الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

هشام عطية يكتب: سعادة الإنسان في رحلة الزمان

د. هشام عطية عبد
د. هشام عطية عبد المقصود

يحتاج المرء إلى تجارب كثيرة قد يقدرها البعض زمنا ممتدا، حتى يدرك ويستقر لديه أن قسما كبيرا من تعلم صناعة الفرح إنما يكون ذاتيا، وحين تصل إلى مرحلة لا يجدر أن تنشغل كثيرا بتسميتها، لكنها تتضمن دخلها ذلك الشعور المفعم يقينا، وحيث يكون إدراك السعادة إفرازا تلقائيا متدفقا فى رحابة، لن تجد وصفته فى كتاب متداول يحمل عنوان " طرائق البهجة"، ولن تصلك بالطبع خطواته فى رسالة بريدية تتوالى رناتها على هاتفك وتطلب منك تعميمها، هي بعض من فيوضات التدبر والحكمة وحيث تؤتى خيرا كثيرا.


لن يكون تحقق ذلك بمخاصمة الحياة أوتعاليا على مسارات العيش بها، بل سيعبر عن مرحلة مهمة من المرور باختباراتها، كما إنها أشياء لا يمكن تعلمها مما يحكيه الآخرون ومهما كرروا وأعادوا واستحضروا خلاصات النصوص المتحلية بجمل فلسفية مبهرة.


لا شيء يصنع الرضا المتقبل سوى نهج التدبر فى مسار طواحين الحياة فى توالى دوراتها، ثم محايلة صروف الزمان عملا وعزما، تقبلا وانتظارا وأملا، ثم استيقاف قطار الزمان فى صعوده وهو يسير بعرباته المتقاطرة المهتزة يمينا ويسارا، لالتقاط الأفراح المتناثرة الصغيرة، وبعد أن تحليت بقدرة المرور سريعا على امتعاضات الكون – وهى بعض من سيرة وفطرة تدافعه – شغوفا، مشتهيا ومرحبا بابتساماتها التاليات والتي هى يسر بعد عسر، ثم رشيقا وكما الطائر تأخذ هدأة فوق الغصون لتستطعم التفاصيل الحلوة، تلك الأشياء الصغيرة التي فى ثنايا الأحداث الكبيرة اليومية، مؤشرات الفرح الرقيقة المتوارية كحبات الكرز أو العنب أو التوت وفق موسم الزراعة والحصاد والتشهي.


عندما تغنى شادية "فى عيون الناس الفرحانه بالمح صورتك" تنقل لنا معنى إنسانيا عن أن البهجة فعل تحقق جماعي، لن تدركه وحيدا ولن تهرب بنصيبك منها نحو مغارة بعيدة.


وفى سبيل ذلك ستتتحلى بمصدات تواجه اعتياد انخراط البعض فى الهم والشكوى ومهما منحهم الله من طيبات وخير عميم، وسيجدون دوما عنوانا ضخما يستوعب رغبتهم الدفينة فى الشكوى يوسعونه ليضمهم فى رحابة، وحيث دوما سيجدون أسباب ذلك متاحة تلتقطها نفوسهم قبل عيونهم ومن على قارعة الطريق كما وصف الألفاط ملقاة وفق التعبير الفذ للجاحظ،  يحسبون أنفسهم وحيدين دون السؤال الموازي: ومتى كانت الحياة لعموم البشر غير كبد؟.


إن حالة الرضا ثم ما يليها من محطات السعادة المتاحة هى صناعة ذاتية بالأساس ليس لها ارتباط محدد بعصر ما، رغم أنه لايمكن تجاهل عوارض الحياة الصعبة وتأثيرها المحقق على المزاج الشخصي والعام، لكنه فى الحقيقة يكاد يشكل عنصرا ثابتا فى الحياة طوال تاريخها، ستجده حاضرا فى صورة الرجل المجتهد فى فيلم "سى عمر" لنجيب الريجانى، ثم فى الأب والأم الطيبين – وهذان فى الدنيا هما الرحماء- فى فيلم "أم العروسة" وهو مرجع ضروري للحياة الواقعية حينئذ وحين لم يكن هناك مجال لإعلان الشكوى داخل "بستان الإشتراكية"، بل ولو رجعت كثيرا ستجده حاضرا فى برديات  عمال بناة الأهرام وحينما كانت مصر تمتد إمبراطورية كبيرة شرقا وغربا.


ويكون مدهشا أنك لن تسمع الشكوى المستغرقة تلك وبالحدة وبصياغات الألم المتفرد ذاتها الحاضرة لدى كثير من المترفين عند كثير من البسطاء العائشين تحت مظلة فهم فطرى لطبائع الحياة، وهم يعملون ويطلبون فقط خبز كفاف يومهم.


ثم أنه يبقى أسعدك الله، أن تفارق المفطورين على الشكوى من الناس، بحيث أنهم لو لم يجدوها على الأرض لاخترعوها، وستعرف من قطار التجارب وجود نوع من البشر لا تحمل جيناته سوى الشكوى، لا يجلس أبدا ليتأمل منحة الله له فى كثير من الأشياء التى صارت من فرط اعتياده عليها عادية أو فلنقل مضمونة، فما إن تجلس إليهم حتى يطلقون أشعة شكواهم فى اتجاهك قصفا متواصلا، يمتحنون صبرك أو طيبتك أو غفلتك، لن تجدهم يوما يحكون شيئا طيبا حدث لهم فى الحياة، معروفون بسمتهم وجمل ابتداء حديثهم، يزداد هؤلاء فى الحياة كأشواك يجدر بك أن تقتلعها.


وأنت تلتقط المتاح من البهجات ستوقن بأن عطاء الحياة يستقر بالاعتراف بما تجود به وقسمته على من تحب ومن حولك، ثم أنه لا تعتبر كل ذلك بعضا من كتاب الأغاني، فقد أضاع كثيرون جماليات الحياة بالقفز على أشياء ظنوها من فرط بساطتها متاحة دوما، فقد تشكل وجدانهم وعقلهم على أن يحملوا ويقبلوا من الأفكار ما ثقل صعبها وزاد مُرها وامتلأت فصاحتها ألما وانهمرت فداحة فلسفتها، عافانا الله وإياكم منهم .. ثم إن فصل الحياة جميعها زمن أو بعض زمن، هو "طيف خيال"، وكما يقولها باولو كويلو روائى نوبل فى كتابه الصغير المفعم تأملا "مكتوب": استمتع بكل ما أنعم به الله عليك اليوم، فليس هناك بنك يمكن أن تستثمر به النعم لتستخدمها عندما تريد فغدا يهبك الله نعمة أخرى.