الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

خالد الشناوي يكتب: عشقت الحسين

صدى البلد

في قاهرة المعز لدين الله الفاطمي وفي حي المشهد الحسيني وقفت بين الجموع المتلاحمة من البشر في مشهد درامي يستدعي من ذاكرة التاريخ بطل هذا المشهد الذي ولج ميدان الأبطال والثوار الحقيقيين غير دالف إلى الوراء بعظمة هاشمية وصولة حسينية .

وجدتني رغم الاصوات الصاخبة حول ضريح السبط الشهيد والصريخ والعويل الذي لا يليق بهذا الموقف المهيب في حضرة ابن رسول اللَّه وفلذة كبده:(إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى).

رأيتني رافضا هذا الصخب بصمت كبير وهدوء قطعني عمن حولي محتصنا عمود المقصورة ورائحة المسك تفوح من حولي وكأني أحضن بكلتا يدى جسد الإمام وكأني في رحلة النور هناك وحدي لا أكاد أن أرى من حولي جاثيا على ركبتي مفترشا قدمي تارة وواقفا تارة أخرى.

وقفت حيث عبق التاريخ وروحانية صاحب الذكرى عليه وعلى جده وآل البيت الكرام الصلاة والسلام.

ستظل بطولة الإمام محط رحال الثائرين بحق نحو الحرية والمتعطشين لفجر العزة والكرامة، لا المتاجرين بالدين بشعارات زائفة قصد بها الباطل وإن كانت في عنوانها تسترت بستار الحق زيفا وبهتانا من جماعات متأسلمة تآمرت على أوطنها من أجل تقسيمها إلى دويلات متناحرة.

وشتان بين أهواء هؤلاء الرعاع وبين الإمام الحسين في ثورته من أجل الحق والفضيلة.. فمحاولة الربط بين كلا الجانبين هو من الظلم البين ومحاولة الخلط والتدليس. 

سجل الزمان البطولة الحسينية بمداد من الذهب على صفحات ناصعة البياض من الفضة .

إن مأساة الحسين المروّعة - على الرغم من تقادم عهدها - تثير العطف وتهز النفس من أضعف الناس إحساسًا وأقساهم قلبًا.

إن مذبحة كربلاء قد هزت العالم الإسلامي هزًا عنيفًا، ساعد على تقويض دعائم الدولة الأموية إلى الأبد.

جاءت نهضة الإمام الحسين عليه السلام نهضة صادقة، فيها استشعر المسلم روح الإيمان الصادق، وعزّة النفوس وكرامة الأهل، وهو جانب مهم من أسباب قيام ثورته..

أمّا الواقع حينها، فقد تمثّل في العيش تحت الضيم والظلم، وتقويض الهوية الإسلامية، واستبدالها بهويات كانت تتصارع من أجل الوصول إلى السلطة، وهذا من أكبر الأسباب وأشدّها تأثيرًا على الهوية الإسلامية، وهي الهوية القبلية التي حاربها الإسلام، وحاول إذابتها.

فما كان من قريش إلّا الانتفاض على الهوية الإسلامية تعنتًا وظلمًا، فقد بقيت تلك الهوية تصارع بصمت مقنَّعة تحت تسميات عدّة، تتربص الفرص للظهور مرّة أُخرى، وكأنّها كانت تستولد تسمية ملائمة، وظرف أكثر ملاءمة لتنمو من جديد.

لكن ثورة الإمام كانت حدًّا فاصلًا منعت نمو الفساد في الهوية الإسلامية الأصلية، فشرّعت الموت من أجل الحياة، وهو مفهوم استوعبته العامّة والخاصّة حينها؛ لأنّ الحدث كان يتطلب مخرجًا من مزلق الظلم الذي ساق الناس كالأنعام، وتسلّط على رقابهم وضمائرهم.

إنها ثورة هيمنت على الوجدان المسلم، فصنعت كل التحولات التي شهدتها القرون اللاحقة، فهي نهضة حية لا تموت من خلال القيم التي كانت تنطلق من داخل الميدان وترسم للامة نهجا في التحرر وعدم القبول بالذل، فكل كلمة نطق بها أبو الشهداء، عبرت عن منتهى ما يطلبه الاحرار.

إن الحديث عن الامام الحسين ليس مجرد سرد تاريخي لقضية احتلت مرتبة الصدارة في صحف التاريخ البيضاء، بل هو حديث عن اروع الامثلة المقدمة للبشرية في الدفاع عن حقوق الانسان وكرامته.

فقد جسد الامام الحسين بن علي في نهضته الاصلاحية للامة قبل اربعة عشر قرنا معالم حقوق الانسان قبل ان تفسر من قبل منظمات حقوق الانسان بأنها منظومة مكونة من خمسة قيم هي: العدل - والاخلاق - والحريات - والحقوق - والواجبات.

لقد حذر الامام الحسين من انتهاك حرية الانسان وحقوقه لما سوف يجر اليه ذلك الانتهاك من مآس على الانسان وعلى المجتمع على حد سواء اذ ليس الفرد فيه الا لبنة في بناء مجتمعه.

ومن هنا نستنتج ان من اهداف النهضة الحسينية صناعة الانسان الرسالي الذي يحترم القيم والحقوق والحياة التي جعلها الله لكل الناس ولكل البشر.