الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

ألمانيا ضوء في نهاية النفق.. معادلة الشفافية والوعي تعبر بالبلاد محنة كورونا بأقل الخسائر.. ووزير الصحة يكشف وصفة النجاح

صدى البلد

  • المنظومة الصحية المتطورة والتقدم التكنولوجي والقيادة الحازمة عوامل ضمنت النجاح لألمانيا في تجاوز الأزمة
  • الحكومة الألمانية اختارت مصارحة الشعب منذ البداية بالحقائق 
  • ألمانيا تخطو أولى خطواتها نحو عودة الحياة الطبيعية
  • التعاون الطوعي للمواطنين مع الحكومة تجربة ألمانية فريدة من نوعها


يمكن القول دون مبالغة إن ألمانيا باتت النموذج الأنجح أوروبيًا، إن لم يكن عالميًا، لاحتواء فيروس كورونا المستجد "كوفيد-19"، ويمكن عزو هذا النجاح إلى عوامل عدة، في مقدمتها المنظومة الصحية المتطورة والتقدم التكنولوجي والقيادة الحازمة، لكن الأهم من كل ذلك هو العامل الذي لا يصعب على أي دولة أخرى استنساخه: الالتزام ببناء الثقة بين الحكومة والشعب.


وفي موقع المنتدى الاقتصادي العالمي، نشر وزير الصحة الألماني جينس سبان مقالًا حدد فيه 3 أسباب ساعدت ألمانيا على عبور ذروة أزمة فيروس كورونا بسرعة وبخسائر قليلة نسبيًا، مقارنة بالدول المحيطة بها في أوروبا.


أول تلك الأسباب هو المنظومة الصحية ذات الكفاءة نادرة النظير، فكل مريض بفيروس كورونا في ألمانيا احتاج إلى الرعاية الصحية وصل إليها بسهولة، ولا يعود الفضل في ذلك إلى الحكومة الحالية برئاسة المستشارة أنجيلا ميركل وحدها، وإنما الى جهود حكومات سابقة ممتدة على مدى سنوات طوال، ومع وجود شبكة غنية من الأطباء الممارسين العامين القادرين على التعامل مع الحالات غير الخطرة من إصابات فيروس كورونا، أمكن توفير وقت وجهد الأطباء المتخصصين الأكثر خبرة للتعامل مع الحالات الحرجة.


والسبب الثاني هو أن ألمانيا لم تكن أول بلد يغزوه فيروس كورونا، ولذا توافرت لديها فسحة من الوقت للاستعداد بشكل جيد، لا سيما فيما يتعلق بزيادة عدد الأسرّة الطبية بشكل عام وأسرّة العناية المركزة بشكل خاص، وفي غضون فترة قصية للغاية أمكن توفير 12 ألف سرير عناية مركزة ليبلغ عددها الإجمالي 40 ألف سرير.


أما السبب الثالث والأخير فهو أن ألمانيا تضم عددًا كبيرًا من المختبرات القادرة على إجراء عدد كبير ودقيق من الاختبارات لاكتشاف الإصابات بفيروس كورونا، كما تضم نخبة مميزة من الباحثين المتخصصين في مجال الفيروسات، ولذا لم يكن غريبًا أن تكون ألمانيا هي البلد الذي أنتج اول اختبار سريع للكشف عن الإصابة بالفيروس، وفي الوقت الحالي باتت المنظومة الصحية الألمانية قادرة على إجراء مليون اختبار يوميًا لسكان يبلغ عددهم نحو 83 مليونًا، وعما قريب ستكون قادرة على إجراء 5 ملايين اختبار للأجسام المضادة شهريًا.


وأضاف وزير الصحة الألماني أنه بالرغم من كل تلك المزايا فلا يمكن لألمانيا أو لأي بلد آخر حصر وتحديد جميع الإصابات بفيروس كورونا بلا استثناء، لأن كل لحظة تمر تعني إصابات جديدة محتملة، ومع ذلك فإن السلطات الألمانية لم تفرض حظر تجول، وإنما نصحت المواطنين بالبقاء في المنازل طوعًا، وأثبتت التجربة مدى نجاعة إجراءات الحكومة الألمانية للحد من انتشار الوباء.


ولا أدل على ذلك من أن ألمانيا كانت من أول البلدان اتجاهًا لتخفيف إجراءات الإغلاق تدريجيًا بعدما أدت المهمة المطلوبة منها في الحد من انتشار فيروس كورونا، مع عدم إغفال المخاطر التي ينطوي عليها التسرع في رفع القيود، لا سيما مع حداثة التجربة وكونها أول اختبار لتخفيف إجراءات الإغلاق، وسط مخاوف من انتشار موجة ثانية من الوباء.


وتابع سبان أنه لا يزال من المبكر استخلاص الدروس من التجربة الألمانية في مواجهة فيروس كورونا، لكن يمكن الخروج بانطباعات أولية، في مقدمتها أن الحكومة الألمانية اختارت منذ اللحظة الأولى للأزمة الشفافية الكاملة في مصارحة المواطنين بما تعرفه وبما لا تعرفه على السواء، في سبيل بناء جسور للثقة أثبتت التجربة مدى ضروريتها، ففي بلد ديمقراطي مثل ألمانيا لا تستطيع الحكومة إجبار المواطنين بالقوة على تغيير سلوكهم، أما المصارحة وبناء الثقة فتسهل الاستجابة الطوعية من المواطنين لتوجيهات السلطات.
 

وفي ألمانيا، كان العامل الحاسم في مقاومة تفشي الوباء هو رهان السواد الأعظم من المواطنين على صدق الحكومة وكفاءتها، واختيارهم التعاون طوعًا معها مدفوعين بحس المسئولية عن الذات والآخرين.


ونبه سبان إلى أنه على الحكومة الألمانية تكرار التأكيد باستمرار على أنها تراهن بدورها على وعي المواطنين وتفهمهم لحقائق الموقف، وإدراكهم أن العودة إلى الحياة الطبيعية بالكامل لن يكون ممكنًا إلا بعد التوصل إلى لقاح مضاد لفيروس كورونا، وأن ما هو ممكن حالًا هو الموازنة بين العودة إلى الحياة الطبيعية بقدر الإمكان مع الالتزام بالإجراءات الوقائية بقدر الإمكان، وأن التباعد الاجتماعي لا يزال الطريقة الأكثر فعالية للوقاية.