EN 
أدي التقدم الهائل في مجال المواصلات إلي وضع الإنسان الحالي أمام مفهوم جديد للزمان والمكان، مما جعله أكثر قدرة علي الإفادة من وقته بعد ما تلاشت المسافات بين الشعوب، ومن ثم استطاع الإنسان أن يتعرف إلي أمر ما، أو يتبادل الرأي في قضية معينة دون أن يهدر وقته.. وعلي الرغم من هذا التقدم الكبير واستخداماته في المجالات السلمية، إلا أنه يستخدم أيضا في مجالات أخري كفيلة بتدمير العالم مثل الصواريخ العابرة للقارات، والصواريخ التي تحمل الرؤوس النووية، وكذلك القاذفات الإستراتيجية النووية.
منذ نهاية عقد الثمانيات وحتي الآن، تطورت تكنولوجيا الاتصالات، واتسعت حركة الإعلام والاتصال، حتي أنها أصبحت علامة من العلامات البارزة المميزة لثورة الديمقراطية الحديثة التي اجتاحت عالمنا المعاصر، والتي كان لها عظيم الأثر في قلب النظم وانهيار الأيديولوجيات، وتداخل الثقافات. فلقد بلغت الاكتشافات التكنولوجية في مجال الإعلام والاتصال درجة مذهلة في تطورها وكفاءة أدائها.
وفي الوقت الذي ساعدت فيه ثورة الاتصال علي التحرر من بعض الأفكار والأيديولوجيات، كانت من أقوي الأسباب التي أدت إلي فرض الهيمنة الغربية في مجال الاتصال، الأمر الذي يعرضنا لمخاطر الغزو الثقافي(الأمريكي - الأوروبي) بتداعياته من تهديد لأصالة فكرنا العربي وذاتيته الثقافية والحضارية.
فلقد أصبحت وسائل الاتصال الآن من اكثر الأساليب الدبلوماسية فعالية، لما لها من قدرة علي النفاذ وإحداث التغيير المطلوب في الأفكار والثقافات بحصيلتها من التراث والقيم والمعتقدات والعادات والأخلاق والسلوك، وما يترتب عليها من آثار تغير من طبيعة الإنسان عامة والإنسان المصري خاصة.
ويمكن بلورة الآثار السلبية لثورة الاتصال علي المجتمعات النامية ومنها مصر باعتبارها مجتمعات متلقية ومستهلكة لما يعرض لها من أفكار وأنباء وثقافات في الهيمنة الإعلامية التي لا تتوقف عند الوسائل السمعية التي تبثها وكالات الأنباء والإذاعات الأجنبية المختلفة، وإنما تمتد هذه الهيمنة إلي وسائل أخري ذات تأثير مباشر وخطير، وهي الوسائل البصرية.. لذلك فإن الدول المتقدمة تجعل من التلفاز القادر علي التقاط برامج البث المباشر المهيمن الوحيد علي صياغة الأفكار وتشكيل الآراء.
تؤدي الهيمنة الإعلامية من خلال أجهزة الاتصال المتقدمة إلي الاختراق الثقافي المباشر، فعن طريق وسائل الاتصال الحديثة، أصبحت تنتشر في كل ربوع العالم البرامج التي تروج لنمط الحياة الغربية في إطار ثقافاتها الرأسمالية - الليبرالية.. الأمر الذي له تأثيره المبالغ علي السلوكيات والقيم الاجتماعية والثقافية في دول العالم الثالث، وخاصة دول العالم الإسلامي ومنها مصر.
