الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

منى زيدو تكتب: الحرية في زمن الكورونا

صدى البلد

أثبتت جائحة كورونا منذ شهور أن المجتمعات الإنسانية يتم تسييرها عبر الآلة الإعلامية الدولية المملوكة لبعض الشركات التي لديها أسبابها لنشر الفوضى بالمعلومات حول هذا الفيروس الذي انتشر من دون مقدمات عبر العالم. كثرة المعلومات التي يتم بثها عبر وسائل الاعلام الرسمية منها وعبر شبكات التواصل الاجتماعي إن كانت بشكل مباشر أو غير مباشر، جعلت الانسان يتوه في هذا الكم الهائل من الارشادات المتناقضة حول كيفية الوقاية من فيروس كورونا، إن كان ذلك عبر اتباع بعض الأدوات الوقائية كالكمامات أو المواد الكحولية والنظافة. لكن الواقع بنفس الوقت يوضح لنا أنه حتى الالتزام بهذه الارشادات فيها من التناقضات تجعل الانسان لا يعرف لمن من هذه الجهات يصغي إليها.

هذا الكم من المعلومات المغلوطة وغير الواضحة والتي أثبتت أن الانسان بات منقادًا لها بشكل غير مباشر وجعلته أسيرًا لها لا حول له ولا قوة، حتى أنه بالمقدور أن نقول أنه أصبح الانسان عبدًا مطيعًا لهذا الكم من المعلومات. وصلنا لمرحلة حبس أنفسنا بإرادتنا الذاتية ضمن نطاق ضيق من مساحة الوطن التي كانت بالأساس صغيرة علينا. الحبس المنزلي ربما يكون أداة لتربيتنا على ثقافة جديدة لم نكن متعودين عليها، ويسعون لتحديد سلوك وأسلوب حياتنا عبر المعلومات التي يضخونها في كيفية تعاملنا مع من حولنا.

حالة الفوضى التي كنا نعيشها أثبتت بشكل واضح أنه علينا إعادة ترتيب عاداتنا وثقافتنا من جديد تحسبًا لما هو قادم ومجهول الأسباب ومعلوم التداعيات. فوضى لم نكن نحس بها أنها كانت عنوانًا وسلوكًا لتصرفاتنا اليومية التي لم يكن قوانين ملزمة بها. نتصرف كما نشاء ونقول ما نريد وننام متى ما أردنا ونستيقظ حينما نريد نأكل ما ترغبه أنفسنا، نخرج ونعود للبيت متى ما أحسسنا بالجوع أو النوم حتى أصبحنا غرباء عن أهلنا وأطفالنا، تحت حجة العمل أو الشغل أو غيرها من الأسباب التي كانت تجعلنا نصرّ على التحرك وفق كيفيتنا التي لم تكن لها حدود.

الآن فقط عرفنا معنى أننا كنا نعيش الجهل في معرفة قيمة الوقت والقيم والحياة والمعنى والعائلة التي كانت من آخر أولوياتنا. في زمن الكورونا ينبغي أن نلتزم الحرية أكثر ونقترب منها بمعنويات كبيرة كي نحصّن ذاتنا من تداعيات الفوضى التي كنا نعيشها من دون وعي. الحرية تعني الالتزام والإرادة والوعي تمامًا بمعنى الحياة التي هي أساس وجود الانسان في هذه الطبيعة.

حين النظر إلى الكون ومقدار الدقة التي فيه وتحرك النجوم والكواكب ودوران الأرض وتعاقب الليل والنهار والفصول، كل ذلك يسير بدقة متناهية لا يمكن لأية قوة أن تتدخل في حركتها، بهذا الالتزام الصارم التي تتمتع به تمنح للكون جماله ورونقه البهي وبنفس الوقت تمنحه الحرية التي من خلالها يعطي المعنى لهذا الكون. فبمجرد القول لولا وجود هذه الدقة والالتزام والترابط فيما بينهم، كيف سيكون شكل هذا الكون إن تحرك كل نجم وفق ما يرد، الجواب البسيط أنه لن تكون هناك حياة بالأساس.

الفوضى هي الجهل وبنفس الوقت العدم وعكس ذلك كله هو الحرية والالتزام والوعي وإعطاء المعنى للحياة. وهذا لا يعني أن الحرية هي أن تفعل ما تريد بل على العكس، الحرية لها قوانينها الصارمة التي لا يمكن الخروج عنها تحت أي سبب كان والذي يحدد حدود الحرية هو الأخلاق المجتمعية. يقول الكاتب الفرنسي ريبيكيو كونستانت: "بالطبع الكل يحلم بحرية هادئة بعيدة عن المصاعب والمشاق، لكن المصاعب هي جزء من الحياة وتكوينها، لأننا لا نعرف قيمة الحياة وحتى قيمة الحرية إذا لم نتعامل مع الصعوبات"، وهذا يعني تحمل مصاعب الحياة هو الذي يعطي الحرية معناها وقيمتها المعنوية. ولكن الحدود هي الأساس في التعامل مع الآخر الذي له أيضًا حرية الحركة والحياة. وحسب ما يقول هوبز: "إن حرية الانسان تنتهي عند حرية الآخرين، لأننا هنا أمام بعد أخلاقي على علاقة بالحرية".

في زمن الكورونا علينا أن نلتزم قوانين الحرية التي تلزمنا بشكل صارم في عدم التعدي على حرية الآخرين. وهذا النقطة الهامة التي نفتقدها في مجتمعاتنا بشكل كبير، وهي أننا لا نريد الاعتراف أن للآخرين حدود ونتقرب منهم كيفما نشاء ووفق ما نريد، وهنا تكون المصيبة الكبرى في مدى انتشار هذا الفيروس والنتيجة تكون كارثية على المجتمع.