الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

م. أحمد اليمني يكتب: إصغاء الفؤاد

صدى البلد

الأذن ليس عليها حجاب، فقد خلقها الله سبحانه وتعالى مفتوحة على الكون، تسمع الحسن والقبيح، وتسمع الإنسان والحيوان، ولكن سبحانه وتعالي خلق غير الأذن فؤادًا وعقلًا ، حتى يكتمل الاختيار؛ ومن ثَمّ الحساب.


عندما تكون فى مكان ما، وهناك مجموعة من الناس يتحدثون فى أمور مختلفة، ولكن احدهم يتحدث فى شيء وافق ما تود أن تسمعه، أو وافق هوى فى نفسك؛ فإنك تلقى إليه سمعك دون غيره من الكلام الدائر بين الحضور فذلك يسمي إنصاتا.


وإذا أردنا أن نضرب مثالا لهذه العملية بشيء مادى من عالمنا المعاصر نعرفه جميعًا؛ انه "الراديو":..


الراديو يعمل بمثابة الأذن، فهو مستعد ومفتوح لالتقاط إشارة جميع الإذاعات التى تُبث من المحطات الإذاعية فى جميع دول العالم بجميع اللهجات البشرية - طالما كان به كهرباء وفى وضع العمل - تمامًا مثل الإنسان الحى المستيقظ؛ فإن أُذنه تعمل بمثابة هذا "الراديو"، أى أنها جاهزة لسماع أى صوت يصدر من أى شيء وبأى لغة كانت.


أنت تريد أن تستمع إلى إذاعة القرآن الكريم - على سبيل المثال- فهذا يعنى: أنك قمت بضبط تردد جهاز الراديو عندك ليوافق تردد إرسال إذاعة القرآن الكريم وحدها فقط دون غيرها، وكأنك أصغيت إلى شيء دون الباقى، أى أنك أصغيت إلى إذاعة القرآن الكريم دون غيرها ، وهذا يسمى بالتوليف Tuning ، وهذه العملية توافق تمامًا عملية الاصغاء للفؤاد، وكأن الفؤاد أراد أن يستمع إلى قول أحد الحضور فى ذلك المجلس دون غيره من الحاضرين فألقى اليه سمعه ، أى ولف أُذنه على صوته ليلتقطه هو دون غيره، وليُصغى اليه.


يتبقى الفؤاد، وهذا لا يوازيه شيء فى مثالنا السابق، إذ أن الفؤاد هو ما يولف الأذن كما أنه هو الذى يُصدر الأوامر ليولف المستمع المحطة الاذاعية التى يريد سماعها، وكأن الفؤاد هو الذى يسيطر على النفس كما أنه يسيطر على الآلة، ولا نظير له فى الآلة، فهو المتحكم فيها دون غيره.


-  والإصغاء بعد ذلك ينقسم الى نوعين، يكون الحاكم فيه "العقل"، إصغاء "مَرضي عنه" واصغاء "غير مَرضي عنه"، وهذا كأنك ألقيت سمعك وأصغيت إلى كلام جديد لا تعرفه، - إما لفضول فى نفسك، أو تشوق إلى علم جديد، أو لمعرفة حال المتكلم- حتى إذا وعيت ما تُصغى إليه قام عقلك إما بالرضى عنه فدخل فى "عقلك الباطن" واستقر فى نفسك، ورضيته وأصبح جزءا من عقيدتك العامة فى الأشياء، إذ أنك تؤمن بصحتها، والاختيار الآخر للعقل هو الرفض والإلقاء بعيدًا بعد الإصغاء إذ أنه لا يوافق العقيدة التى رسخت فى نفسك حيال هذا الأمر. ولذلك نجد الآية الشريفة من سورة الأنعام تحدد وبدقة ما الذى يحدث عند السماع لقول معين ، قال تعالى: (وَلِتَصْغَىٰ إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ، ..) أى : ولتميل إليه قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة .. (الطبرى).

كما أن الله تعالى يضرب مثالا آخر ليبين أن القلب كما أنه قد يصغى إلى شيء سيئ، فإنه يصغى إلى الحسن، قال تعالى من سورة التحريم : (إِن تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا) أى : أي مالت قلوبكما. . (الطبرى).

اللهم إني أعوذ بك أن أضل أو أُضل أو أزل أو أُزل أو أظلم أو أُظلم أو أجهل أو يجهل عليّ.