الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

سد النهضة.. لعبة بنوك المياه فى حوض النيل.. كتاب جديد يكشف سيناريوهات البيع والخصخصة للنهر

صدى البلد

حذر كتاب جديد بعنوان "سد النهضة.. لعبة بنوك المياه فى دول حوض النيل" للكاتب الصحفى مصطفى خلاف، من تداعيات السد الإثيوبى على مختلف أشكال الحياة فى مصر، مشيرا إلى أن ما يجرى يكشف عن واحد من أخطر السيناريوهات التى جرى التخطيط لها منذ فترة وتتلخص فى إنشاء مجموعة من السدود بامتداد الهضبة الإثيوبية لتخزين المياه والتحكم فيها، وهو ما تصدت له مصر فى مراحل مختلفة من تاريخها.


وأوضح الكتاب - الذى يناقش على مدار 12 فصلا أبعاد أزمة سد النهضة وتسعير المياه والصادر عن دار "أوراق" للننشر والتوزيع  - أن ما بذلته مصر من جهد  على مدار السنوات الماضية خلال المفاوضات وصولا للمحطة الأخيرة التى جرت برعاية من الوسيط الأمريكى على أمل التوصل لاتفاق عادل يضمن عدم وجود تأثيرات سلبية للسد على  نواحى الحياه المختلفة والتى أقل ما توصف به أنها ستكون "مرعبة"، يحمل فى طياته أكثر من معنى أهمها تقديم مصر وقيادتها لمبدأ حسن الجوار وعدم الإضرار بمصلحة إثيوبيا، وهو ما تضمنه اتفاق إعلان المبادئ 2015، غير أن  رياح المفاوضات وتعنت الجانب الإثيوبى وخبثه جاء بما لم تشتهيه سفن الثقة والأمان التى كان يسافر بها المفاوض المصرى بين العواصم  لحضور هذه المفاوضات وصولا إلى العاصمة واشنطون التى شهدت انسحابا إثيوبيا من الجولة الأخيرة بها وعدم التوقيع على الاتفاق النهائى.


ونبه الكتاب على أن مصر قدمت كل الدعم للدول الأفريقية، خاصة دول حوض النيل، وأنها لم تعترض على مشروع سد النهضة طالما أنه لن يؤثر على حصتها من المياه ومن منطلق علاقات حسن الجوار وتفعيلا لمبدأ بناء الثقة بين دول حوض النيل، حيث وقعت على اتفاق إعلان المبادئ عام 2015 وجلست إلى مائدة المفاوضات لوضع حلول عادلة ومتوازنة إلا أنها فوجئت بانسحاب وتصعيد الجانب الإثيوبى.
 

وأشار إلى أنه مع الزيادة في عدد سكان مصر بالتزامن مع مشروعات التوسع الأفقى الجديدة، فإن الطلب على المياه سوف يزداد بوتيرة عالية خلال الفترة المقبلة نتيجة لزيادة الطلب على الغذاء ولتلبية متطلبات الحياة المختلفة، غير أن مكمن الخطورة فى أن الغالبية العظمى من موارد مصر المائية  الممتمثلة فى نهر النيل تأتى من خارج حدود القطر المصرى وهي مياه مشتركة تأتى من منابع حوض النيل ونحو 85% منها يأتى تحديدا من المرتفعات الإثيوبية.


وكشف كتاب "سد النهضة.. لعبة بنوك المياه فى حوض النيل" للكاتب الصحفى مصطفى خلاف أن البنك الدولى قد تبنى المفاهيم الخاصة بتسعير وخصخصة المياه فى تقريره المنشور عام 1997 تحت عنوان "من الندرة للأمان"، حيث يرسم هذا التقرير إطارا عاما لسياسة طويلة المدى لإدارة عرض المياه، والطلب عليها فى الشرق الأوسط، ويرى أن الأسلوب الأمثل هو إقامة سوق عالمية واقليمية للمياه، وأن جامعة هارفارد الأمريكية  تبنت فى دراستها لمشكلة  المياه فى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا هى الأخرى نموذج تسعير المياه بالتزامن مع تقرير البنك الدولى.


وواصل الكتاب فى سياق الكشف عن حقيقة دور سد النهضة قائلا: "ظلت فكرة إنشاء سد بمواصفات خاصة على منابع النيل الأزرق فى إثيوبيا تتردد من وقت لآخر طوال العقود الماضية، وبرزت بوضوح خلال المشروعات التى تضمنتها ما يعرف بمبادرة حوض النيل التى لم يكتب لها النجاح والتى جاءت بدعم ورعاية من  البنك الدولى، وتلخص جانب منها فى بناء سد لحجز المياه فى إثيوبيا وتنظيم خروجها من الخزان الذى سيتكون أمامه بانتظام وعلى مدار السنة بدلا من النمط الحالى الذى يأتى بمعظمها فى موسم واحد، وأنه فى حال نجاح المخطط الإثيوبى فى ملء وتشغيل السد فإنها ستحجز لنفسها 6.5 مليار متر مكعب فى السنة وتطلق الباقى بمعدل 3.6 مليار متر مكعب فى الشهر "بعد حجز 3% من الماء سيضيع فى البخر فى هذا الخزان" لاستخدامات مصر والسودان وإطلاق الماء بانتظام من إثيوبيا وفى المقابل إلغاء دور السد العالى.


وتضمن كتاب "سد النهضة.. لعبة بنوك المياه فى حوض النيل" التأكيد على أن  تشغيل سد النهضة يعنى أن مصر ستخسر أحد أهم رموز إرادتها الوطنية وهو السد العالى الذى دخلت الحرب، ووقفت شامخة أمام عتاة المستعمرين من أجل بنائه ويعد واحدا من أهم أدواتها لتثبيت أمنها القومى، مشيرا إلى أن بناء السد الإثيوبى سينقل عملية التخزين القرنى للمياه إليها وسيجعل مصر رهينة لهذه الدولة، وهو المصير الذى كانت مصر وعلى طول تاريخها الحديث تسعى جاهدة لكى تتفاداه بالحفاظ على الوضع القائم ومنع تدخل أى طرف ثالث فى أمور النهر إن أمكنها ذلك أو احتواء  آثار هذا التدخل إن لم تستطع منعه.


ونبه الكتاب إلى أن إنشاء مثل هذا السد عند منابع النيل سوف يكون له آثار جانبية ضارة، فمنع وصول الطمى إلى مصر والسودان سيتسبب فى تعرضهما لأخطار كبرى، فحجز الطمى سيغير من نظام النهر وسيطلق جزءا من طاقته التى كان يصرفها فى حملة فتزيد قدرته على النحر سواء على جانبيه أو لتعميق مجراه مما سيجعله نهر صعب المراس ستحتاج حماية جسوره والأراضى التى تحفه والمنشآت المقامة عليه إلى أكبر الجهد وأعظم التكلفة.


وأشار إلى أن سد النهضة سيكون له تأثير واضح وكبير على هيكل الانتاج الزراعى فى مصر وعلى مشروعات التوسع الأفقى والخطط الخاصة بالاستصلاح والزراعة، كما سيمتد التأثير ليشمل زيادة الاعتماد على الواردات الغذائية لسد احتياجات المواطنيين وتقليص الصناعات التى تعتمد فى إنتاجها على استخدامات المياه بكميات عالية، وجميعها تبعات لمسألة الشح المائى الذى أصبح واقعا وكابوسا يهدد المصريين.


وشدد على أنه في حالة الانتهاء من أعمال السد والبدء في سنوات التخزين سوف يؤدى ذلك إلى نقص فى حصة مصر من المياه بنسبة تتراوح من 9 إلى 12 مليار متر مكعب سنويا، وفى حال إذا قررت إثيوبيا بناء مجموعة السدود المتكاملة (أربعة سدود) فإن ذلك سيؤدى إلى زيادة نسبة النقص في حصة مصر من المياه إلى 15 مليار متر مكعب سنويا، هذا إلى جانب فقدان مصر لحوالي 3 ملايين فدان من الأراضي الزراعية وتشريد من 5 إلى 6 ملايين مزارع.


وناشد الكتاب الدولة المصرية وقيادتها السياسية أن تنتبه جيدا ليس فقط بالحرص والسعى على التوصل لاتفاق يضمن عدم تأثير سد النهضة على موارد مصر المائية، ولكن أيضا اليقظة التامة لأى محاولات قد يترتب عليها إنشاء سدود أخرى أشارت إليها دراسات وبحوث مختلفة بينها دراسة لمكتب استصلاح الأراضى بالحكومة الأمريكية فيما بين سنة 1959 و1964 والذى تضمن قائمة لإنشاء 33 سدا مختلف الأغراض سواء للرى أو الكهرباء، وأنه فى حال استكمال كل المشروعات المقترحة، فإن إثيوبيا ستستطيع أن تقتطع حوالى 6 مليارات متر مكعب من النيل الأزرق و500 مليون متر مكعب من العطبرة و1.5 مليار متر مكعب من السوباط.

 
ودعا إلى تطبيق المزيد من التدابير والسياسات الكفيلة بترشيد استخدام موارد المياه باعتبارها أهم الموارد المحددة للتوسع الزراعى لسد الطلب المتزايد على الغذاء، خاصة مع النمو السكانى الملحوظ، وأن ترتكز هذه السياسات على نظم الرى من الناحية الفنية وتكثيف وإحياء جهود الإرشاد الزراعى.


وانتهى كتاب "سد النهضة.. لعبة بنوك المياه فى دول حوض النيل" الصادر عن دار نشر "أوراق" إلى مجموعة من التوصيات، من بينها أن الوضع الحالى يفرض على مصر اللجوء إلى بدائل أخرى والتحول والاستعداد جيدا لمواجهة النقص الشديد المتوقع فى حصتها من نهر النيل البالغة 55.5 مليار جنيه والتى تبنى عليها خططها وبرامجها التنموية المختلفة بحيث تكون هذه الرؤية قائمة على إدارة مواردنا المائية فى ظل الندرة وليس الوفرة وتطبيق مبدأ الإدارة المتكاملة للمياه.


كما طالبت التوصيات بمواصلة العمل على تنفيذ البرامج والخطط التى أعلنت عنها الحكومة والخاصة بترشيد استخدامات مياه الرى بما فيها الحد من زراعة المحاصيل الشرهة للمياه مثل الأرز والموز وقصب السكر، ودعم البحوث العلمية فى مركز البحوث الزراعية وأكاديمية البحث العملى وفى الجامعات والمعاهد المختلفة للتوصل إلى أصناف جديدة من المحاصيل سريعة النضج وقليلة الاستهلاك للمياه وإكثارها ثم تعميمها، والسير بخطى ثابتة وسريعة باتجاه التوسع فى إنشاء المزيد من محطات تحلية المياه رغم تكلفتها الاقتصادية الكبيرة، علاوة على نشر وسائل الرى المطور فى الدلتا ووادى النيل وإكمال مشروعات الصرف المغطى والتحكم إلى أبعد مدى ممكن فى إدارة مواردها المائية.


وأوضح كتاب "سد النهضة.. لعبة بنوك المياه فى حوض النيل" للكاتب الصحفى مصطفى خلاف أن قضية سد النهضة تمثل قضية أمن قومي مصري، وبالتالي فإن تحرك الدولة المصرية في هذا المجال يعد تحركا على قدر كبير مــن الأهمية، ويعتمد على خطوات محسوبة وإجراءات مدروسة، وثانيها أن قضية سد النهضة بكل مكوناتها ومراحلها باتت أمرًا واقعًا لا مجال سوى التعامل معها من هذا المنطلق للوصول إلى حل، خاصة أن مصر لم تعترض يوما على بناء إثيوبيا للسد ولكن بشرط ألا يؤدي ذلك إلى الإضرار بحصة مصر المائية.


وتم تقسيم كتاب "سد النهضة.. لعبة بنوك المياه فى حوض النيل" الذى يقع فى 299 صفحة إلى 12 فصلا بجانب مشكلة البحث والمقدمة والتمهيد، فى الفصل الأول تم التطرق لطبيعة نهر النيل وعلاقة مصربه وتأثيره فيها على كافة الأوجه والعصور بشكل مقتضب، وتناول الفصل الثانى مشكلة المياه فى مصر، التحديات والحلول، أما الفصل الثالث فتطرق لورقة مياه النيل واستخدام إثيوبيا لها بقصد التأثير على مصر تاريخيا والرد المصرى على ذلك، وفى الفصل الرابع تم التطرق لعلاقة إسرائيل بإثيوبيا على جميع المستويات وتأثير ذلك على مستقبل ملف مياه النيل، وفى الفصل الخامس تم التطرق لمسألة خصخة المياه ومتى بدأ الحديث عن ذلك، أما الفصل السادس  فتناول ظهور مصطلح التسعير وفكرة بنوك المياه التى يعد سد النهضة واحدا من منها، وهل سيتحول السد الإثيوبى إلى بنك يتم من خلاله بيع وتسعير المياه لدولتى المصب مصر والسودان؟

وفى الفصل السابع كان الحديث عن المياه فى الاتفاقيات الدولية ورؤية المنظمات الدولية المعنية لها وجاء بعنوان "المياه من منظور أممى" ولماذا يعتبر البعض ويحاول أن يجعل من الماء سلعة شأنها شأن البترول؟ وفى الفصل الثامن كان الحديث عن لعبة بنوك المياه فى المنطقة العربية ودور إسرائيل فيها، أما الفصل التاسع فتم من خلاله رصد لأزمة سد النهضة منذ ثورة 25 يناير ودور وفود الدبلوماسية الشعبية التى زارت دولا بحوض النيل منها إثيوبيا، وفى الفصل العاشر تم التطرق لمحطة جديدة بدأت باتفاق إعلان المبادئ والدخول فى مفاوضات ثلاثية بين مصر والسودان وإثيوبيا وما تخللها من عقبات وتوقف انتهى إلى تدخل الوسيط الأمريكى وما تبعه من جولات انتهت إلى الانسحاب الإثيوبى من الاجتماعات ورفض التوقيع على اتفاق سد النهضة، وحقيقة الدور الأمريكى والصهيونى والذى يرى البعض أنه ينفذ سيناريو هدفه وصول المياه إلى إسرائيل، وتناول الفصل الحادى عشر تداعيات وتأثير سد النهضة على مصر وتقييم لدور المفاوض المصرى وأهم الملاحظات على هذا الدور، وهل كان من الأفضل عدم الدخول أصلا فى المفاوضات أو الدخول فيها بشرط وقف أعمال بناء السد لحين التوصل لاتفاق؟ وأخيرا جاء الفصل الثانى عشر ويتضمن إشارة لأهم الاتفاقيات والمعاهدات التى تحكم مياه النيل وتنص على حقوق مصر التاريخية وحصتها  التى تبلغ 55.5 مليار متر مكعب، ثم جاءت الخلاصة والتوصيات ببعض التصورات والحلول والمقترحات والتى من بينها التوجه صوب المنظمات الدولية الفاعلة ومنها مجلس الأمن والاتحاد الأفريقى لشرح الموقف المصرى والتأثيرات المتوقعة للسد.