رأت صحيفة الجارديان البريطانية أنه على الرغم من أن قارة أفريقيا تمتلك العدد الأقل من الاصابات بفيروس كورونا والمعدل الأبطأ من حيث الاصابات وذلك مقارنة بالمملكة المتحدة، إلا أن العديد من دول القارة السمراء أقرت تدابير أكثر تطرفا إلى حد كبير وذلك للحيلولة دون تفشي الوباء وهي أكثر من تلك التدابير التي اتخذتها بريطانيا.


واستشهدت الصحيفة -في مقال للرأي نقلته على موقعها الاليكتروني اليوم الاثنين- بالسودان في ذلك التي قامت عقب تسجيل حالة إصابة واحدة وحالة وفاة واحدة بالفيروس بإغلاق كل المدارس والجامعات. واتخذت العديد من الدول الأخرى نفس الإجراء .


وقالت الصحيفة فلا يوجد إنكار هنا أو رسائل مختلطة أو وعود لا أساس لها من الصحة بشأن التوقيت الذي سنتخلص فيه من هذا الفيروس.


وأضافت أن هذه الخطوات الصارمة والتي جاءت في التوقيت المناسب هي ناجمة عن تجارب مريرة خاضتها القارة أكثر من كونها ناتجة عن نضج سياسي، وهي ناجمة أيضا عن المعرفة بأن أنظمة الصحة العامة المثقلة بالفعل بالأعباء لا يمكنها أن تستمر في مواجهة هذا الهجوم. فقد كان وباء الإيبولا الذي تفشى عام 2014 والذي لايزال عالقا في ذاكرة دول أفريقيا جنوب الصحراء، تجربة كشفت أن الوقاية والاحتواء يمثلان الأمل الوحيد في الحيلولة دون وقوع الاف من الوفيات.


فإذا ما كنا نقلق بشأن عدم القدرة على احتواء الفيروس في أوروبا الغربية والولايات المتحدة، فإن أضعاف هذا القدر من الرعب ينتظر دول العالم النامي. لا سيما في ظل قلة وسائل التدخل الطبي فضلا عن العديد من عناصر الخطورة الأخرى من بينها سوء التغذية والكثافات السكانية العالية والتعايش الجماعي وعدم القدرة على الوصول إلى الماء ومرافق التنظيف وهي عوامل جميعها تجعل معدلات الوفاة المسجلة في هذه الدول تجاوز بكثير جدا نظيراتها في الغرب.


وعلى الصعيد الاقتصادي يخاطر هذا الفيروس بالدخول في عصر جليدي. حيث لا حزمات تحفيز أو مدفوعات تأمين .


واستطردت الصحيفة قائلة إن تلك القصة المتكررة لكيفية حدوث الوباء حتى الآن. فالفقراء، وغير المؤمن عليهم والمهمشين هم الأهداف السائغة لهذا الفيروس. لقد دفعت العديد من الاقتصادات الغربية ، بما في ذلك الولايات المتحدة والمملكة المتحدة ، هؤلاء الأشخاص ببطء ليكونوا على الهامش، مع تقييد مزايا التوظيف مثل أجور العطلات والإجازات المرضية والتأمين الخاص على فئة حصرية بشكل متزايد. إذ أنه من بين أحد الأسباب التي جعلت الحكومتين البريطانية والأمريكية بطيئتان للغاية في توفير الفحص المجاني والرعاية الطبية وحزمات الإنقاذ لأولئك الذين فقدوا عملهم هو أن هذه التفاوتات أصبحت الآن بالفعل مقيدة في النظام. لا يمكن التراجع عنها بين عشية وضحاها حتى عندما تعتمد الحياة عليها .


أما الاقتصاد العالمي فهو يستند إلى نفس الطريقة تقريبًا ، حيث الفائزين الذين يخزنون الغنائم ، والخاسرين الذين يتدافعون من أجل بقايا الطعام. فما لم تستطع الدول الغنية الثرية أن تتدافع لإنقاذ شعوبها ، فليس هناك أمل في أي جهد لتقديم المساعدة إلى البلدان التي تمتلك جزءًا صغيرًا من الموارد.


ومضت الصحيفة تقول: لكن هذا هو الفخ المأساوي لأولئك الذين يعتقدون أن هذا الخلل الهيكلي ليس مشكلتهم. في هذه الحالة ، لا يمكن أن تستمر التفاوتات الوطنية والدولية دون أن يخسر الجميع. لقد بدأ المشرعون يدركون للتو أنه لا يمكن تحصين الأغنياء ضد الفقراء ، أيا كان مدى ارتفاع الحواجز أمام قلعتهم. ومن ثم فيستلزم الحد من انتشار الفيروس التأكد من أن كل شخص ، يمكن أن يخضع للاختبار ، والعزل الذاتي إذا لزم الأمر وتلقي العلاج.


واختتمت الصحيفة البريطانية مقالها بالقول إنه مثلما لا يمكن إغلاق الأعمال والحياة العامة للأبد، فإنه لا يمكن كذلك إغلاق الحدود إلى الأبد. إن الدول الأفريقية تتحرك بسرعة للتصدي لكورونا، وهي تدرك جيدا أنها تخوض المعركة وحدها. ولكن ما لم تحدث معجزة أو إطلاق مشروع مارشال من جانب الدول الأكثر ثراء لمحاربة الوباء، وفي حال اجتياح الفيروس للدول الأكثر فقرا، وقتئذ ستبتلع هذه الكارثة الجميع دون استثناء فالفيروسات لا تفرق بين الطبقات والجنسيات.