الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

مصر تتبنى النموذج الكوري الجنوبي فى مكافحة كورونا.. سول تسجل أدنى نسب وفيات من الفيروس في العالم.. تطبيقات الهاتف والحجر الذاتي والفحص بالسيارات ابتكارات ناجحة فى مواجهة المرض القاتل

فحص المواطنين داخل
فحص المواطنين داخل السيارة في كوريا الجنوبية

  • السيسي: نساند كوريا الجنوبية وشعبها الصديق في مواجهة كورونا 
  • نتطلع للتعاون المشترك لتعزيز الجهود وتبادل الخبرات في مكافحة كورونا
  • كوريا سجلت إحدى أدنى نسب الوفيات في العالم
  • تطبيقات الهاتف والحجر الذاتي والفحص بالسيارات ابتكارات كورية لإنهاء كورونا

خلال اتصال هاتفي مطلع الشهر الجاري مع الرئيس الكوري الجنوبي مون جيه إن، أعرب الرئيس عبد الفتاح السيسي عن تضامن مصر مع حكومة كوريا الجنوبية وشعبها الصديق في مواجهة فيروس "كورونا"، مؤكدًا الثقة في قدرة الدولة الكورية على تجاوز هذه المحنة، والتطلع في هذا السياق للتعاون المشترك من خلال السلطات الصحية في البلدين لتعزيز الجهود وتبادل الخبرات في مكافحة هذا المرض المستجد.

ولا شك أن الحكومة المصرية تتبنى النماذج الدولية الناجحة في مواجهة ومكافحة انتشار فيروس كورونا، ومنها النموذج الكوري الجنوبي، خاصة أن المرض انتشر في يابستها قبل أن يصل لمصر، كما أن كوريا أثبتت كفاءة في محاربة الجائحة. 

وفي الوقت الذي تكافح فيه العديد من الدول حول العالم لردع واحتواء فيروس كورونا كوفيد-19 المعدي، امتلكت كوريا الجنوبية أفكارا مبتكرة وقوى تقنية مميزة، لاستخدامها في حربها ضد الفيروس بشكل يجذب انتباه غيرها من الدول.

كوريا الجنوبية مثالًا يحتذى به
وبعد أن أصبحت كوريا الجنوبية إحدى أكثر الدول تضررًا بفيروس كورونا خارج الصين، تمكنت من خفض عدد الإصابات بشكل كبير فيما سجلت إحدى أدنى نسب الوفيات في العالم.

وبلغ عدد الحالات المؤكدة لديها 7755 إصابة، وهي رابع أعلى حصيلة في العالم لكنها لم تسجل سوى 60 وفاة، وهو رقم أدنى بكثير من المعدل العالمي الذي اعلنته منظمة الصحة العالمية.

الخطوات التي اتخذتها كوريا الجنوبية
وبدلا من اتباع التدابير الصينية القاضية بعزل مدن طالها الفيروس، تبنت كوريا الجنوبية نموذج إتاحة المعلومات والمشاركة العامة والفحوصات على نطاق واسع.

ويتم الاتصال بجميع الأشخاص الذين اختلط معهم المرضى المصابون بكورونا المستجد وإجراء فحوص لهم، ورصد تحركات الشخص المصاب في الأيام الـ14 السابقة، من خلال استخدامه بطاقة الائتمان المصرفية، وصور الكاميرات المغلقة وتتبع الهاتف المحمول، وتنشر تلك المعلومات على مواقع حكومية مع رسائل نصية تحذيرية ترسل إلى الأشخاص عندما يتم رصد إصابة جديدة في المنطقة التي يعملون أو يعيشون فيها.

ويثير هذا الإجراء قلقا إزاء مسألة الخصوصية، لكنه يمكّن الناس من التقدم لإجراء فحوصات.

تبلغ كلفة الفحص قرابة 160 ألف وون (134 دولارًا أمريكيًا) لكنه يُتاح بالمجان لمن يُشتبه بإصابتهم ومن خالطوا أصحاب الحالات المؤكدة، أو الذين تأتي نتيجة فحصهم إيجابية، ما يشجع المشاركة.

وتجري كوريا الجنوبية اختبارات تشخيص بشكل أسرع من أي دولة أخرى - حوالى 10 آلاف فحص يوميا - ويقول الخبراء إنها ساعدت السلطات في الرصد المبكر للمرضى وتتبع بؤر الوباء.

ويمكن لكوريا الجنوبية إجراء أكثر من 15 الف فحص تشخيص يوميا، وأجرت 220 ألف فحص. ولديها أكثر من 500 مختبر مخصصة لإجراء الاختبارات، بينها أكثر من 40 مرفقًا يمكن الحصول على الخدمة فيها عبر المرور بالسيارة (درايف ثرو) ما يقلل من الاحتكاك بين المرضى والأطقم الصحية.

واستفادت كوريا الجنوبية من تجارب سابقة، فقد عانت من نقص في معدات الفحص خلال أزمة فيروس ميرس (متلازمة الشرق الأوسط التنفسية) ما دفعها لاعتماد نظام لتسريع عمليات الموافقة.

وخلال أسابيع من تفشي الفيروس الذي ظهر أولا في الصين، أعطت الحكومة موافقة عاجلة لأجهزة اختبار تم تطويرها حديثا لفحص الإصابات بكوفيد-19 وإظهار النتائج في ست ساعات وأتيحت للعيادات.

تعاون المواطنين
حضت السلطات المواطنين على لزوم منازلهم وتجنب اللقاءات وتقليص التواصل مع الآخرين في حملة أطلق عليها "النأي الاجتماعي" فصارت الشوارع هادئة والمتاجر والمطاعم شبه فارغة، حتى في الأجزاء التي تعج بالحركة عادة في سيول.

وألغيت عشرات الفعاليات - من حفلات لفرقة كي-بوب الشهيرة إلى ألعاب رياضية - وارتدى معظم الناس الأقنعة الواقية، عملا بتوصيات الحكومة.

ما سبب تدني نسبة الوفيات
هناك العديد من العوامل وراء النسبة المتدنية بشكل غير اعتيادي للوفيات، 0,77% مقارنة مع 3.4% على مستوى العالم، ومنها الرصد المبكر بما يسمح بالعلاج المبكر، والفحوص الواسعة النطاق تعني رصد الحالات الخفيفة أو من دون أعراض ظاهرة، وهذا يرفع العدد الإجمالي للاصابات المسجلة، وبالتالي تتدنى نسبة الوفيات.

إضافة إلى ذلك، فإن المصابين في كوريا الجنوبية لديهم قواسم فريدة: غالبية الإصابات هي لنساء ونصف المصابين هم دون سن 40 عاما.

يقول المسئولون إن ذلك مرده إلى أن أكثر من 60 بالمائة من الإصابات مرتبطة بكنيسة مسيحية.

ومعظم أعضاء الكنيسة نساء والغالبية في العشرينات والثلاثينات من العمر.

لكن الأرقام العالمية تشير إلى أن الفيروس أكثر فتكا بين الأجيال الأكبر سنا، والرجال بشكل خاص.


ولم تعمد اليابان - التي سجلت 600 إصابة و12 وفاة - إلى إجراء فحوص واسعة النطاق ويمكن أن تتعلم من رد الفعل الكوري الجنوبي، بحسب ما يرى رئيس معهد أبحاث الحوكمة الطبية في طوكيو ماساهيرو كامي.

وقال كامي: "الفحص هو خطوة أولى مهمة للسيطرة على الفيروس.. إنه نموذج جيد لكل دولة".

وقالت ماكلوز من جامعة نيو ساوث ويلز إن كوريا الجنوبية "تصرفت بحزم وبسرعة" في نقيض للإجراءات التي اتخذتها إيطاليا حيث قالت إنه لو فُرضت إجراءات احتواء في وقت أبكر لأخذ الوباء مسارا مختلفا.

ورأت أنه "من الصعب جدا على السلطات المبادرة بالقيام بذلك، ولذا تتخذ الإجراءات غالبا في وقت متأخر".

التكنولوجيا الكورية حاصرت الفيروس
وقد أبلغت كوريا الجنوبية حتى الآن عن أكثر من6000 حالة إصابة بالفيروس، لتأتي في المرتبة الثانية بعد الصين، مركز تفشي الفيروس بالعالم، ولكن بعض تدابير الحجر الصحي الكورية المبتكرة وطرق تطبيق اختبارات الفيروس تسببت في ضجة عالمية بسبب نجاحها في حصار الجائحة.

ويعد إجراء الفحص على السائقين أثناء القيادة واحدا من التدابير التي جذبت انتباه العالم، حيث يمكن للمواطنين إجراء الفحص وهم داخل سيارتهم، ما دفع بعض البلاد إلى مراجعة هذه الفكرة لتقييمها.

أفكار أكثر حيوية
ووصف جيفري جونز، مدير الغرفة الأمريكية للتجارة في كوريا الفكرة الكورية، بأنها "طريقة مبدعة"، في الوقت الذي وصفتها فيه لورا بيكر، مراسلة قناة "بي بي سي" بأنها "فكرة ذكية" على حسابها على تويتر.

ورفع إيان بريمر، مؤسس شركة أوراسيا للاستشارات السياسية العالمية، صورة لإجراء الاختبار بسيارة على حسابه على موقع "تويتر"، وأرفق معها تعليقا يقول "الابتكار يحفز على الصمود".

وبموجب نظام الفحص المذكور، لا يتعين على السائق النزول من سيارته وكل ما عليه هو فتح نافذة السيارة للتحقق من درجة حرارته أو تقديم عينة فحص للفريق الطبي المجهز بملابسه الواقية. ولا يستغرق الأمر سوى 10 دقائق للانتهاء من جميع الإجراءات.

ووصف أحد مواطني مدينة دايغو الموبوءة بالفيروس الفكرة بالعبقرية قائلا: "لا أعلم من هو أول من اقترح هذه الفكرة، ولكنها عبقرية"، وذلك بعد زيارته لأحد المراكز المخصصة لإجراء هذا الفحص، مضيفا: "ذهبت لمركز إجراء الفحص داخل السيارة لأنني أرغب في تجنب التواصل مع الآخرين".

وأوضح شين هي جون، الطبيب في مستشفى سون تشون هيانغ الجامعية في بوتشون غرب سيئول، أن الفكرة مُستلهمة من تدريبات مكافحة الإرهاب التي تشمل توزيع الأدوية والمستلزمات الطبية على المدنيين.

ويعد "شين" واحدا من الأطباء المشاركين في مشروع بحثي في 2018 تحت جناح المركز الكوري للسيطرة على الأمراض والوقاية منها، ومن المشاركين في بحث الفكرة المذكورة.

وأوضح "شين" أن "الهدف من إجراء الاختبار للسائقين وهم داخل السيارة هو تقليل الوقت اللازم للاختبار وتقليل خطر نقل العدوى للآخرين في أماكن الفحص"، وأضاف: "إذا لم يكن هناك عدوى جماعية في دايغو، أشك في أن هذه الفكرة كانت ستلقى هذا الرواج. ولكننا في موقف حرج الآن وأصبحت هذه الفكرة أداة هامة للتعامل معه".

وتختلف القدرة الاختبارية لكل عيادة بناءً على القوى العاملة في كل مركز ونظام تشغيله، ولكن بشكل عام يمكن للمراكز إجراء اختبارات على 6 أشخاص في الساعة، ما يعني أن نظام الفحص يعتبر ثلاث مرات أسرع من عيادات الفحص العادية، وفقا للمسئولين.

وحتى الآن جهزت البلاد ما مجموعة 50 مركزا لإجراء هذا النوع من الفحوصات في كوريا، ولكن من المتوقع أن يرتفع الرقم، حيث إن العديد من الحكومات تنظر في تطبيق هذا الفحص في مناطقها.

من جانبها، أكدت الحكومة الكورية أنها ستوزع الإرشادات التشغيلية الخاصة بهذا النوع من العيادات لتتمكن المزيد من البلديات من الاستفادة منها.

وعادة ما تظهر كوريا الجنوبية كواحدة من أكثر الدول تميزا، فقد استفادت البلد من تقنيات الهاتف للتعامل مع تفشي الفيروس.

وقالت وزارة الداخلية والأمن الكورية إنها ستطور تطبيقا هاتفيا يسمح لسلطات البلديات بمراقبة من وُجهت لهم أوامر بالتزام الحجر الصحي.

ويرسل التطبيق الذي يستخدم تقنية نظام تحديد المواقع العالمي "جي بي س"، تحذيرا إذا قام شخص ما بمغادرة منطقة الحجر الصحي خاصته.

وأوضحت الوزارة أن حوالي 34 ألف شخص قيد الحجر الصحي الذاتي، وأنه تم تعيين 28 ألف موظف مدني لمراقبتهم.

وصرح مسئول من الوزارة بأنه "تم تطوير هذا التطبيق لإدارة من يطبق عليهم الحجر الصحي الذاتي بوتيرة سريعة وبشكل أكثر فعالية"، وأضاف أن "التطبيق يدعم اللغتين الصينية والإنجليزية، ليتمكن الأجانب من استخدامه"ز

جدير بالذكر أن كوريا الجنوبية تستعين بالفعل بتطبيقات الهاتف للتواصل مع الوافدين من البلدان المتضررة بشدة من الفيروس، حيث طالبت البلاد الشهر الماضي القادمين من الصين وهونغ كونج وماكاو بتحميل تطبيق للتشخيص الذاتي وإبلاغ السلطات عن وضعهم الصحي بشكل فوري.

خدمات ديجيتال لتحديد خطورة الإصابة
كما ظهرت العديد من خدمات الديجيتال المتعددة التي تقدم المعلومات حول تفشي كوفيد-19 في البلاد في الأسواق منذ أبلغت كوريا عن أول إصابة بالفيروس في 20 من يناير الماضي.

واشتهرت بعض المواقع مثل كورونا ماب (خريطة كورونا) (https://coronamap.site/) وغيرها لتقديمها معلومات حول الأماكن التي زارها المصابون بالفيروس.

ويستخدم الموقع عدة ألوان (الأخضر، الأصفر، الأحمر) لإظهار درجة خطورة إصابة الأماكن المتأثرة بالفيروس، وتعني الدائرة الحمراء أن المريض زار المكان المعني قبل أقل من 24 ساعة، والصفراء تعني أنه مر 8 أيام منذ زيارته، والخضراء تعني أكثر من 9 أيام.
 
جدولة العمل عن بعد لموظفي الحكومة
وفي إطار الجهود الأخيرة للتصدي لفيروس كورونا الجديد (كوفيد-19)، قدمت الحكومة الكورية الجنوبية نظامَ عملٍ مرنا، يتألف من ساعات العمل المرنة والعمل عن بعد، للموظفين الحكوميين.

وبموجب الإرشادات الجديدة، من المتوقع أن يتناوب الموظفون العموميون في جميع أنحاء البلاد على العمل عن بعد، سواءٌ من المنزل أو ما يسمى بمراكز العمل الذكية التي تديرها الحكومة، وفقًا للوثيقة التي وزعتها وزارة إدارة شؤون الموظفين على 50 منظمة حكومية.

وسوف يحدد رؤساء كل منظمة عدد الذين سيعملون عن بعد، بينما سيستمر الموظفون على مستوى المديرين في العمل في المكاتب كالمعتاد.

وتنصح الإرشادات الذين يعملون في المكاتب بتغيير مواعيد التنقل والغداء الخاصة بهم، لتقليل كثافة المكاتب وتقليل التواصلات المباشرة.

وتنص الإرشادات على أن يقوم كل فريق بتعيين موظف للتحقق مما إذا كان هناك أي أفراد في الفريق يعانون من أعراض الفيروس مرتين يوميًّا.

كما تسعى الإرشادات إلى تقليل الاجتماعات وجهًا لوجه، وتوسيع الاجتماعات عبر الإنترنت.

وتأتي القواعد الجديدة -وهي الأقوى حتى الآن فيما يتعلق بالموظفين الحكوميين- وسط المخاوف من احتمال إصابة المزيد من الموظفين العموميين بالفيروس المعدي، الذي أصاب أكثر من 7,800 شخص في البلاد حتى الآن.

وكان هناك 14 موظفًا حكوميًّا -من بينهم 11 في وزارة المحيطات ومصائد الأسماك- من الذين يعملون في المجمع الحكومي الرئيسي في مدينة "سيجونغ" قد ثبتت إصابتهم بالفيروس.

ويوجد في كوريا الجنوبية 11 مجمعًا حكوميًّا، بما في ذلك المجمع الرئيسي في "سيجونغ" -على بعد 130 كيلومترا جنوب سيئول- وكذلك في المدن الكبرى مثل سيئول و"دايجون".