الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

عملية القرن الـ 20 الكبرى.. قصة خداع المخابرات الأمريكية والألمانية للعالم

صدى البلد

لأكثر من نصف قرن، كانت الحكومات في جميع أنحاء العالم تثق في شركة واحدة للحفاظ على سرية اتصالات جواسيسها وجنودها ودبلوماسييها. 

حصلت الشركة، Crypto AG، على عقدها الأول من خلال عقد لبناء آلات لصنع الأكواد (الشيفرات)  للقوات الأمريكية خلال الحرب العالمية الثانية. 

ومع تدفق الأموال،  أصبحت صانعًا مهيمنًا لأجهزة التشفير لعقود من الزمن، حيث انتقل عبر موجات التكنولوجيا من التروس الميكانيكية إلى الدوائر الإلكترونية، وأخيرًا رقائق السيليكون والبرمجيات.

حققت الشركة السويسرية ملايين الدولارات من بيع المعدات إلى أكثر من 120 دولة في القرن الحادي والعشرين. وكان من بين عملائها إيران، والديكتاتوريات العسكرية في أمريكا اللاتينية، والمتنافستين النوويتين، الهند وباكستان، وحتى الفاتيكان.

نشرت صحيفة "واشنطن بوست الأمريكية، تقريرا بعنوان "انقلاب القرن الاستخباراتي".

وقالت الصحيفة إن لا أحد من عملاء الشركة على الإطلاق كان يعلم أن Crypto AG كانت مملوكة سرا من قبل وكالة المخابرات المركزية الأمريكية CIA في شراكة سرية للغاية مع مخابرات ألمانيا الغربية، وقامت الوكالتان بتزوير أجهزة الشركة حتى يمكنها بسهولة فك الشيفرات والرموز التي تستخدمها الدول لإرسال رسائل مشفرة واختراقها.

إن هذا الترتيب الذي استمر لعقود من الزمن، من بين أكثر أسرار الحرب الباردة المحفوظة، ووضع في سجل سري وشامل لوكالة المخابرات المركزية للعملية، الذي حصلت عليه صحيفة واشنطن بوست وقناة ZDF الألمانية، في مشروع إخباري مشترك.، والذي يكشف عن موظفي "سي آي إيه" الذين اداروا برنامج الشركة والمديرين التنفيذيين المكلفين بتنفيذه، ويتتبع أصل المشروع وكذلك النزاعات الداخلية التي كادت ان تخرج عن مسارها، وكيف استغلت الولايات المتحدة وحلفاؤها "سذاجة" الدول الأخرى لسنوات، حيث اخذوا أموالهم وسرقوا أسرارهم.

كانت العملية تسمى "Thesaurus- ثاسورس" وهي لفظة تعني "القاموس أو الموسوعة"، ثم سميت العملية باسم "Rubicon- روبيكون". وتعد ومن بين أكثر العمليات جرأة في تاريخ وكالة المخابرات المركزية.

وصف تقرير "سي آي إيه" العملية بأنها كانت "انقلاب القرن الاستخباراتي"، ويقول:"كانت الحكومات الاجنبية تدفع أموالا جيدة للولايات المتحدة وألمانيا الغربية من أجل امتياز قراءة معظم اتصالاتها السرية من قبل دولتين على الاقل، وربما ما يصل إلى 5 أو 6".

فبداية من عام 1970، سيطرة CIA وأختها الشقيقة، وكالة الامن القومي، على جميع جوانب عمليات شركة Crypto تقريبا، حيث حيث ترأسوا شركائهم الألمان بشأن قرارات التوظيف وتصميم تقنيتها وتخريب خوارزمياتها وتوجيه أهداف المبيعات. ثم جلس جواسيس الولايات المتحدة وألمانيا الغربية واستمعوا.

لقد راقبوا الملالي الإيرانيين خلال أزمة الرهائن عام 1979، وقاموا بتغذية بريطانيا بمعلومات استخباراتية عن الجيش الأرجنتيني خلال حرب فوكلاند، وتتبعوا حملات اغتيال دكتاتوريين من أمريكا الجنوبية، وقبضوا على مسؤولين ليبيين يهنئون أنفسهم على تفجير ديسكو برلين عام 1986.

كان للبرنامج حدود. لم يكن خصوم أمريكا الرئيسيين، بما في ذلك الاتحاد السوفيتي والصين، من عملاء Crypto. إن شكوكهم القوية حول علاقات الشركة مع الغرب كانت تحميهم من التعرض، على الرغم من أن تاريخ وكالة المخابرات المركزية الأمريكية يوحي بأن الجواسيس الأمريكيين علموا الكثير من خلال مراقبة تفاعلات البلدان الأخرى مع موسكو وبكين.

كانت هناك أيضا خروقات أمنية وضعت Crypto تحت غيوم الشك. أظهرت الوثائق التي صدرت في السبعينيات مراسلات مكثفة ومجرمة بين رائد وكالة الأمن القومي ومؤسس شركة Crypto. الأهداف الخارجية انتبهت بسبب التصريحات غير المبالية للمسؤولين الحكوميين بمن فيهم الرئيس رونالد ريجان. وأثار القبض على مندوب مبيعات في Crypto في إيران عام 1992، والذي لم يدرك أنه كان يبيع معدات مزورة، عاصفة دعاية مدمرة، وفقًا لتاريخ وكالة المخابرات المركزية.

لكن المدى الحقيقي لعلاقة الشركة مع وكالة المخابرات المركزية ونظيرتها الألمانية لم يتم كشفها حتى الآن.

أصبحت وكالة التجسس الألمانية ،BND، تعتقد أن خطر افتضاح أمر الشركة كان كبيرًا للغاية وتركت العملية في أوائل التسعينيات. لكن وكالة المخابرات المركزية الأمريكية اشترت حصة الألمان واستمرت ببساطة، حيث تفوقت بقيمة Crypto التجسسية حتى عام 2018، عندما باعت الوكالة أصول الشركة، وفقًا للمسؤولين الحاليين والسابقين.

ويعود ذلك لتراجع أهمية الشركة لسوق الأمن العالمي بحلول ذلك الوقت، بسبب انتشار تقنية التشفير عبر الإنترنت. بمجرد أن أصبحت مقاطعة الحكومات والشركات الكبرى، أصبح التشفير القوي في كل مكان مثل التطبيقات على الهواتف المحمولة.