الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

عنف مفرط وانتهاكات.. احتجاجات إثيوبيا تزيح الستار عن شخصية آبي أحمد الحقيقية.. قوات الأمن تستعين بالبلطجية لقمع المظاهرات.. ووعود السلام الأهلي ذهبت بلا عودة

آبي أحمد
آبي أحمد

88 قتيلًا حصيلة 3 أيام من الاحتجاجات على مقتل المغني هاشالو هونديسا
سكان أديس أبابا فقدوا ثقتهم بالشرطة وبدأوا بتحمل مسئولية الدفاع عن أنفسهم
منظمات حقوقية تتهم آبي أحمد بالتراجع عن وعود بوقف انتهاكات حقوق الإنسان
العنف سمة أساسية في إدارة الخلافات السياسية والانقسام بين القوميات في إثيوبيا


تستعد إثيوبيا لموجة جديدة من تصاعد العنف، بعد 3 أيام من الاحتجاجات والاضطرابات أعقبت مقتل المغني واسع الشعبية هاشالو هونديسا بالرصاص الاثنين الماضي، في خطوة رآها الكثير من الإثيوبيين والمراقبين دليلًا جديدًا على تصفية الحكومة الإثيوبية برئاسة آبي أحمد لخصومها بالعنف.


وبحسب صحيفة "الجارديان" البريطانية، لقي ما لا يقل عن 88 شخصًا مصرعهم في مصادمات مع الشرطة وانفجارات شهدتها الاحتجاجات المستمرة منذ الثلاثاء الماضي، بينهم 8 قُتلوا في انفجار وقع صباح أمس في العاصمة أديس أبابا أثناء مسيرة تشييع رمزية لجثمان هاشالو الذي دُفن في بلدته أمبو التي تبعد 70 كيلومترًا عن العاصمة.


وأضافت الصحيفة أن اغتيال هاشالو مثّل إضافة جديدة لأحقاد متراكمة منذ عقود تجاه قمع الحكومات الإثيوبية المتعاقبة لقومية الأورومو، أكبر قوميات إثيوبيا عددًا والتي ينتمي إليها هونديسا وكذلك رئيس الوزراء آبي أحمد، والتي ظلت تعاني من التهميش والاستبعاد من التمثيل الأمين في السلطة حتى بعد تولي رجل ينحدر منها أعلى منصب في البلاد للمرة الأولى.


وقال الباحث المتخصص بشؤون شرق أفريقيا في المعهد الملكي البريطاني للشئون الدولية "تشاتام هاوس" أحمد سليمان إن "هاشالو كان يجسد كفاح الأورومو وعواطف الناس تجاهه قادتهم إلى الاحتجاج في الشوارع وتصاعدت الأمور بسرعة بالغة".


وخلال احتجاجات الأربعاء الماضي، سُمع دوي إطلاق نار في عدد من أحياء العاصمة أديس أبابا، وشوهدت مجموعات من الشباب المسلح بالمناجل والعصي تتجول في الشوارع وتصطدم بالمتظاهرين، حيث يتهم الكثير من المراقبين الحكومة الإثيوبية بالاستعانة بالبلطجية لقمع الاحتجاجات.


ونقلت الصحيفة عن أحد سكان العاصمة قوله "عقدنا اجتماعًا في الحي وقيل لنا أن نسلح أنفسنا بكل ما نستطيع الحصول عليه. لم نعد نثق في حماية الشرطة لنا ولذا علينا أن نستعد جيدًا".


وحتى قبل واقعة مقتل هاشالو هونديسا، واجه آبي أحمد وحكومته انتقادات حادة من نشطاء ومنظمات حقوقيه اتهمته بالتراجع عن وعوده الخاصة بوقف انتهاكات حقوق الإنسان الموروثة من عهود سابقة.


وقالت مديرة منطقة القرن الأفريقي بمنظمة هيومن رايتس ووتش لايتيتيا بادر "بدلًا من العمل على استعادة الهدوء عمدت السلطات الإثيوبية إلى قطع الإنترنت واستخدام القوة المفرطة في قمع الاحتجاجات واعتقال رموز المعارضة، وهذا ينذر بتصاعد العنف، وعلى الحكومة اتخاذ خطوات ملموسة لتدارك الموقف أو المخاطرة بالانزلاق إلى أزمة أكثر تعقيدًا".  


وبحسب تقرير لمجلة "ذي ناشونال إنترست" الأمريكية صدر نوفمبر الماضي، فقد خفتت الحماسة التي قوبلت بها وعود آبي أحمد الإصلاحية الكبرى، بدءًا من الإفراج عن المعتقلين السياسيين وحتى فتح المجال للإعلام الحر، أما الوعود نفسها فقد باتت ذكريات بعيدة لا أكثر.


وأضافت المجلة أن إدارة آبي أحمد فشلت في معالجة أسباب المشاحنات السياسية بين الأطياف المكونة للحكومة الاتحادية، فضلًا عن نزع فتيل الصراعات الإثنية، وهذان العاملان بالذات يضعان إثيوبيا على طريق الخراب، إذ فشلت الحكومة في حصد قبول قطاع معتبر من المجتمع والقبائل الإثيوبية لاعتبارها السلطة العليا في البلاد، ما فتح المجال لفاعلين قبليين لحمل السلاح في مواجهة الدولة.


وأوضحت المجلة أن الطبيعة الإثنية للمجتمع الإثيوبي، التي فرضت تشكيل حكومة اتحادية تراعي تمثيل الإثنيات المختلفة، فضلًا عن إرث الحكم الاستبدادي الذي لم يزل حاضرًا بشكل ما، كلها تحديات يصعب التهوين من شأنها، لكن إدارة آبي أحمد فضلت إدارة ظهرها لهذه المشكلات الجسيمة وتجاهل وجودها بالمرة.


ونتيجة للتجاهل شبه التام من جانب آبي أحمد وحكومته للعنف الإثني المتصاعد في إثيوبيا، يبدو السلام والأمن والاستقرار في طريقهم إلى الغياب عن معادلة السياسة والمجتمع، فالأرقام تقرع أجراس إنذار مدوية، مع فقدان الآلاف لأرواحهم في صدامات قبلية وإثنية مسلحة، ونزوح الملايين من مناطق سكناهم، ناهيك عن تأثير ذلك المدمر على الاقتصاد.


وما زاد الطين بلة أن الجبهة الثورية الديمقراطية الشعبية، وهي الائتلاف الحاكم في إثيوبيا، منقسمة على نفسها، وخلال الأشهر الأخيرة شرعت الأحزاب المكونة للجبهة في تبادل الاتهامات بالمسئولية عن عجز الحكومة وإخفاقها في إدارة ملفات كبرى.


والملحوظ بوضوح أن عنفًا متصاعدًا يجتاح إثيوبيا منذ تولي آبي أحمد منصبه، فليس الشعب الإثيوبي وحده هو المنقسم على نفسه، وإنما طالت الانقسامات النخبة الحاكمة ذاتها، التي أسبغت المشروعية والقبول على قيادة آبي أحمد في البداية.


ومن الأمور ذات الدلالة في هذا الصدد أن الاصوات المنتقدة لآبي أحمد وحكومته تتعالى الآن من داخل القوميتين الكبريين في إثيوبيا: الأمهرة والأورومو، وتلك الأخيرة ينحدر منها رئيس الوزراء الإثيوبي.


وفي خضم هذه التطورات المتلاحقة، تبدو وعود آبي أحمد بخصوص المصالحة الأهلية نسيًا منسيًا، فيما ينغلق شيئًا فشيئًا المجال السياسي الذي رافق انفتاحه انتخاب رئيس الوزراء الإثيوبي، بالتزامن مع عودة السجون لاستقبال المعارضين السياسيين.