الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

إبراهيم عطيان يكتب: مثلث برمودا الجزء الثالث عشر‎

صدى البلد

في مساء اليوم التالي عقب مقدم البرامج الشهير شريف الورداني على حديث الدكتور سعيد بدران بحديث مطول، تناول من خلاله شكلًا آخر من أشكال الإساءة للوطن.  
بدأ المذيع برنامجه بعرض مجموعة من التعليقات لشباب يفترض أنهم مصريون على مواقع التواصل الاجتماعي يهاجمون سياسة البلاد ويتطاولون على جيشها، بينما يدافعون بحماقة تصل إلى حد البجاحة عن سياسات دول أخرى، ثم علق عليها بمقولة للكاتب إبراهيم عطيان الذي يقول: 
" ليكن في معلومِك أيها المناضل الذي يبحث في بلده عن الحرية، أن دفاعك عن سياسات دول أخرى في مواجهة بلدك ما هو إلاّ شكل آخر من أشكال الانبطاح والعبودية؛ فوليُّ نِعْمَتِكَ في الخارج لا يتمنى لرعيته أو من هم تحت إمرته أن يكونوا مثلك، ولا لشبابِ وطنهِ أن يسلكوا طريقك في خدمة الغير على حساب بلدهم، ولا يرضى على شعبِهِ أن يدافعَ عن أرضٍ غير مملكته، ولا يرى جهادك في صفِّهِ سوى صِنْفٌ من الذُّلِ والتملُّق، واستجداء مرضاته؛ من أجل مصلحةٍ، وربما يراه سفاهة إن ظن بك خيرًا. 
كما يقول الكاتب أيضًا: عجبتُ لمن يصطف إلى جوار دولة تبذل قصارى جهدها في مواجهة وطنه!
ألا تعلمون ما قاله هتلر قبل وفاته حين سُئل من أحقر الناس الذين قابلتهم فى حياتك؟ 
فقال: أحقر الناس الذين قابلتهم فى حياتى، هؤلاء الذين ساعدونى على احتلال أوطانهم.
كما وصف الكاتب هذه المواقف بالكاشفة حين قال: لقد أظهرت مثل هذه المواقف فضل الكلاب على كثيرٍ ممن لبس الثياب. 
ثم تساءل آنفًا: هل عشموك بأن تنال قسطًا من مطامعهم؟ 
أم وعدوك بالجنة على الأرض؟! 
إن فاز عرقوبٌ بما يأمل ولن يحدث بعون الله، فلن يعبأ بأمثالك، ولن يوفي بما وعد، وسترجع يا مسكين في نهاية الأمر، 
إن استطعت العودة مطأطأ الرأس خزيانًا، وفي يدك خفي حُنَيْنٍ. 
لم يقتصر الكاتب إبراهيم عطيان في مقاله على كشف القصور الفكري لدى هؤلاء الأشخاص، بل وجه من خلاله بعض النصائح
فقال: فكِّر مليًا أيها الوغد وعُد لرشدك ، تخلَّص من داءِ التبعية الذي غرسوه في عقلك؛ ليحتلوه أولًا، وملئوا قلبك حقدًا نحو وطنك، فتكون لهم فيما بعد عونًا وسبيلًا ممهدًا يطؤونه بأقدامهم  لاحتلال أرضك ونهب ثرواتك. 
استعملوك لصالحهم بلا أجرٍ، واستخدموك وظلُّوا من بعيد ينتظرون حصاد خِدْمَتِكَ، فأحالوا حالِك للنقيضِ وبدَّلوا فيك المروءة بالخيانة والوضاعة، وحرضوك على بلدك كالابن العاق ينكر فضل أبويه، وفي النهايةِ لن يَنَالكَ منهم غير جزاءُ سِنمارٍ وحُمقُ هُنبُقةٍ، ولو ندمت سنينَ العمرِ؛ جرَّاءَ فعلتك، فلن تكفيك يا كُسَعيُّ؛ فخائن الوطن مهما بلغت مكاسبه سيعود يومًا بلا وطن.

قد لا يكون أبوك هو الأفضل من بين رجال العالم، وأمك بالطبع ليست هي الأحنُّ والأحسن، ولكنهما بنظرك فوق الجميع.  
الموضوع شائك جدًا، والحديث فيه يمتد ويطول، ولكن يكفي من القلادة ما أحاط بالعنق، ومن السوار ما أحاط بالمعصم، واللَّبيبُ بالإشارة يفهم...
بهذه العبارات اختتم المذيع اللامع برنامجه قبل أن نعود من جديد إلى المستشفى العسكري التي يتم داخلها التعامل مع المجموعة الإرهابية المقبوض عليها بحرفية عالية ودقة متناهية من خلال فريق طبي متميز يعمل حسب برنامج علاجي موضوع من قِبَل الدكتور "ماجد نور الدين".
لكن الانشغال الدائم للطبيب الشاب صاحب العقلية العلمية الفذة كان سببًا رئيسًا في ارتفاع حدة الخلاف بينه وبين خطيبته أميرة برغم دفاع والدتها المستمر عن ماجد ومحاولات الأم المتواصلة في إصلاح العلاقة المتوترة بين ابنتها أميرة وابن عمها الدكتور ماجد، بعد أن شارف مشروع الزواج على الفشل، ونأى التَآلُف عن محاذاتهما، فأوشكت العلاقة أن تنهدم وتُكتب نهايتها بسبب ظروف عمله.
السيدة منى تتحدث دائمًا مع أميرة ابنتها الوحيدة عن ذكرياتها السعيدة مع زوجها المتوفى رغم غيابه المستمر أيضًا بسبب عمله كضابط شرطة والتشابه الكبير في نمط الحياة.
لم يكن التشابه فقط في نمط الحياة بل كانت الظروف التي تمر بها البلاد آنذاك أشبه بما نعيشه الآن، حيث عانت البلاد ويلات الإرهاب في فترة التسعينات من القرن الماضي كما يحدث الآن.
تمر الدقيقة تلو الأخرى والأم تتحدث، لكن أميرة تحدق في مرآة غرفتها دون رد، تستكمل الأم حديثها عن معاناتها الشديدة بعد أن صُرِع على يد الإرهاب زوجها ووالد أميرة الذي كان يملأ حياتها برغم ظروف عمله التي كانت تستحوذ على معظم وقته كما هو حال ابنتها مع خطيبها الدكتور ماجد، لكن أميرة ما زالت تفضل الصمت والتحديق في المرآة وعدم إجابة الأم الحزينة التي تحاول إخفاء دموعها، فتتوقف الأم عن الحديث ثم تنهض واقفة وتتقدم خطوات قليلة حتى وضعت يدها المرتعشة فوق رأس ابنتها، دون النظر إلى عينيها الشاردتين قبل أن تضم رأسها إلى صدرها، والدموع تتقاطر من عينيها. 
لم تعبأ أميرة بما يحدث من حولها واكتفت بمواصلة الصمت حتى انتبهت لدموع الأم التي بدأت تتساقط على أرض الغرفة.

تأثرت الفتاة كثيرًا بعد مشاهدتها دموع الأم تلمع في أرض الغرفة فألقت الهاتف من يدها،  ثم التقطت منديلًا ورقيًا من علبة كانت فوق التسريحة الخاصة بها ونهضت واقفة تجفف نهر الدمع المتدفق على وجه أمها، ثم انخرطت أميرة في البكاء قبل أن تخبر أمها بأن ما عاشته في طفولتها وعدم رؤيتها لوالدها الذي راح ضحية للإرهاب قد يكون سببًا رئيسيًا في عدم قبولها ابتعاد ماجد عنها. 
" يا ماما أنا كل ما افتكر اللي حصل لبابا، وازاي سابك في عز شبابك بخاف ماجد يسيبني هو كمان،  كل يوم بتخيل لحظة ولادتي وانتي مش قادرة تفرحي عشان بابا مش معاكي في لحظة زي دي، عرفتي ليه أنا مش عايزة ماجد يبعد؟
عشان خايفة عليه يموت هو كمان، ثم أجهشت في البكاء. أرادت الأم أن تطمئن ابنتها ببعض العبارات فقالت: "يا بنتي الموت ميعرفش ظابط ولا عسكري ولا حتى فلاح في أرضه، كل واحد له ساعة. وبعدين ماجد في الجيش صحيح بس طبيب ملوش علاقة بالحرب اللي دايرة بين البلد والإرهاب".

لكن دراية أميرة بالواقع وإدراكها لحقيقة الإرهاب الذي لا يعرف التمييز بين الحق والباطل عرقل محاولة الأم لاحتواء ابنتها والسيطرة على مخاوفها فتفوهت أميرة بعبارات موجزة عقدت لسان الأم؛ بسبب ما تحمله معاني جسدت حقيقة الإرهاب.
" أنا عارفة إن الموت ممكن يجي في أي وقت ولأي حد وبدون أسباب، بس موت بابا الله يرحمه وهو واقف في وسط الناس من غير ميرفع حتى سلاحه يخليني أخاف على ماجد، لأن الإرهاب ميعرفش غير الدم، ومبيفرقش بين ظابط ولا طبيب".

ظل خبر وفاة أبيها قبل ولادتها في ظروف مشابهة كابوسًا مزعجًا يقتحم خيالها بشكل دائم، وأصبح شعور الخوف على ماجد من هذا المصير يمثل حاجزًا قويًا يحول بين الفتاة الحزينة وبين الفرحة أو الشعور بالأمان. 
مازال فقدان والدها هو الحدث الأبرز في حياتها رغم أنها لم تراه، تسبب هذا الفصل البائس من رحلة حياتها في خلق حالة من الارتباك وعدم الاتزان، الذي أثر بشكل غير مقبول على علاقتها بمن حولها.
ثم يأتي دور الأم برغم الألم الذي تشعر به على فقدان زوجها قبل مرور شهرين على زواجهما، لكنها تحاول أن تهدئ من روع ابنتها كي تخرجها من تلك الحالة السيئة التي تسيطر عليها، فتحركت قليلًا ثم جلست أمام صورة زوجها، وبدأت حديثًا مطولًا مليء بالعزة والفخر عن أسرة زوجها.