الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

د. خالد عبدالعال أحمد: ميراث النبوة

صدى البلد

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه إلى يوم الدين، وبعد؛

  إن الميراث الحقيقي ليس مالا أومتاعا أو درهما أو دينارا، إنما الميراث الحقيقي هو ماورثه الصحابة الكرام  - رضي الله عنهم - عن نبيهم - صلى الله عليه وسلم  - فلم يورثهم  - صلى الله عليه وسلم  - مالا ولا متاعا ولا دينارا ولا درهما وإنما ورثهم العلم،  ورثوا القرآن الكريم والسنة المطهرة وما يتعلق بهما ما أحكام ، وهذا الميراث هو الذي أدركه وفهمه الصحابي الجليل أبو هريرة  - رضي الله عنه  - يوم أن رأى الناس قد اشتغلوا بالدنيا وانغمسوا فيها وانصرفوا إليها ، فوقف في وسط السوق ونادى قائلا: (يا أهل السوق: إن ميراث رسول الله يقسم وأنتم هنا، ألا تذهبون فتأخذوا نصيبكم منه! فقالوا: وأين هو؟! قال: في المسجد. فأسرع الناس إلى المسجد ثم رجعوا إلى أبي هريرة فقال لهم: ما لكم رجعتم؟! قالوا: يا أبا هريرة: قد ذهبنا إلى المسجد، فدخلنا فيه فلم نر فيه شيئًا يقسم! فقال: وماذا رأيتم؟! قالوا: رأينا قومًا يصلون، وقومًا يقرؤون القرآن، وقومًا يذكرون الحلال والحرام، فقال لهم أبو هريرة: فذاك ميراث محمد -صلى الله عليه وسلم).( )

 تسابق الناس إلى المسجد  ظانين أن الذي يقسم ذهب وفضة ومال وليس الأمر كما ظن هؤلاء لأن الأنبياء لم يورثوا مالا ولا دينارا وإنما ورثوا الناس العلم الذي يدلهم علي خالقهم  ويرشدهم إليه وقد أخبر عليه الصلاة والسلام  - بذلك  فقال: (إنَّ العلماءَ ورثةُ الأنبياءِ، وإنَّ الأنبياءَ لم يُورِّثوا دينارًا ولا دِرهمًا، وإنما ورّثوا العلمَ، فمن أخذهُ أخذَ بحظٍّ وافرٍ)( ).

 لقد فهم الصحابة - رضي الله عنهم - أن ميراث رسول الله -  صلى الله عليه وسلم - الحقيقي هو القرآن الكريم والسنة المطهرة و ما يتعلق بهما من أحكام والعمل بهما، أخرج الخطيب البغدادي بسنده عن سليمان بن مهران قال: (بينما ابن مسعود - رضي الله عنه -  يومًا معه نفر من أصحابه إذ مرَّ أعرابي فقال: على ما اجتمع هؤلاء؟ قال ابن مسعود  - رضي الله عنه - : على ميراث محمد صلى الله عليه وسلم يقسِّمونه).( )

 فمن أراد أن يرث- النبي صلى الله عليه وسلم  - فعليه بمدراسة الكتاب والسنة ومعرفة ما فيهما من أحكام وأوامر ونواهٍ، ومن تفقه في دين الله فقد أراد الله به الخير كما أخبر - عليه الصلاة والسلام  - بذلك فقال: (من يرد الله به خيرا يفقه في الدين).( )

 وإن كان الله تعالى قد أوجب على العلماء حفظ هذا الميراث -  القرآن الكريم والسنة المطهرة - كله وصونه عن أيدى العابثين به والدفاع عنه ضد المعتدين وحفظه وتعليمه ونقله لمن يأتي بعدهم كما ورثوه عن الصادق المعصوم صلى الله عليه وسلم - من غير زيادة أو نقص أو تحريف أو تبديل، فإنه يجب على كل فرد من أفراد الأمة  أن يأخذ  من هذا الميراث ما يعرف به خالقه ويصحح عقيدته ويؤدى عبادته.

 إنهم إن  فعلوا ذلك فقد أدوا ما عليهم تجاه  ميراث رسول الله -  صلى الله عليه وسلم  - وإن لم يفعلوا فقد خانوا الأمانة وخسروا دينهم ودنياهم واستبدلهم الله بقوم آخرين ليؤدوا الأمانة كما أراد الله تعالى.

 وما أجمل أسلوب سيدنا أبو هريرة - رضي الله عنه  - فقد استطاع أن يفتح قلوب هؤلاء ويوقظ عقولهم فاختار الأسلوب الأمثل  الذي يناسبهم والذي يدل على حبه لهم  وشدة حرصه عليهم وما أحوج الدعاة في عصرنا هذا إلى مثل هذا الأسلوب الذي يأخذ بمجامع القلوب ، لقد استطاع سيدنا أبو هريرة  - رضي الله  - أن يجعل هؤلاء  يولوا وجوههم شطر حلق  القرآن والعلم والذكر ليقطعوا من وقتهم جزءا يعبدون فيه خالقهم ويدرسون كتابه وسنة نبيه  - صلى الله عليه وسلم  - ويتعلموا العلم ، فيعرفوا الحلال والحرام  فتصفوا نفوسهم وتعلوا أرواحهم ، وتتعلق قلوبهم بكتاب الله وسنة نبيه  - صلى الله عليه وسلم - .

 وقد حمل علماء الأزهر الشريف -  ولا يزالون -   أمانة ميراث رسول الله - صلى الله عليه وسلم  - فقاموا بتبليغه للناسوتعليمه لهم، ودافعوا عنه ضد كل من يحاول تشويهه أو السخرية منه أو الاستهزاء به أو الاعتداء عليه، بالحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن كما أمر الله تعالى.

فاللهم اجعل لنا من ميراث نبيك  - صلى الله عليه وسلم  - نصيبا .