الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

إبراهيم رضوان يكتب: تجربتي مع المرض

صدى البلد

"معلش يا بني عندك ورم نادر على البنكرياس"، قالها الطبيب بكل هدوء وتركني في بحر من الظلمات، مرت أمامي ذكريات وشريط حياتي منذ أن وعيت الدنيا وحتى اللحظة كفيلم سينمائي، استطرد الطبيب الشهير الذي توجهت إليه بعد عدة زيارات فاشلة لأطباء آخرين: "سنبدأ العلاج بحقن الهرمون، حقنة واحدة يوميا، ونرى".
 
كنت أدعي دوما أنني لا أخاف من الموت، كان الموت يمر بجوارنا ولا أهتم، حتى مات والدي وأختي وأمي، ثم أخي، وحكاية موت أخي حكاية، فقد مات بسرطان البنكرياس، مات خلال عام وظللت أبكي عليه عامين.

ولكن كيف بدأت قصة المرض معي، شعرت فجأة بأن الدنيا تظلم، والكلمات تخرج من فمي غير مترابطة، والأرقام فوق لوحات السيارات تتداخل، أجريت قياسا للسكر فوجدته 60 ملغ، والطبيعي أن يكون 130 ملغ، حتى أن الصيدلي شعر بالصدمة وعرض المساعدة في توصيلي للبيت بعد أن فشلت في معرفة اسم الشارع لضياع الانتباه والتركيز.

وبدأت رحلة العلاج، عشرات التحليلات، والفحوصات الإشعاعية، بينت وجود "بؤرة" في البنكرياس، بؤرة تضغط بقوة فيخرج الأنسولين "السكر" عشوائيا بلا اتساق، فيقاوم الأنسولين القادم من الخارج عن طريق الغذاء، والحل كان ببقائي طوال اليوم في المطبخ آكل كميات كبيرة من الطعام حتى لا أصاب بنوبات نقص السكر الحادة".

وبعدين، زهقت من كثرة ابتلاع الطعام، والحلويات، والبحث عن مصاصات بناتي، حتى التقيت بالدكتور سمير نعيم، أستاذ الغدد الصماء والسكر، فأفهمني بإصابتي بورم نادر في البنكرياس، وسيستمر طوال العمر، وعلاجه الوحيد الحقن يوميا لتقليل اتساع البؤرة، والبديل سيكون كارثيا، إجراء جراحة لإزالة جزء من البنكرياس.

وبدأت رحلة الحقن، تحسنت قليلا، حقن مزرية، مكلفة، مقرفة، تزلزل كياني، ولكنها لم تعد مجدية في نهاية الأمر، فالنوبات تعود لي بقوة، فهل هذه بداية النهاية؟

لقد أصبحت أخاف من الموت، وأخاف من ترك أسرتي هكذا بلا عائل، ولكني أدعو الله أن لا يطول الأمر، وأن أكون بردا وسلاما على من حولي، أدعو الله أن لا أصل إلى مرحلة "العالة" على أحد، وأن "أروح" إلى بيتي الأخير بهدوء وسكينة وسلام.

الحياة لا تستحق كل هذا العناء، فالمرض قريب منا جميعا، فلماذا لا نعيش في حالة تسامح مع النفس ومع الآخرين، لقد مررت بتجربة المرض، وأعترف أن المرض ذل بالنهار ووجع بالليل، أطلب دعواتكم أن ينتهي أمري قبل أن "يكل" بي من حولي، وأن أرحل واقفا على قدمي.