الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

حمادة شعبان يكتب: داعشيات

صدى البلد

تابعت كما تابع غيري مجموعة اللقاءات التي أجراها الإعلامي "نشأت الديهي" مع مجموعة من السيدات اللائي ذهبن إلى "سوريا"، وانضمنن إلى تنظيم داعش الإرهابي، وهن الآن لدى قوات سوريا الديمقراطية في شمال سوريا.

وقد لفت انتباهي العديد من الأمور في هذه اللقاءات، يمكن إجمالها اختصارًا على النحو الآتي: 
أولًا: قال الإعلامي "نشأت الديهي" لإحدى السيدات "طيب هو أنتم رحتوا حاربتوا بشار ولا ....؟ 
فردت عليه السيدة بقولها "وهو فين بشار؟"

وهذه نقطة مهمة جدًا توضح مع غيرها مدى براجماتية وانتهازية تنظيم داعش الإرهابي الذي استخدم في دعايته المسموعة والمقروءة والمرئية تكفير النظام السوري ووصفه بالنصيري الكافر، وادعى في استقطابه للمقاتلين الأجانب على مواقع التواصل الاجتماعي أنه يحارب النظام السوري من أجل إنقاذ الشعبَ منه، في حين أن المتأمل في معاركه على الأرض في سوريا يرى أن التنظيم كان يقدر القوى الموجودة هناك وقوتها القتالية ووزنها العسكري، وكان يحدد معاركه وفقًا لهذه الأشياء. من أجل ذلك كان يقاتل الفصائل الإرهابية الأخرى التي تتبنى نفس منهجه، في حين كانت معاركه مع النظام قليلة للغاية لا تكاد تُذكر، والسبب في ذلك أن قدرته في الاستيلاء على الأراضي من الفصائل الأخرى كانت أسهل بكثير من الاستيلاء على الأراضي التي تحت سيطرة النظام السوري.

كذلك تبرز براجماتية التنظيم في تعامله مع الأضرحة في سوريا والعراق، حيث كان التنظيم يهدم جميع الأضرحة باعتبارها رموزًا شركية، لكنه لم يهدم ضريح "سليمان شاه" جد مؤسس الدولة العثمانية، بالرغم من أنه كان يقع في قرية قريبة جدًا من مدينة "الرقة" السورية التي كان التنظيم يسيطرُ عليها، بل هناك أقوال إن التنظيم تغاضى متعمدًا عن دخول القوات التركية إلى سوريا ونقل الضريح إلى مكانٍ آخر في عام 2015.

كما استخدم التنظيم أيضًا على مدار السنوات السابقة خطابًا إعلاميًا وإفتائيًا يؤكد براجماتيته، ومن أهم فتوى هذا السياق الفتوى التي أصدرها التنظيم لأتباعه بعدم الدفاع عن الملاحقين والمطاردين أمنيًا من أعضاء التنظيم، تقول الفتوى "يجب الحفاظ على النفس وتسليم الأعضاء الذين تم اكتشافهم وعدم محاولة الدفاع عنهم عند محاصرة منازلهم". 

ثانيًا: قالت إحدى السيدات أنها حرقت جواز سفرها في "الباغوز": 
يعد هذا الأمر من أدبيات تنظيم داعش الإرهابي، ومن الأشياء التي يلقنها لأتباعه باستمرار، وقد شاهدنه قبل ذلك في مقطع "صليل الصوارم 4" حيث ظهر عدد من المقاتلين الأجانب وهم يحرقون جوازات سفرهم، في إشارة منهم إلى قطع علاقتهم ببلادهم، وأن انتمائهم كله أصبح لدولة البغدادي المزعومة.

ويُعد ضرب الهوية الوطنية ووضع فوارق كالجبال بينها وبين الهوية الدينية أسلوب من أساليب تنظيم داعش في استقطاب الشباب. ومن الفتاوى التي روجها التنظيم لضرب الهوية الوطنية فتوى تقول "المصلحة العامة للدولة (يقصدون دولتهم المزعومة) تُقدم على مصلحة الفرد والأوطان". كذلك أيضًا من الفتاوى التي روجها التنظيم لأتباعه كي يُقوي انتمائهم للخليفة المزعوم "البغدادي" ويفرض عليهم حبه فتوى تقول "إن محبة أهل العلم والإيمان وعلى رأسهم "أبو بكر البغدادي" من لوازم التوحيد ..."  

ثالثًا: قالت إحدى النساء إنها كانت تعمل مشرفة على المعلمات في المدارس، وإن داعش كانت تدفع المرتبات لهؤلاء المعلمات دون أن يقمن بأداء عملهن على الإطلاق، وقالت نصًا "مفيش طالبة اتعلمت أي حاجة ولا حتى قراءة الفاتحة"، مضيفة أنها لم تجد في داعش ما كانت تتوقعه في مجال التعليم. كما أشارت هذه السيدة إلى أن التنظيم كان يعطي المدرسات السوريات مرتبًا أكثر من غيرهن.

وهذه السيدة مُحقة في كلامها، فدعاية التنظيم الضالة والمضللة شيء والواقع على الأرض شيء آخر. وهذا الأمر كان سببًا في هروب الكثير من أعضاء داعش قبل سقوطه في عام 2017 بسبب أن ما وجدوه على الأرض لم يكن على قدر الزخم الذي مارسه التنظيم على صفحات التواصل الاجتماعي. إن التنظيم يستخدم خطابًا يُمكن أن نُطلق عليه خطاب "اليوتوبيا"، يوجه بصورة مباشرة إلى المجندين المحتملين في الخارج، ويصور من خلاله كذبًا وخداعًا حلاوة الانتماء لصفوف الخلافة المزعومة، ومدى النظام وسهولة الحياة و الألفة بين القلوب والرضا والهدى وغيرها مما كانوا يفتقدونه من قبل. وهذه كلها دعاية فندتها شهادات العائدين من داعش والذين انصدموا بالحياة في التنظيم. ومن بين هذه الشهادات التي تُظهر كذب خطاب "اليوتوبيا" شهادة سيدة تُدعى "جيلان" تقول في شهادتها: 
"تعرفت على التنظيم وأنا في المرحلة الثانوية. كانوا يقولون إننا نحيا على الشريعة، ونطبق الإسلام، والنساء يتحجّبن عندنا كما يُردن؛ ولأنني أريد الشريعة ذهبتُ إلى هناك. وليتني لم أذهب".

أما فيما يخص تميز السوريات في الراتب عن غيرهن فهذا جزء من سياسة التنظيم الذي يدعي كذبًا إيمانه بالعدل والمساواة وعدم التفرقة بين المسلمين على أساس العرق أو اللون أو القومية. تنظيم داعش تنظيم عنصري بالدرجة الأولى تتجلى عنصريته في العديد من المواقف من أهمها تولي القيادات حيث يٌفضل العراقيين ويميزهم على غيرهم، ودائمًا ما كانت قيادات الصف الأول فيه من العراقيين. والدليل على ذلك استبعاد "أبو صالح الجزراوي"، و"أبو عثمان التونسي" من قيادة داعش بعد "البغدادي" وتولي "أبو إبراهيم القرشي".