الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

حصاد 2019.. غضب نادر يوحد أبناء العراق.. الشارع يختطف زمام المبادرة لأول مرة منذ الغزو الأمريكي.. رفض قاطع للنفوذ الإيراني.. والاحتجاجات تصمد أمام عنف السلطة

احتجاجات العراق
احتجاجات العراق

  • 489 قتيلا وأكثر من 27 ألف مصاب آخر حصيلة معلنة لضحايا الاحتجاجات
  • الشارع العراقي يطيح بعبد المهدي وعجز برلماني عن التوافق على تسمية مرشح لخلافته
  • تسرب وثائق من أرشيف المخابرات الإيرانية تكشف الحجم الهائل للنفوذ الإيراني منذ سقوط نظام صدام حسين
  • المتظاهرون يحرقون مقار دبلوماسية إيرانية وصور خامنئي وسليماني
  • البرلمان العراقي يمرر قانون الانتخابات الجديد وسط اعتراضات كردية

لعله العام الأهم في العراق منذ الغزو الأمريكي والإطاحة بنظام صدام حسين عام 2003، فبعد 16 عامًا من الأزمات المتلاحقة طفح كيل أبناء بلاد الرافدين وأورثهم شجاعة دفعت بملايين منهم إلى الشوارع ونقلت مركز المبادرة والفعل والقرار إلى الشارع لأول مرة منذ الغزو.

الغضب من كل شيء، من تردي الاقتصاد وأحوال الخدمات وفساد المسئولين والسياسيين وهيمنة الطائفية والنفوذ الإيراني، كل هذا الغضب صهر الحواجز الطائفية التي لطالما فرقت أبناء الشعب الواحد، وأقحم لحظة نادرة من الوحدة على زمن العراق الصعب، وخلق إجماعًا فريدًا على مطلب واحد: يجب أن يتغير كل شيء.

مطلع أكتوبر الماضي، بدأت شرارة الاحتجاجات في العاصمة بغداد ومدن الجنوب على تردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية وسوء أحوال الخدمات وتفشي البطالة والفساد، وسرعان ما امتد لهيب الاحتجاجات إلى مدن وبلدات وقرى وسط وجنوب العراق، بالتزامن مع تصاعد المطالب وانتقالها من التركيز على قضايا الخدمات والأحوال المعيشية إلى التركيز على صلب الحياة السياسية وأمور الحكم.

واجهت السلطات العراقية الاحتجاجات بمزيج من مبادرات التهدئة المرتبكة والعنف الذي زاد عن حده في بعض الأحيان، فاستخدمت في بغداد والبصرة والنجف وكربلاء وغيرها من مدن العراق مختلف أدوات العنف من مدافع المياه وقنابل الغاز وصولًا إلى الرصاص الحي، في محاولة لإجبار المحتجين على إخلاء الشوارع، فقط لتُفاجأ بأن العنف المتصاعد يملأ الشوارع بمزيد من المحتجين.

وفي 2 أكتوبر، اليوم التالي لاندلاع الاحتجاجات مباشرة، شرعت الحكومة العراقية في فرض حظر التجوال في العاصمة بغداد، وأغلقت الطرق المؤدية إلى ساحة التحرير، وكذلك تم حظر مواقع التواصل الإجتماعي وقطع خدمة الإنترنت في جميع أنحاء البلاد باستثناء إقليم كردستان.

بالتوازي مع ذلك، خرج رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي أكثر من مرة ليعد بتنفيذ حزم إصلاحات اقتصادية وإدارية وتشريعية، وبان مدى فعالية ضغط الشارع في قرارات حكومية مثل تشكيل لجنة لأجل التحقيق في مقتل المتظاهرين، وإعفاء عدد من قادة وضباط الشرطة المتورطين في استخدام عنف مفرط ضد المتظاهرين.

وفي 29 نوفمبر، استسلم عبد المهدي للشارع وأعلن استقالته، بعد أن سحبت قوى سياسية دعمها له، ووافق مجلس النواب العراقي على الاستقالة وأعلنت كتلة سائرون وهي الأكبر، تنازلها عن حقها في ترشيح خليفة لرئيس الوزراء المستقيل وتركت الاختيار للشارع، فيما أكد المتظاهرون أن ذلك ليس كافيا.

وبحسب إذاعة "دويتشه فيله"، فمع تواصل الاحتجاجات زادت حدة العنف وسقط مئات الضحايا، كما حدث في محافظة ذي قار، حيث سقط في 29 نوفمبر فقط، نحو 32 قتيلا وأكثر من 250 جريحا. وقد أعرب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش عن قلقه العميق من استمرار استخدام الرصاص الحي ضد المتظاهرين.

وبالأمس فقط، أعلنت المفوضية العليا لحقوق الإنسان في العراق أن حصيلة ضحايا الاحتجاجات بلغت 489 قتيلًا وأكثر من 27 ألف مصاب و2807 معتقلين، تم إطلاق سراح غالبيتهم ولم يتبق سوى 107 متظاهرين رهن الاعتقال، فيما بلغ عدد المختطفين من الناشطين المدنيين في ساحات التظاهر 77 ناشطا تم إطلاق سراح 12 منهم فيما قتل 33 ناشطا مدنيا.

وبدأ المتظاهرون باستخدام تكتيك جديد في مواجهة حملات التضييق والقمع التي تشنها السلطات، حيث بدأوا بقطع الطرق ومنع الوصول إلى المدارس والدوائر الرسمية والدخول في إضراب طوعي، وبالتالي توقف العمل في غالبية مدن جنوب العراق من البصرة وصولًا إلى الكوت والنجف والديوانية والحلة والناصرية.

وشاركت ميليشيات موالية لإيران في قمع الاحتجاجات، التي وجهت جزءًا كبيرًا من غضبها إلى النفوذ الإيراني الذي سمم الحياة السياسية في العراق منذ الإطاحة بنظام صدام حسين، وكما يجابه النظام الإيراني الاحتجاجات الداخلية بالعنف وحده، وجّه ميليشياته العراقية إلى استخدام أقصى قدر ممكن من العنف لإنهاء الاحتجاجات التي تهدد بانفلات العراق من فلكه الإقليمي.

وفي خضم الاحتجاجات، نشرت صحيفة "نيوريورك تايمز" وموقع "ذي انترسبت" الأمريكيين يوم 20 نوفمبر، وثائق مسربة من أرشيف الاستخبارات الإيرانية كتبت بين 2014 و2015، كشفت حجم التدخل الإيراني السافر في العراق، وحسب هذه التسريبات فإن البلاد سقطت تماما في قبضة النظام الإيراني بعد عام 2003 والانسحاب الأمريكي من العراق وليصبح معظم المسئولين مجرد متلقين للأوامر من إيران.

ومع تصاعد المظاهرات المطالبة بوقف التدخل الإيراني، هاجم محتجون مبنى القنصلية الإيرانية في كربلاء في 27 نوفمبر مما أسفر عن مقتل ثلاثة أشخاص وإصابة 12 آخرين. وتكرر ذلك مع القنصلية في النجف بعدما أضرم متظاهرون النار في المبنى.

وكشفت الاحتجاجات حجم دور وتدخل إيران في العراق، حيث يطالبها المحتجون بالكف عن تدخلها. فيما وصف المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي الاحتجاجات بـ"المؤامرة"، التي تهدف للتفريق بين العراق وإيران. وكانت وسائل إعلام إيرانية قد وجهت أصابع الاتهام إلى الولايات المتحدة الأمريكية وأطراف أخرى في تأجيج الأحداث بالعراق.

وبحسب صحيفة "الشرق الأوسط" السعودية، عمد المتظاهرون إلى حرق الكثير من صور المرشد الإيراني علي خامنئي وقائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري قاسم سليماني، وردد المتظاهرون في غالبية الساحات أهازيج وشعارات منددة بإيران. كذلك قام متظاهرون في النجف مطلع نوفمبر الماضي، بتغيير اسم «شارع الإمام الخميني» وسط المدينة إلى «شارع شهداء ثورة تشرين».

ومرر البرلمان العراقي، الثلاثاء الماضي، قانون الانتخابات الجديد، الذي حوى مادتين خلافيتين حول الترشح للانتخابات بقائمة واحدة أو عدة قوائم أو الترشح الفردي، وتقسيم العراق إلى دوائر متعددة وليس دائرة انتخابية واحدة.

وإلى الآن لم تتوافق الكتل النيابية في البرلمان العراقي على تسمية مرشح واحد لمنصب رئيس الحكومة، على أن الأخطر هو أن من يُفترض بهم تمثيل الشعب العراقي لم يتفقوا على صيغة واضحة لعبور المأزق الأكبر الذي يواجه العراق منذ الغزو الأمريكي، وسط غموض يخيم على مستقبل البلاد المتأرجح بين نخبة سياسية وإدارية ينخرها الفساد ونفوذ إيراني يسمم حياة العراقيين وشعب يجتمع لأول مرة على رفض كل هذا البلاء.