الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

سعد محمد.. الفارس الأبيض الصغير.. عن المرض والخوف والحلم نتحدث

صدى البلد

من أكبر النعم التي قد يرزقنا الله إياها، نعمة الإحساس بالآخر، وهذا لا يحدث إلا إذا وهبنا الله القدرة على وضع أنفسنا بمكانه.  

ربما يقول أحدهم إن قصص الألم والمرض يعيشها الملايين، خاصة ونحن في عالم تملؤه الحروب والصراعات ويحدق به شبح وباء قاتل يدعى "كورونا"، لكن كما تعلمنا الحياة، لكل قصة تفاصيلها المختلفة التي تستوجب التعاطف معها وتحتم فعل كل ما يمكن فعله.

كان سعد محمد مثله مثل ملايين الأطفال، يشاهدون كرة القدم، يتعلقون بألوان قمصانها ونجومها، يبكون عند الهزيمة ويملأون الدنيا صراخا ورقصا فرحة بالنصر، ويحلمون بأن يصيروا يوما مثل هؤلاء الأبطال، الذين يهتف بأسمائهم الملايين.

يحكي سعد خلال مقابلته مع "صدى البلد"، أنه بدأ شق طريقه مبكرا، عندما كان في الصف الخامس الابتدائي مع "دوري بيبسي للمدارس" الذي بدأ منه النجم محمد صلاح طريقه كذلك، وتعلم أساسيات الكرة في نادي النجوم لمدة 7 سنوات تقريبا، حتى وجد نفسه يحلم لناديه المعشوق، نادي الزمالك.

ذهب سعد إلى اختبارات نادي الزمالك، القلب يدق، العرق ينهمر، هناك عشرات من الحالمين يجب أن يتغلب عليهم، يجب أن يصبح من الصفوة...بدأت الاختبارات، عين على الخصم، وعين المدرب الذي يشاهد وينتقي..كابتن سيد حنفي.. نظرة واحدة إلى تلك الأقدام التي جاءت ركضا من سوهاج كفيلة بأن تحدد مسار حياة بأكملها..ها هو يرقب، ها هو ينظر..ها هو يشير قائلا:"الولد ده كويس".

كلمة إعجاب قالها كابتن حنفي غيرت مسار هذا الصغير وقربته خطوات نحو الحلم، ليجد سعد نفسه يرتدي "تيشرت العمر الأبيض" ويتعلم "الفن والهندسة" ويعد الأيام منتظر بلهفة تصعيده إلى الفريق الأول.

وبينما كان يحلق في سماوات حلمه، يشاهد مباريات الفريق الأول ويهتف كمشجع، واللاعب الموهوب بداخله يمني النفس بأن يلعب أمام هذا الجمهور الوفي، ويجلب له الانتصارات والألقاب ويمحي ما مضى من الهزائم والانكسارات..اصطدم الحلم بنيزك الحياة.

في آخر 6 مباريات من دوري الناشئين، والمنافسة محتدمة بين الأحمر والأبيض، شعر سعد بالتعب، فحوصات وتحاليل، ثم تسمع أذناه الخبر الذي لم يرد من قبل في قاموس أحلامه..السرطان..سرطان الدم.

"اكتشفت إن انا داخل في دوامة..وهم..مكنتش عارف في ايه" هكذا وصف لي ما كانت تراه عيناه. كان سعد في بداية الأمر - وكما عبرت كلماته- في حالة من الذهول والإنكار، يسأل في كل لحظة ماذا يحدث؟ حتى جاءت لحظة أكثر ألما من الخبر.

وصف سعد لحظة زيارة زملائه ومدربوه في قطاع الناشئين له في المستشفى بأنها أصعب لحظة مرت عليه، "صعبت عليا نفسي..أول ما شفتهم بصراحة عيطت..مكنتش متخيل انهم ييجوا يزوروني وانا تعبان..لأ أنا كنت عايز أشوف نفسي في حتة تانية". وتعاهد كابتن "رفاعي" مع اللاعبين على عدم زيارته حتى لا تسوء حالته النفسية.

لكن حالته النفسية ساءت وتسرب ألم المرض و"الكيماوي" إلى نفسه، أصيب بالاكتئاب والإحباط. مر عام كامل حتى ظهوره على شاشة الزمالك. يمكنك رؤية كيف مرت هذه السنة عندما انفعل خلال اللقاء وصرخ على الهواء باكيا، لكن الاكتئاب لم يكن وحده سبب هذه الشحنة التي خرجت في وجه الملايين وهزت مشاعرهم.

يحكي سعد أنه بمجرد أن علم وأسرته بالمرض توجهوا إلى رئيس نادي الزمالك، المستشار مرتضى منصور، أخبروه بالحالة ووعدهم أن يتكفل بالعلاج، ويقول لـ"صدى البلد":"الصراحة هو فعلا مقصرش في أول فترة وكلم وزيرة الصحة ورئيس معهد ناصر..(قال وهو يزم على شفتيه) بس مقدمش الحاجة اللي هي تدخلني (مستشفى معهد ناصر)، أنا دخلت في دوري..أنا بقالي سنة بتعالج كيماوي". 

وأضاف:"الفترة اللي فاتت دي كلها، والدي وخالي راحوا قابلوا المستشار ووعدنا إنه هيقف جنبي الفترة الجاية وهيسفرني بره وأنا مستني الدعم ده منه".

عام مر، هدد حلم ما انقضى وما هو قادم من أعوام، ألم واكتئاب وخوف، لي فقط من المرض، بل من الخذلان، أن يخذله الجميع، هو يصدق الوعود، ولكن تأخر التنفيذ، وعزة النفس التي تجعل من تكرار الطلب والسؤال أمرا "مذلا"، يجعل من الخوف هو المسيطر.

كان سعد خجولا عندما تحدث عن هذا الخوف، لكن عمه كان أكثر وضوحا وتحدث لنا عن بيع والد سعد سيارته وقطعة أرض فضلا عن بيع سيارة سعد التي لم يكن قد هنأ بها بعد، معلنا:"الدنيا الحمد لله اتسترت لحد دلوقت، احنا في مرحلة ما قبل الفضيحة المادية، لكن الحمد لله..البلد كلها عندها استعداد تدعم..لكن زي ما قلت الأولوية وعد المستشار وأحمد وأمير".

بالفعل وعد الكثيرون بالمساعدة، مثل رجل أعمال مصري الذي يعيش في السعودية، ورجل الأعمال أحمد أبو هشيمة، وغيرهم..لكن الأولوية تعود إلى نادي الزمالك، الذي عليه أن يتخذ خطوة إما بتقديم المساعدة الحقيقية في العلاج، أو بإعلان التراجع عن الوعد، وفتح الباب لآخرين.

عندما يبتلي الله عبدا، فهو لا يبتليه وحده، بل يبتلي معه الآخرين، وهذا الطفل كما قال عمه "ابن الزمالك وابن مصر كلها، ومينفعش حد يرمي أبناؤه".

حتى الآن، الإيجابي في رحلة سعد هو دعم الملايين الذين تعاطفوا مع حالته، سواء من مشجعي ولاعبي الأهلي أو الزمالك، والذي حول حالته النفسية 180 درجة وأعاد الأمل والعزيمة له، ومن الأخبار الرائعة أن سعد كان يتلقى جلسة "كيماوي" قبل لقائه معنا بساعات قليلة، وقال خلال اللقاء:"لولا دعمهم مكنتش قدرت آخد الجرعة التقيلة دي".