الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

د.رهام عبد الله تكتب: حقوق الأطفال في منظور الأديان

صدى البلد

ليس ثمة تعارض بين تعاليم الأديان وحقوق الإنسان لا سيما حقوق الطفل والذي هو - كما ورد في اتفاقية الأمم المتحدة - في حاجة إلى رعاية خاصة بسبب عدم نضجه البدني والعقلي، وانطلاقًا من المبادئ الحقوقية التي تكفلها جميع الأديان قامت منظمة أريغاتو الدولية، بالتعاون الوثيق مع اليونيسيف والممثل الخاص السابق للأمين العام للأمم المتحدة المعني بالعنف ضد الأطفال، والشبكة العالمية للأديان من أجل الأطفال (GNRC) وبدعم من شركاء آخرين بإطلاق أول دراسة عالمية حول علاقة الأديان بحقوق الطفل مع التركيز بشكل خاص على دور الزعماء الدينيين والجمعيات الدينية في تعزيز حقوق الطفل ومنع العنف ضدهم.

تتناول الدراسة في هذا الشأن موقف سبعة أديان وهي الإسلام والمسيحية واليهودية والهندوسية والبوذية والسيخية والبهائية فيما يتعلق بحقوق الأطفال ومدى توافق تعاليم هذه الأديان السبعة مع الحقوق الواردة في اتفاقية الأمم المتحدة ، وهذا انطلاقًا من الأهمية الكبرى التي تمثلها الأديان والثقافات في تشكيل وعي الفرد منذ الصغر. تسلّط الدراسة متعددة الأديان الضوء على الدور المهم الذي لعبته المجتمعات المتنوعة دينيًا في إعداد اتفاقية حقوق الطفل واعتمادها والتصديق عليها وتنفيذها على مدى العقود الثلاثة الماضية (منذ 1989). هذا الإضافة إلى الممارسات الجيدة التي تم تنفيذها بهدف تعزيز حقوق الطفل والمساهمة في حمايته من قبل كافة المستغلين مثل الجماعات الدينية المتطرفة كمجرد أداة أو وسيلة لتنفيذ مهمتهم. تتضمن الدراسة كذلك أفكارًا جديدةً للتعاون الفعال بين المجتمعات المتنوعة، فضلًا عن حزمة من التوصيات لاتخاذ المزيد من الإجراءات من قبل أصحاب المصلحة بهدف تعزيز الحوار بين الأديان كوسيلة في غاية الأهمية لحماية وتعزيز حقوق الطفل.

تتمتع المؤسسات الدينية والقادة الدينيين بمكانة عالية وخصوصية فريدة وتأثير قوي على كافة المستويات وقدرة على إحداث تغيير في الأنماط الأخلاقية والروحية، وفيما يتعلق بحقوق الطفل فمن الممكن - بل ومن اللازم - الاستفادة من قدرتهم على تشكيل الوعي لدى الأطفال وتصحيحه ومراجعته لدى الكبار، باعتبارهم قدوة للرحمة والتضامن والعدالة، وعامل مهم في سد الخلافات، وتعزيز الحوار، والتأثير على التغيير الاجتماعي والسلوكي الإيجابي، فإن التأثير بعيد المدى للزعماء الدينيين والمنظمات الدينية أمر مهم بشكل خاص، لأن الهدف الذي نسعى إليه هو معالجة المعايير الاجتماعية والثقافية الحساسة التي تحرم الأطفال من حقوقهم، خاصةً بعد حدوث ممارسات واتخاذ إجراءات ضارة في المجتمعات الدينية قد تعطي انطباعًا أن ثمة تعارض بين القيم الأساسية للأديان الكبرى في العالم وحقوق الطفل، علمًا بأنه توجد تعاليم دينية تبرر أي شكل من أشكال العنف ضد الأطفال.

وقد شارك كل من فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر الشريف ا.د. أحمد الطيب وقداسة البابا فرانسيس بابا الفاتيكان في منتصف شهر نوفمبر في قمة الأديان حول "تعزيز كرامة الطفل.. من الفكرة إلى التطبيق"، وذلك بمناسبة الذكرى الثلاثين لاتفاقية حقوق الطفل CRC والتي وقعت عليها الدول الأعضاء في الأمم المتحدة عام 1989 والتي نصت "أن الطفل، بسبب عدم نضجه البدني والعقلي، يحتاج إلى إجراءات وقائية ورعاية خاصة، بما في ذلك حماية قانونية مناسبة، قبل الولادة وبعدها مع الاهتمام الخاص بالحضانة والتبني وحماية المرأة والأطفال في أوقات الطوارئ والنزاعات المسلحة في جميع البلدان، آخذة في الاعتبار أهمية تقاليد الشعوب المختلفة، وقيمه الثقافية لحماية الطفل ونشأته نشأةً مستقيمة".

ولقد اشتركت مجموعة من الخبراء وعلماء الدين وممثلون لجهات دينية رسمية في صياغة هذه الدراسة ومراجعتها لتقدم رؤية شاملة ومكتملة لكل دين في شأن حقوق الطفل. وقد شارك ممثلون من الأزهر الشريف منذ بداية إعداد المشروع في تقديم وجهة نظر الإسلام في هذا الإطار، فضلًا عن التأكيد باهتمام الإسلام بالأطفال منذ كونهم أجنّة في بطون أمهاتهم وحتى بلوغهم مبلغ الرّجال والنّساء، وأنه لا خلاف بين علماء الإسلام في تحريم الممارسات التي ترتكب بحق الأطفال تحريمًا قاطعًا! بل إن الإسلام حثّ على التعليم وأكد على المساواة وكفل للطفل حق الرعاية ونَبَذ التمييز وحرص على نشر القيم الإيجابية. 

هذا وتؤكد الدراسة أن حقوق الطفل التي جاءت مفصلة بعض الشيء في اتفاقية الأمم المتحدة لا تتعارض مع الأديان وتعاليمها، فالفرق قد يكون في الصياغة أو اختيار الكلمات أو ترتيبها أو تفصيلها أو عرضها، ولكنها تتفق مع روح الأديان في حرصها على العلو من شأن الإنسان وقيمته وتفعيل دوره في إعمار الأرض والحفاظ على حقوقه منذ أن كان طفلًا. تخلق هذه الدراسة فرصة فريدة وجذابة لتطبيق التعاليم الدينية وتعزيز التعاون بين الأديان لإحياء ونشر اتفاقية حقوق الطفل بل وتعميم وتطبيق بنودها، إسهامًا في تغيير إيجابي بشأن الأطفال، في كل مكان وفي جميع الأوقات.

تم إطلاق الدراسة في الأمم المتحدة في 19 نوفمبر بحلقة نقاش ضمت قادة دينيين رفيعي المستوى ونائب المفوض السامي لحقوق الإنسان ورئيس اليونيسيف في أوروبا ولجنة حقوق الطفل وممثلين عن المنظمات الشريكة. وفي النهاية قام مجموعة من الأطفال بتسليم الدراسة رسميًا إلى الزعماء الدينيين وتقديم توصيات لتطبيقها في مجتمعاتهم حاملين معهم رسالة قيّمة بأنهم أمانة في أيدي الكبار... كبار المؤسسات وكبار المسؤولين وكبار الفكر والعلم والأدب، وعلى أصحاب الرسالات الدينية والدنيوية الحفاظ على ما حُمّلوا.