الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

حافظ جميل.. شاعر عراقي تغزل في زميلته بالجامعة فاشتكته.. واحتفظ بأسرار الكثيرات من النساء

صدى البلد

يتسع الشعر الوطني عند الشاعر العراقي حافظ جميل، الذي تحل اليوم ذكرى وفاته، ليشمل التاريخ والسياسة والغناء لبغداد، وتمتد خمرياته لتتسع لذكريات شبابه وأسى شيخوخته وقلقه على مصير شعره، يتجلى في كل إبداعه خصوصية شعوره وشجاعة مواقفه واعتزازه بذاته، وكانت لغته، وصوره، وإيقاعاته، أقرب إلى دعوات التجديد، وقصائده الخمرية تؤكد قدرته على أن يبدع في الموضوع المطروق حتى يتجاوز المألوف، ولقّب بأبي نؤاس بغداد أو أبي نؤاس القرن العشرين، ويعد من أعلام الشعر العربي في القرن العشرين.

ولد حافظ بن الشيخ عبد الجليل بن أحمد بن عبد الرزاق بن خليل بن عبد الجليل بن جميل في بغداد من أسره عريقه محافظة شامية الأصل، جاءت إلى العراق واستوطنت بغداد، نشأ في بيئه محافظة، درس اللغة والأدب العربي على يد منيرالقاضي وقرض الشعر صبيا حيث أصدر "جميلياته" وهو لايزال على مقاعد الدراسة الثانوية، لكنه لم يكد يبلغ السابعة عشر من عمره حتى شد الرحال إلى بيروت التي أثرت فيه كثيرا، عاش في العراق ولبنان وتلقى تعليمه قبل الجامعي في مدارس بغداد، كما درس علوم العربية على أبيه، وبعض أعلام الأدب، ثم التحق بالجامعة الأمريكية في بيروت، ودرس التاريخ الطبيعي في كلية العلوم وتخرج فيها عام 1929.

عين مدرسًا في الثانوية المركزية في بغداد، ثم في دار المعلمين الابتدائية، ثم تنقل في وظائف إدارية، إلى أن تقاعد وهو مفتش عام في البريد، وكان عضوًا مؤسسًا لاتحاد المؤلفين والكتاب العراقيين، منحه لبنان وسام الأرز عام 1960، وأقيم له حفل تكريمي في بغداد عام 1975.

وفي لقاء صحفي أجراه معه الصحفي الراحل رشيد الرماحي ونشر عام 1977 م في جريدة ألف باء، يقول: "حين زرته في بيته كان مشغولا باعداد ما سيقوله في الحفل التكريمي يساعده على الكتابة اثنان من أصدقائه وقال لي: إنه منذ عام 1963 أجريت له ثلاث عمليات جراحية في كلتا عينيه وقبل عام من الآن فقد اليسرى تماما واستعان بعدسة لليمنى كي تساعده على القراءة والكتابة ونظرًا لتدهور صحته فقد برم بالحياة وأصبح يشكو وهو يردد مطلع آخر قصائده.. اعني فليس الرز هينا لاصبرا ودع عبرتي منهلًا لتعبيرا ابى الله إلا أن يدب بي الفنا وتبلى عظامي قبل أن اسكن الثرى".

ويتابع الرماحي: " كنت أنا أنصت اليه، حائرا من أين أبدأ مع حافظ جميل الذي نظم أكثر من 200 قصيدة خلال نصف قرن نشرت فيه خمسة دواوين معظمها أصبح مفقودا الآن،  بدأ في الغزل وانتهى متصوفا بسبب حبه الأول لقصيدته الوجدانية الأولى وكاد يطرد من الجامعة وهو شاب في الثامنة عشرة من العمر، عندما سمع الرصافي القصيدة تنبا له بان يكون شاعرا كبيرا في العراق مستقبلا، ويوم قراها على شوقي رشحه خليفة له فيما قال آخرون عن شعره انه يجمع بين ديباجة المتنبي وفلسفة المعري، ثائر بأربعة شعراء في مقدمتهم أبو نؤاس الذي يخالفه في خمرياته المجونية بعكس دعوته هو للتوبة والغفران من خلال كاس الخمر".

ويبدأ الشاعر كلامه فيقول: "ولدت في محلة قنبر علي سنة 1908 درست الابتدائية في مدرسة السلطاني ابان الحرب العالمية الأولى وبعد سقوط بغداد دخلت المدرسة الحيدرية وكان مديرها يومئذ المرحوم عبد المجيد زيدان وفي هذه المدرسة كنت على موعد مع الشعر والحب معا، واتجهت إلى الشعر عن طريق الحفظ والإلقاء أمام طلاب ليصفقوا لي، دخلت الثانوية عام 1921 وبعد عامين أصدرت ديواني الأول الجميليات وكانت قيمته روبية واحدة ولانسى هنا جهود استاذي المرحومين طه الراوي ومنير القاضي في تصحيح بعض أبيات ديواني الأول، وفي سنة 1925 التحقت بالجامعة الأمريكية ببيروت، وتعرفت خلال سني دراستي على طلبة ينظمون الشعر منهم المرحوم إبراهيم طوقان، ود. وجيه البارودي، و د. عمر فروخ، كنا أربعة ننظم قصائد مشتركة حتى تجمعت على شكل ديوان سميناه (الديوان المشترك) ولكنه فقد ولم يطبع مع الآسف الشديد".

وينتقل في حديثه إلى المرأة فيقول: "كان عمري لايتجاوز التاسعة عشرة استهوتني الحياة الجامعية الجديدة وبدات استوحي منها القصائد الغزلية والوجدانية وأشهرها (يا تين. ياتوت. يارمان. يا عنب) التي غناها المرحوم ناظم الغزالي والقصيدة قيلت في زميلتي (ليلى تين) وهي دمشقية من الشام تعلقت بها، ونظمت فيها العديد من القصائد فقد معظمها ولم يسلم من الضياع إلا ما كنت قد نشرته في بعض المجلات والصحف، واشتكت ليلى تين إلى عميد الجامعة من أن الطلاب يضايقونها في قصائدي عندما كانت تمر من أمامهم وكدت أطرد بسببها خصوصا وأن تلك السنة التي نظمت فيها هذه القصيدة كانت بداية تعليم الجنسين في هذه الجامعة، وعندما تخرجت أتممت القصيدة وصرخت باسم صاحبتها فتوطدت علاقتي معها وزادت معرفتنا بعد تخرجنا وتخرجها هي الأخرى حين عملت كمدرسة في دار المعلمات ببغداد".

ويؤكد: "ليلى تين هي غزلي الحقيقي وبعدها عرفت النساء بالعشرات قسم منهن كشفت عن اسمائهن بعد موافقتهن طبعا، وفي الحفل التكريمي سابوح بذلك لأول مرة فيما احتفظت باسرار الكثيرات منهن اللواتي لم يرغبن ان أبوح أو اتطرق اليهن ولو من بعيد أو قريب على حد سواء".

حافظ جميل له خمسة دواوين هم: «الجميليات» و«نبض الوجدان»، و«اللهب المقفى»، و«أحلام الدوالي»، و«أريج الخمائل».

وتقدم بشاعرنا العمر وخرج على التقاعد وعاش شيخوخه هادئه إلى أن وفاة الأجل عن عمر يناهز الثمانين عاما في بغداد يوم الجمعة 4 مايو سنة 1984 ودفن في مقبرة الشيخ معروف الكرخي إلى جانب والده الذي توفي سنة 1957، وقد نشر خبر وفاته في جريدة الجمهورية ورثاه الكثير من الشعراء، ومنهم كاظم الخلف في قصيده طويله قال فيها:

ماذا أقول وكيف يفصح قائل ** وأمامه رب الفصاحة مائل

حاولت أبياتا تليق بقدره ** وأتيت أتقل كيف رحت أحاول