الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

محمد فارس يكتب .. ‏صراع الطاقة والنفوذ.. ورسائل بدم "سليماني"

صدى البلد

بداية عنيفة تشهدها منطقة الشرق الأوسط في مطلع العام الجديد، بعدما صدق البرلمان التركي في الثاني من يناير، على مذكرة تفويض قدمها الرئيس رجب طيب أردوغان، للسماح له بارسال قوات عسكرية تركية إلى ليبيا، بموجب إتفاقية التعاون العسكري الموقعة في نوفمبر الماضي بين أنقرة وحكومة الوفاق الليبية برئاسة فايز السراج، والتي بموجبها يحق له إرسال قوات عسكرية إلى ليبيا، وهو ما يعد إعتداء صريح ومباشر على سيادة هذا البلد كمخطط لنهب ثرواته في إطار الإتفاق الثاني، والذي يحدد مناطق النفوذ البحري الاقتصادي للبلدين في شرق المتوسط، وذلك بما يخالف مبادئ القوانين الدولية.

‏ونظرا لخطورة الأمر وما يمثله من أضرار علي ليبيا، إجتمع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بمجلس الأمن القومي، مساء الخميس، لمناقشة التطورات الراهنة المتصلة بالأزمة الليبية والتهديدات الناشئة عن التدخل العسكري الخارجي في ليبيا.

‏وبعد ساعات من قرار البرلمان التركي، قامت القوات الأمريكية فجر الثالث من يناير، بهجوم أمر به الرئيس ترامب، بإغتيال الجنرال قاسم سليماني قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، حيث أدت الضربة التي وقعت في مطار بغداد الدولي صباح الجمعة، أيضا إلى مقتل أبو مهدي المهندس نائب قائد الحشد الشعبي في العراق.

‏وتسارع أنقرة الخطى خلال الفترة الماضية والحالية من أجل إرسال قوات عسكرية إلى ليبيا لدعم حكومة الوفاق التي فقدت شرعيتها – في مواجهة قوات الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر، وهو ما جعل الأسرة الدولية تطالب بالحوار من أجل التوصل لحل سياسي تجنبا للإنزلاق في مستنقع الحرب جراء الإتفاق المثير للجدل بين أنقرة وحكومة الوفاق لزيادة التعاون الأمني وترسيم الحدود البحرية بينهما على الرغم من عدم وجود روابط شاطئية بينهما.

‏واستطاعت مصر من خلال اتصالات مكثفة عقب بيان وزارة الخارجية الذي أدان القرار التركي بأشد العبارات، أن تحصل على تأييد أممي حول رفض التصعيد التركي في ليبيا بعدما أجرى الوزير سامح شكرى إتصالات مع سكرتير عام الأمم المتحدة ومستشار الأمن القومي الألماني والممثل الأعلى للسياسة الخارجية للإتحاد الأوروبي، في المقابل يوجد تكهنات باستعداد مصر عسكريا للتصدى للغطرسة التركية.

‏وجائت الضربة الأمريكية على إثر قيام محتجون موالون لإيران الأسبوع الماضي بحصار السفارة الأمريكية في بغداد، كرد على الضربات الجوية الأمريكية على فصيل من الحشد الشعبي، حيث نفذت ا لولايات المتحدة تلك الغارات بعد أن أدى هجوم صاروخي قبل ذلك بأيام إلى مقتل متعاقد أمريكي في قاعدة عسكرية شمال بغداد.

‏ووجهت تركيا بوصلتها غربا باتجاه ليبيا بعد أن كانت مسلطة شرقا في إتجاه سوريا، وذلك في إطار مساعيها لتحقيق 4 في ليبيا، أولها: الطاقة، فأنقرة تستهلك كميات كبيرة من الطاقة سنويا، ولا يوجد لديها موارد كافية مما يجعلها تستورد ما قيمته 50 مليار دولار في العام الواحد، ورغم عمليات التنقيب التي تقوم بها أنقرة، إلا أن المناطق البحرية التابعة لها لا يوجد بها آبار غاز أو نفط، وهو الأمر الذي دفعها خلال العام المنصرم إلى إرسال سفن للتنقيب عن الغاز قبالة سواحل قبرص التي اعتبرت هذه الخطوة استفزازا لها وتحركا غير قانوني.

‏ثانيا: تعد منطقة شرق المتوسط مطمعا كبيرا لما تحتويه من مخزون هائل للغاز الطبيعي والذي يقدر بأكثر من 100 تريليون متر مكعب، ويتمثل الهدف الثالث لأنقرة من خلال تعاونها مع حكومة السراج الليبية في أن تكون قريبة من مصر عن طريق التواجد على حدودها الغربية، حيث تعد ليبيا ساحة مواجهة غير مباشرة بين القاهرة التي تدعم المشير خليفة حفتر قائد الجيش الوطني الليبي، وأنقرة التي تساند عسكريا فايز السراج رئيس حكومة الوفاق الوطني، وذلك استكمالا للتوتر الشديد بين البلدين بسبب دعم تركيا للإرهاب واحتضانه وتقديم كافة أنواع الدعم له.

‏أما الهدف الرابع فهو تعزيز الدور التركي في ليبيا والذي يأتي ضمن إطار مساعي الرئيس رجب طيب أردوغان في إحياء بسط نفوذ واسع له على منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، خاصة بعدما استعادت مصر مكانتها وتسعى منذ 2014 على بناء دولتها الحديثة وتعظيم الإستفادة من ثرواتها، وهو ما يتعارض مع السيناريو الذي تنفذه تركيا في المنطقة بدعم من تحالف قوى الشر الساعية إلى عرقلة مسيرة القاهرة في تحقيق النهضة التي تعمل عليها في إطار إستراتيجية مصر 2030.

‏ويعد مقتل قاسم سليماني بداية مبكرة للحملة الدعائية للرئيس ترامب في الإنتخابات القادمة للفوز بولاية ثانية، فهذه الضربة ستجعل المؤسسات المالية في الولايات المتحدة تدعم ساكن البيت الأبيض لولاية جديدة جراء ما ستحققه من مكاسب كبيرة خلال الفترة المقبلة بفضل إشتعال منطقة الخليج من حلفاء واشنطن بسبب تصفية "سليماني" الذي كان أكبر قائد ميداني إيراني منذ إنتهاء الحرب العراقية الإيرانية، وأهم شخص بعد المرشد الأعلى، حيث فاقت صلاحياته وإمتد نفوذه في طهران بشكل أكبر من الرئيس روحاني، وهو ما سيفرض على طهران إستكمال صراع بسط النفوذ في محيطها الإقليمي للحفاظ على ما حققته بفعل ممارساتها التي تتعارض مع القانون الدولي خلال الفترة الماضية.

‏وكعادتها في الحفاظ على دول الجوار والذي يأتي ضمن أمنها القومي، تدعم مصر الجيش الوطني الليبي حتى يصل ببلاده إلى الإستقرار المنشود وهو ما ينعكس بشكل إيجابي على المنطقة التي دخلت بعض بلدانها في دوامة الصراع منذ بداية ما يسمى بأحداث الربيع العربي، وما تسبب فيه من زيادة التوتر بفضل الحلف التركي الإيراني القطري الذي يحاول إعادة واحياء المشروع الإخواني بالمنطقة بعدما سقط في ثورة 30 يونيو، لذلك تبقى سيطرة الجيش الوطني الليبي على العملية السياسية في ليبيا مع القضاء على الممارسات الإرهابية التي تقوم بها المليشيات ومن ورائها، هو الضامن الوحيد لتأمين حدود مصر الغربية من تسلل العناصر الإرهابية المدعومة من تركيا والتنظيم الدولي للإخوان.

‏ويصطدم المخطط التركي في ليبيا بموقف مصر الرافض لتواجد أنقرة هناك، خاصة بعد التفوق العسكري للقوات المسلحة المصرية خلال الفترة الماضية، وهو ما يعرقل مساعي تركيا الهادفة إلى تفتيت الجيش الوطني الليبي لتسهيل سيطرة الإخوان عليها لخلق قاعدة لهم ضمن المخطط التركي القطري للاستيلاء على ثروات ليبيا من غاز وبترول، وتمكين الإخوان من الحكم والإستحواز على مقدرات الدولة الليبية بسبب الإرتباطات الأيديولوجية والسياسية بين تنظيم الإخوان وحزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا.

‏إن الصراع الدائر في المنطقة بين الولايات المتحدة وإيران والداعمين من حلفاء كلاهما لن ينتهي في القريب، وسوف يستمر لفترة قادمة ليست قليلة، لأن الإقليم بات ممتلئا بكل أسباب الحرب، وهو ما جعل الساحة جاهزة للمعركة إلا أن الظروف غير مهيئة، وبالتالي فالصراع لن يعدو أكثر من كونه محاولات تحرش محسوب يرافقه تراشق إعلامي من خلال البيانات الدبلوماسية، وذلك على غرار ما تشهده الخلافات على وسائل التواصل الاجتماعي، ومع ذلك يظل هناك خاسرا جراء ذلك كما يحدث في البورصات التي تتراجع بسبب التقلبات النظرية وهو ما يتزامن مع قرب الإنتخابات الأمريكية وحرص إيران على عدم الإصطدام المباشر مع واشنطن، لتصل ذروة الأمر إلى أدانة كل طرف للآخر من خلال البيانات الدبلوماسية والرسمية للحكومات.

‏وتحمل تصفية "سليماني" الذي كان بمثابة الحاكم الفعلي للعراق لمقربة 17 عاما، رسالة واضحة وصريحة من الرئيس ترامب لـ"خامنئي" مفادها أن البيت الأبيض قرر وضع حد مع طهران حتى لا تتكرر أحداث السفارة الأمريكية في طهران مرة أخرى وذلك بعدما ظنت إيران أن التاريخ يعيد نفسه، لذا كانت الضربة إنذار لوقف العبث الإيراني في نقل مشاكله خارج حدوده.

‏وفيما يخص الصراع التركي المصري، فالأمر مختلف، فمصر باتت على أهبة الاستعداد لحماية ثرواتها وأمنها القومي سواء في الداخل أو الخارج، وهو ما يعلمه جيدا الجانب التركي ورئيسه الذي بات الوجه القبيح لحلف الناتو، فهو من يقوم بإدارة التنظيمات الإرهابية نيابة عن الدول المكونة لها مقابل دعم خرافته كسلطان واهم للنظم الإسلاموية، لذا سوف يشهد العام الجاري حسم هذا الصراع الاستراتيجي بين كل منهما على الأراضي الليبية التي لن تفرط مصر في عودة الحياة مجددا لها كما كانت في السابق بعد القضاء على كافة العناصر الإرهابية هناك وتطهيرها من هذا الزرع الشيطاني.