الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

نورهان البطريق تكتب: كل يفسر على هواه‎

صدى البلد

نحن لا نأخذ موقفًا نتيجة لما صدر منكم من أفعال، إنما وفقًا للشعور الذي انتابنا حينها، ذلك الشعور الذي يعقبه انسحاب في الحال، فكل منا يرى الموقف الأخير من منظوره الخاص، فهناك طرف يرى أنها مجرد كلمات انطلقت في ساعة غضب، أما الطرف الأخر فيراها رصاصات اخترقت صدره، هناك من يظن أنه موقف عابر سينسى بمرور الأيام، أما الآخر فكلما مرت السنون وتحسس تلك الندبة - ظنًا منه أنها تماثلت للشفاء - عادت ونزفت مجددًا، وكأن تلك الجراح الدامية وقعت اليوم وليس بالأمس. هناك من يمضي في طريقه مكونًا صداقات جديدة دون أن يعبأ بأحداث الماضي، وهناك من تنتظره ذكرياته التى تبقى ساكنة أسفل وسادته طيلة النهار، ثم سرعان ما يتحول ذلك البركان الخامل إلى ثورة حينما يسدل الليل ستائره، هناك من يرتاد الأماكن ذاتها دون أن يرمش له جفن، وينظر إليها على أنها مجرد جمادات، وهناك من يهجرها إلى الأبد، فما إن لمحها صدفة، وضع يده على قلبه محاولًا أن يهدئ من انتفاضته، هناك من يملك القدرة على أن يقابلك وينظر إليك دون أي اكتراث، وكأن خلافًا لم يقع ذات يوم، وهناك من يتحاشى النظر إليهم، فما إن وجدهم أمام ناظريه، داهمته تلك الغصة العالقة في روحه.

لذا لا تنظر إلى كل من يحمل دعوة للتصالح على أنه شخص متسامح، ولا تصدر حكمك على من يرفض تلك الدعوة على أنه شخص قاسٍ، فأحيانًا عدم عودته إلى تلك العلاقات المرهقة لا يعني بها الهجر أو القطيعة، ولكن قد يكون السبيل الوحيد لحماية نفسه من استنزاف طاقته أكثر، والملجأ الوحيد الذي يلوذ به، لأنه لم يعد لديه المقدرة على تحمل ضربات أكثر، ولم يعد هناك متسع لتلقي طعنات أخرى، ولم يعد هناك طاقة لاحتمال كل هذا العبث، فلا أظن أن من يشعر بكل هذا الكم من التعب سيلتفت لتعقيبك على مغادرته، بقدر ما سيهمه ترميم ما تبقى من نفسه المحطمة...فارق كبير بين من يرمق الموقف من الخارج بنظرة خاطفة، وبين من خاض التجربة حتى آخرها، ونالت تفاصيلها من مشاعره الكثير، حتى بلغت من نفسه مبلغًا عظيمًا، وتركت له أثرًا لايمكن أن يتجاوزه أو يتخطاه أو أن ينزله في منزلة النسيان.