الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

علي جمعة يوضح أنواع الصبر وجزاء الصابرين على الشدائد

الدكتور على جمعة،
الدكتور على جمعة، مفتي الجمهورية السابق

قال الدكتور علي جمعة مفتي الجمهورية السابق عضو هيئة كبار العلماء الإمام إن الماوردي الشافعي -رحمه الله-  كتب عن أنواع الصبر وتقسيماته إلى ستة أقسام, وهو في كل قسم منها محمود فأول أقسامه وأولاها : الصبر على امتثال ما أمر الله - تعالى - به, والانتهاء عما نهى الله عنه; لأن به تخلص الطاعة، وبها يصح الدين وتؤدى الفروض ويستحق الثواب, كما قال في محكم الكتاب : {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ }، ولذلك قال النبي : (الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد) [رواه أحمد]. وليس لمن قل صبره على طاعة حظ من بر ولا نصيب من صلاح, ومن لم ير لنفسه صبرا يكسبها ثوابا. ويدفع عنها عقابا, كان من سوء الاختيار بعيدا من الرشاد حقيقا بالضلال.


 واستشهد جمعة عبر الفيسبوك: قد قال الحسن البصري رحمه الله تعالى : يا من يطلب من الدنيا ما لا يلحقه أترجو أن تلحق من الآخرة ما لا تطلبه . وقال أبو العتاهية رحمه الله تعالى :أرَاكَ امَرأً تَرْجُو مِنَ الله عَفْوَهُ ** وأنتَ على ما لا يُحبُّ مُقيمُ..تَدُلّ على التّقْوَى ، وَأنتَ مُقصِّرٌ ** أيا مَنْ يداوي الناسَ وهو سقيمُ، وهذا النوع من الصبر إنما يكون لفرط الجزع وشدة الخوف فإن من خاف الله - عز وجل - صبر على طاعته , ومن جزع من عقابه وقف عند أوامره.


والقسم الثاني : الصبر على ما تقتضيه أوقاته من رزية قد أجهده الحزن عليها, أو حادثة قد كده الهم بها فإن الصبر عليها يعقبه الراحة منها, ويكسبه المثوبة عنها، فإن صبر طائعًا وإلا احتمل همّا لازمًا وصبر كارها آثما. وروي عن النبي  أنه قال : يقول الله تعالى : (من لم يرض بقضائي ويصبر على بلائي فليختر ربا سواي) [الطبراني في الكبير]. وقال علي بن أبي طالب -كرم الله وجهه- للأشعث بن قيس : (إنك إن صبرت جرى عليك القلم وأنت مأجور, وإن جزعت جرى عليك القلم وأنت مأزور).


والقسم الثالث : الصبر على ما فات إدراكه من رغبة مرجوة , وأعوز نيله من مسرة مأمولة فإن الصبر عنها يعقب السلو منها , والأسف بعد اليأس خرق . وروي عن النبي  أنه قال : (من أعطي فشكر , ومنع فصبر , وظلم فغفر , وظلم فاستغفر , فأولئك لهم الأمن وهم مهتدون ). وقال بعض الحكماء : اجعل ما طلبته من الدنيا فلم تنله مثل ما لا يخطر ببالك فلم تقله .


والقسم الرابع : الصبر فيما يخشى حدوثه من رهبة يخافها , أو يحذر حلوله من نكبة يخشاها فلا يتعجل هم ما لم يأت , فإن أكثر الهموم كاذبة وإن الأغلب من الخوف مدفوع . وقد روي عن النبي  أنه قال : (بالصبر يتوقع الفرج ومن يدمن قرع باب يلج ). وقال الحسن البصري رحمه الله : لا تحملن على يومك هم غدك , فحسب كل يوم همه .


والقسم الخامس : الصبر فيما يتوقعه من رغبة يرجوها , وينتظر من نعمة يأملها فإنه إن أدهشه التوقع لها , وأذهله التطلع إليها انسدت عليه سبل المطالب واستفزه تسويل المطامع فكان أبعد لرجائه وأعظم لبلائه  وإذا كان مع الرغبة وقورا وعند الطلب صبورا انجلت عنه عماية الدهش وانجابت عنه حيرة الوله , فأبصر رشده وعرف قصده . وقد روي عن النبي  أنه قال : (الصبر ضياء ). يعني - والله أعلم - أنه يكشف ظلم الحيرة , ويوضح حقائق الأمور . وقال أكثم بن صيفي : من صبر ظفر . وقال ابن المقفع : كان مكتوبا في قصر أزدشير : الصبر مفتاح الدرك . وقال بعض الحكماء : بحسن التأني تسهل المطالب . وقال بعض البلغاء : من صبر نال المنى , ومن شكر حصن النعمى .


والقسم السادس : الصبر على ما نزل من مكروه أو حل من أمر مخوف . فبالصبر في هذا تنفتح وجوه الآراء , وتستدفع مكائد الأعداء , فإن من قل صبره عزب رأيه , واشتد جزعه , فصار صريع همومه , وفريسة غمومه . وقد قال الله تعالى : { وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} . وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي  أنه قال : (إن استطعت أن تعمل لله بالرضى في اليقين فافعل , وإن لم تستطع فاصبر فإن في الصبر على ما تكره خيرا كثيرا ). واعلم أن النصر مع الصبر , والفرج مع الكرب , واليسر مع العسر . وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : الصبر مستأصل الحدثان , والجزع من أعوان الزمان . وقال بعض الحكماء : بمفتاح عزيمة الصبر تعالج مغاليق الأمور . وقال بعض البلغاء : عند انسداد الفرج تبدو مطالع الفرج. [أدب الدنيا والدين - الماوردي]


مما سبق تتجلى لنا حقيقة الصبر وأقسامه وفضل الله وهو ما يستوجب أن يشمر المسلم عن ساعد الجد ويتخلق هذا الخلق العظيم ويصبر نفسه حتى يكون مع الله في كل وقت والله الموفق الهادي إلى أحسن الأخلاق لا يهدي إلى أحسنها إلا هو سبحانه وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.