الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

مصطفى الشيمى يكتب: أنت مجرد رجل مكرر

صدى البلد


الوقت يمضى .. والنهار يسرع ...والليل ينتصف ..الصوت ينخفض وتتحول الطبيعة النابضة إلى لوحة ذابلة لأمراة بدون مكياج ، الآثاث مصطف فى ثبات كل منهم ينظر إلى الآخر وكأنه يتكلم ، تحمل مقابضه بصمات متلاصقة متنوعه ، تجد على الأرض آثار الأحذية والأقدام العارية ، الصمت  هنا يلف المكان ويدوى له صوت فى الأذن ، تطفو بداخلك أزقة مبعثرة كالخيل الضالة فى صحراء واسعة ، تبدو بهيئة منظمة حتى سعالك الذى تعانى منه والذى تضاعف بعد الكمامة والمطهرات الكحولية فالجميع يعلم متى تسعل  ليلًا وكأنك فى عالم بلا هواء نقى ، ألوح بيدى فى وجه الذباب البغيض الذى يطير على وسادتى ويغطيها كحبوب الفلفل الصغيرة ، وكأنه الحر الذى لايطاق ، أمسح عرق جبينى واتضرع بالدعاء لكل من تنامي عنده شعور الكره للشتاء الدافئ ،  أغلق التلفاز فى غضب و ألعن كل محاولات التلاعب بإيجاد مصل أو لقاح لمرض جديد ثم ألوى شفتى وأترك الغرفة وأعاود الجلوس بمفردى أنبش فى الأرض بأصابع قدمى وأتأمل كل فتات الصغار وأتخيلها جنود وحصون تدافع وتهاجم بدون عواطف ، فالعواطف هنا تجارة ولا يمكن أن تهب لأحد ساعة من عمره مهما بلغ نقائها بداخله ، أرقد كالعربة المفككه فى مكانها ، كل جزء منها فى مكان ، كل شئ فى وجودى مفكك حتى أحلامى وافكارى ، وإن نويت أن أجمع أجزائى بعضها على بعض و كلما أردت أن أصل إلى قرار تافه مثل اضاءة المصباح ، أما البت فى قرارات كبيرة فقد أصبح مستحيلًا ، فلا يمكن أن تحرك سفينة شاهرة شراعها بدون رياح ، سلك رفيعًا مفقودًا يمنع التواصل بين القلب والعقل والنظر ، لو فتحت الجرائد لوجدت حكايتى منشورة فى سطرين فى جريدة قديمة صدرت قبل أن أُولد  ... ولوجدتها فى كل جريدة .. وفى كل يوم .. لتصل إلى حقيقة واضحة وثابته وهى أنك مجرد رجل مكرر فلا تملك من الحياة إلا ساعات فى العمر وأيام تعيشها بقطع النفس بملامح شاحبة تشرف على سقوط مدوى . وقتها تدرك أنه لا يستوجب حقن العضل بل تحتاج إلى حقن فى المخ حتى تدرك قيمة خطوط الضوء الأبيض السارح فى خصلات شعرك ، ثم أجرى كالفأر إلى النافذة لاستمع خطوات زاحفة لإقدام رجل مسن ، أُحلل خطواته المنهكه ، ثم أُسرِع إلي الباب واسمع واقع أقدام غريبة وهى تبتعد وعائده من حيث أتت ، والواحة الخضراء تبتسم لى من بعيد ، حتى توقظنى بهزة عنيفة فى كتفى كهجوم قطة هائجة بأظافرها علىَ قائلة : اصحى كل حلم وأنت طيب ، والحقيقة أنه غلبني  نوم اليقظة  ، أغمضت عينى  ولكنى ظللت مؤرقًا وكأن شخصًا ما يدندن تحت نافذتى ، قمت أسير على أطراف  أصابعى وأنتفض كأنى فائق  من إغماءه ، فالرواية لم تبدأ بعد والستار مسدل وأحد أبطال الحكاية فى ثياب الكاهن ولكنه يفكر فى حِمل يومه الذى لا يتغير فكيف يعيش الإنسان  فى غرفة محكمة لا يدخلها نور الشمس ثلاثين عامًا متتاليًا ويزاول عملًا واحدًا لا يتغير كل يوم  ومع ذلك يجد القدره على التنفس والابتسامة ، ولكننى قرأت الجواب على سؤالى ... مكتوبًا على وجوه الناس...!