتي، إلا ووجدتها تلقي في طريقي نوبات الاشتياق لتعترض سيري من جديد، وإذ بي أتوقف رغمًا عني ولا يمكني الحراك. أحاول جاهدة أن أستجمع شجاعتي وألملم شتات نفسي، فإذا بالحنين يأتي ليثبط من عزيمتي أكثر، ويدفعني إلى السير ولكن هذه المرة للخلف من حيث بدأت، فأعود إلى تلك الدوامة من جديد، وأبقى في هذه الكرة إلى ما لا نهاية... حقًا، منطقة ملعونة كفيلة أن تقود صاحبها إلى حد الجنون أو أن تدفعه للسقوط في هوّة الضياع وفقدان الصواب، لذا أدعو الله كثيرًا ألا يأتي ذلك اليوم الذي يجعلني أنضم إليها رغمًا عني، وأن أملك من القوة ما يجعلني أفنّد كافة علاقاتي، إما أقصى اليمين فأبقى، أو أقصى الشمال فأغادر، وألا يجعل من بين حلولي، ذات مرة، اللون الرمادي، فأنا كفيلة أن أتحمّل تبعات الأبيض والأسود، المهم ألا ألجأ لهذا اللون البغيض، وألا أرضى بتلك المرحلة العقيمة التي تسمى "المنتصف"