الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

د. مصطفى محمد عوض يكتب: العيد في بيت رسول الله

صدى البلد

يهل على المسلمين عيد الفطر المبارك بعد نهاية شهر رمضان الكريم؛ ليعم الفرح والسرور بيوت المسلمين، شاهدًا على وسطية هذا الدين الحنيف، ففرح المسلمين بأعيادهم عبادة يؤجرون عليها، وقد حدث ذلك في بيت رسول الله r ودل على ذلك كلام رسول الله r وأفعاله:

فعائشة أم المؤمنين رضي الله عنها تروي ما حدث من رسول الله r يوم العيد في بيته فتقول: "دخل عليَّ رسول الله r وعندي جاريتان تغنيان بغناء بُعاث فاضطجع على الفراش وحوَّل وجهه، ودخل أبو بكر فانتهرني، وقال: مزمارة الشيطان عند النبيِّ r فأقبل عليه رسول الله r فقال: "دعهما " فلما غفل غمزتهما فخرجتا"([1]).

وهذا الحديث يبين أن رسول الله r لم يمتنع أو يمنع الاحتفال بالعيد، بل كانت هناك إحتفالية ومظاهر الفرح والسرور بجوار بيت رسول الله r ولم ينكره رسول الله r وأذن النبي لعائشة رضي الله عنها بأن ترى هذه الاحتفالية بالعيد والفرح الذي يعم أنحاء مدينته r، وهذا ما روته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وهو تكملة للحديث السابق لها حيث تقول: "وكان يوم عيد، يلعب السودان بالدرق والحراب، فإما سألت النبي r، وإما قال: «تشتهين تنظرين؟» فقلت: نعم، فأقامني وراءه، خدي على خده، وهو يقول: دونكم يا بني أرفدة "وهو لقب لغلمان من الحبشة" حتى إذا مللت، قال: «حسبك؟» قلت: نعم، قال: فاذهبي"([2]).

بل ثبت بأن رسول الله r أباح اللعب والفرح يوم العيد فعن أنس t قال: "قَدِم النبيّ r المدينة المنورة ولهم يومان يلعبون فيهما، فقال: ما هذان اليومان؟ قالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهلية، فقال رسول الله: قد أبدلكم الله تعالى بهما خيرًا منهما: يومَ الفطر والأضحى"([3]).

وبالقرب من بيت رسول الله r أقيمت إحتفالية أخرى للأطفال فرحًا وسرورًا وابتهاجًا بالعيد، وهم يرددون بعض الأناشيد في مدح رسول الله r وهي غاية في الروعة والجمال حيث تقول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: كان رسول الله r جالسًا فسمعنا لَغَطًا وصوت صبيان فقام رسول الله r؛ فإذا حبشية تزفن (تتمايل وتلعب) والصبيان حولها، فقال: "ياعائشة تعالي فانظري" فجئتُ فوضعتُ لحيي على منكب رسول الله r، فجعلت أنظر إليها ما بين المنكب إلى رأسه، فقال لي: "أما شبعت؟ أما شبعت؟" قالت: فجعلت أقول: لا؛ لأنظر مَنْزلتي عنده، إذ طلع عمر بن الخطاب، قالت: فارفضَّ الناسُ عنها، قالت: فقال رسول الله r: "إني لأنظر إلى شياطين الإنس والجن قد فرُّوا من عمر" قالت: فرجعت"([4]).

ولذلك أخذ العلماء ضرورة التوسعة على الأولاد والأهل في أيام العيدين، وإدخال الفرحة والسرور على قلوبهم، لكن بدون الوقوع في المحرمات، أو ارتكاب فواحش ومعاصي تخالف الشرع الحنيف، وكذلك الرفق بالنساء ومحاولة إيجاد المودة والألفة بين الزوجين في هذه الأيام.

ولنا في رسول الله r قدوة وأسوة حسنة فخروج رسول الله مع عائشة ووقوفه معها مع منزلته وعلو مكانته r لأكبر دليل للأباء والأزواج في فن التعامل في البيت والرفق بأهله، ومحاولة إسعادهم.

وقد كان يوم العيد يبدأ في بيت النبي r بالاغتسال والتجمل، فقد كان r يلبس للعيدين أجمل ثيابه، وكان له حُلة يلبسها للعيدين والجمعة، ثم يذهب لمصلى العيد من طريق ويعود من طريق آخر، ويصافح الناس في الطريق.

فالعيد في الإسلام شعيرة عالية ومتكاملة، توازن بين حاجات الروح والجسد، فالعيد يأتي بعد فريضة كبيرة فرضها الله تعالى على عباده، ليتوج هذه الشعائر بعدما امتثل العباد لأوامر الله تعالى، فعيد الفطر يأتي بعد صيام شهر رمضان الكريم، وعيد الأضحى يأتي بعد فريضة الحج؛ ليحقق ربنا لهم ما قاله في قوله تعالى: (قُلْ بِفَضْلِ الله وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ)([5]).

فالعيد فرحة وسرور، وتوسعة على الأهل والأقارب، وامتثالًا لأوامر رسول الله r، ورفقًا بالنساء ورحمة بهم، وإظهارًا لشعائر الله تعالى، هكذا كان العيد في بيت المصطفى r.



[1])) البخاري: صحيح البخاري، ج2، ص16، حديث رقم 949.

[2])) البخاري: صحيح البخاري، ج2، ص16، حديث رقم 950.

[3])) أبو داود: سنن أبو داود، ج1، ص295، حديث رقم 1134.

[4])) الترمذي: سنن الترمذي، ج6، ص62، حديث رقم 3691.

 

[5])) سورة يونس: الآية رقم: 58.