- غير ميزان القوى العالمية
- كيسنجر: العالم بعد كورونا لن يعود كما كان
- الصين تريد أن تدفع بقوة برسالة أنها شريك مسئول وموثوق
تحاول القوى العظمى في أي زمان وبعد حدوث أي كارثة عالمية، أن تضع نفسها بشكل مناسب على المسرح العالمي، تحسبا لأي تطور جيوسياسي قد يحدث بعد ذلك، لكن فيما يبدو أن الولايات المتحدة لا تفعل ذلك مع كارثة فيروس كورونا واختارت الانعزالية على قيادة العالم في هذا المنعطف الخطير.
ويسمي البعض التصرف الأمريكي أنانية، وإهمالا للآخرين، ويذهب البعض الآخر إلى أبعد من ذلك بالقول إن أمريكا لم تعد قادرة على تحمل دعم حلفائها.
لا يتوفر جواب على ذلك، ولكن ما يبدو واضحا، هو أن الولايات المتحدة
الأمريكية لا تبدي أي اهتمام بقيادة الحرب ضد وباء كورونا على مستوى العالم.
ويلوم كثيرون الرئيس دونالد ترامب وإدارته على ذلك، لكنهم ينسون أن خطابه ضد العولمة والتعاون الدولي هو الذي جعل الناخب الأمريكي يختاره رئيسا لأمريكا.
ليس وحده
ويرى آخرون أن الرئيس الأمريكي ترامب لا يتحمل اللوم كله، فموقفه لا يمثل إلا مجرد رد فعل، على السياسات التي أُنجزت من قبله، حينها يصبح الموقف الأمريكي نتيجة منطقية، لتراكم النهج الذي اتُخذ خلال فترة النظام العالمي أحادي القطب.
وفي مقابلة مع جريدة "فاينانشيال تايمز" بتاريخ 18 يوليو 2018، قال وزير الخارجية الأمريكي السابق هنري كيسنجر: "أعتقد أن ترامب قد يكون أحد تلك الشخصيات في التاريخ الذي تظهر من وقت لآخر لتسجل نهاية عصر، وإرغام ذلك العصر على التخلي عن مظاهره القديمة، وهذا لا يعني بالضرورة أن ترامب يعرف ما يقدم على فعله، أو أنه يفكر في أي بديل رائع. وقد يكون ذلك الفعل مجرد حادث عارض لا أكثر".
دبلوماسي ذكي مثل هنري كيسنجر بشبكة واسعة داخل الولايات المتحدة وعالميًا لن يقول مثل هذا البيان الجريء وينهيه بـ "يمكن أن يكون حادثًا"، وهو يعني ذلك، فكيسنجر يتمتع بخبرة كبيرة في المجال الدولي، ومشهود له بأنه يعرف بالضبط ما يعنيه. ولعل ما يحدث الآن، في تعامل الولايات المتحدة مع الوباء تحت إدارة ترامب تفرض صدق كلام كيسنجر.
ورجح وزير الخارجية الأمريكي الأسبق، هنري كيسنجر، في مقال له نشر بصحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية، الجمعة الماضي، أن يؤدى وباء كورونا إلى تغيير النظام العالمي للأبد، مشيرا إلى أن الاضطرابات السياسية والاقتصادية الناجمة عن الوباء ستستمر لأجيال، داعيا الإدارة الأمريكية للاستعداد إلي نظام ما بعد كورونا، واستخلاص الدروس من مشارعيها السابقة كــــــ خطة مارشال لإعادة إعمار أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية أو مشروع مانهاتن البحثي الذي أنتج القنبلة الذرية وحسم الحرب لصالح أمريكا والحلفاء.
وأوضح كيسنجر أن الولايات المتحدة تعاني الآن من الانقسام، فهناك حاجة إلى حكومة تتحلى بالكفاءة وبعد النظر للتغلب على العقبات غير المسبوقة من حيث الحجم والنطاق العالمي.
وقال كيسنجر إن الأمم تزدهر وتتماسك باعتقادها أن مؤسساتها يمكن أن تتوقع الكارثة، وتوقف تأثيرها وتستعيد الاستقرار، لافتا إلى أنه عندما ينتهي الوباء سيتم النظر إلى مؤسسات العديد من البلدان على أنها فشلت، ولا يهم ما إذا كان هذا الحكم عادلًا وبشكل موضوعي، لكن الحقيقة هي أن العالم بعد كورونا لن يعود كما كان.
وتسعى الصين اليوم لملء الفراغ الذي سببته هشاشة النظام الأمريكي في مواجهة فيروس كورونا، وتصور نفسها على أنها زعيمة العالم فيما يتعلق بالرد على انتشار الوباء.
والولايات المتحدة الأمريكية التي تبوأت موقع الريادة في العالم على مدار العقود السبعة الماضية، لم تبن هذه الريادة على أسس الثراء والقوة العسكرية فقط، ولكن بنتها أيضا على أساس الشرعية من أسلوب الحكم الداخلي في البلاد وقدرتها على توفير المواد والسلع على النطاق العالمي وقدرتها ورغبتها في حشد الردود الدولية للكوارث والأزمات، ويعد وباء كورونا امتحانا للعناصر الثلاثة الأساسية للزعامة الأمريكية.
حرب السويس
بل إن الأمر امتد بالولايات المتحدة إلى محاولة سرقة الأطباء والعاملين في المجال الصحي من الدول الأخرى، حيث إنها أعلنت عن تقديم تسهيلات بشأن تأشيرات العمل والزيارة لأراضيها، للأجانب العاملين في القطاع الصحي؛ ونقل موقع وزارة الخارجية الأمريكية، أن أمريكا تشجع قدوم العاملين في المجال الصحي؛ للحصول على تأشيرة عمل أو تأشيرة زيارة، لاسيما للراغبين في العمل على أراضيها.
وفي المقابل، تبدو الصين التي فيها ظهر ومنها انتشر الفيروس أكثر مقدرة على السيطرة على الموقف؛ بل إن بكين حرصت على الظهور بمظهر من يمدّ أيادي العون للبلدان الأخرى التي ينتشر فيها الوباء، ومصممة على الخروج من الأزمة، وموقعها كقوة عظمى معزز، فيما تبدو أمريكا ومعها دول الاتحاد الأوروبي في صورة من تخلى عن أقرب الحلفاء في هذا المنعطف الحرج.