الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

سعد سلطان يكتب: «الصخيرات».. تذكرة الذهاب إلى الجحيم

صدى البلد

للمرة الثانية تدخل " الصخيرات " - تلك المدينة الشاطئية الصغيرة التي تتوسط المسافة بين العاصمتين الرباط وكازابلانكا - الذاكرة المغربية والعربية .. الأولى ترتبط بانقلاب الصخيرات الفاشل ضد الملك الراحل الحسن الثاني عام 1971 , والثانية اتفاق الصخيرات بين الفرقاء الليبيين عام 2015 .. وفي المرتين لم تحصد المدينة سوى ما هو مؤلم وما يفقدها وداعتها وجمال طلتها على الأطلسي الهائج دوما ..في المرة الأولى فشل الإنقلاب مخلفا عشرات القتلى، بينهم قادة ومسئولین مدنيين وعسكريين.. وحُوکم من بقي منهم حيا , وقضوا سجنا طويلا بين جدران قاتلة, ولم يُحْدث ما رواه الضابط محمد الرايس في كتابه " من الصخيرات إلى تازمامارت.. تذكرة ذهاب وإياب إلى الجحيم "وما قاله الضابط الثاني أحمد المرزوقي في كتابه " الزنزانة رقم 10 " أثرا في نفوس من هزتهم أيامها كلمة انقلاب، وطغت عليها نوادر وحكايات كوميدية يرويها المغاربة من باب الفكاهة لا أكثر.


وفي المرة الثانية شهدت المدينة المستريحة على الضفاف الأطلسية مطلع عام 2015 وحتى نهايته,جولات متتالية من مفاوضات سلام بين الليبيين بحثا عن إتفاق لأزمتهم لم تسفر إلا عن حكومة وفاق سلمت العاصمة طرابلس لولاية المرشد , ووهبها" السراج " أسيرة ذليلة " كولاية تركية للأبد ".. على حد تعبير وزير الدفاع التركي. المرة الأولى بدت وقائع الإنقلاب سريالية وغير قابلة للتصديق , حينما قاد الكولونيل " محمد أعبابو " مدير المدرسة العسكرية الشهيرة بالمغرب" أهرممو " ومعه الجنرال محمد المذبوح طلاب المدرسة وعددهم مائتان بعد الألف اغلبهم من مناطق ريفية فقيرة , غُيْبوا عن كونهم ذاهبين لانقلاب على ملك قوى لم يكن سهلا ولا متاحا الإنقلاب عليه بأي حال من الأحوال , فأثارتهم موائد الأكل الملكي ونسوا ما هم قادمون لأجله , ففشل إنقلابهم وضاع مبتغاهم وانتهى بهم الأمر نكتة في سطر من التاريخ المغربي .


 وفي المرة الثانية وبالنظر لقائمة المشاركين من جانب من يمثلون حكومة الوفاق الليبية الآن في اتفاق الصخيرات صارت السريالية عبثا , فالممثلون لحكومة الوفاق أمراء حرب ، وقادة ميليشيات ، وكتائب إخوانية مسجلة على قوائم الإرهاب يقضون نهارهم في مفاوضات تلوثت برعاية اوباما وهیلاری کلینتون , ويتسامرون ليلا في ملاه ومراقص الرباط , وانتهى بهم الأمر إلى .تسليم بلادهم لمحتل تركي بغيض. في المرتين كان الحضور المصري قدريا وغريبا .. ففي الأولى نجا العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ من فخ نٌصب له لإذاعة بيان الانقلاب , حينما كان متواجدا في مقر الإذاعة الوطنية بالرباط لتجهيز أغنية الاحتفال بعيد ميلاد الملك , ولكن عبد الحليم أنقذه مرافقوه محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش وشادية ومحمد الموجي ومعهم السفير المصري وقتها حسن فهمي الذين جاؤوا إلى الإذاعة لتخليصه , بينما كان الرصاص يلعلع في سماء الصخيرات .. وفي المرة الثانية وبينما كانت مفاوضات ما يسمى باتفاق صخيرات تجرى وقائعها في عبثية لتسليم ليبيا للإخوان برعاية أممية , أطل مصريون يمثلون أجهزة أمنية رفيعة المستوي على مسار المحادثات , بدوا مدركين لسوء الطالع الذي ينتظر ليبيا.


وجلس بعضهم مع " الياس العماري " الذي كان وقتها أمينا عاما لحزب الأصالة والمعاصرة ولعب دورا حزبيا مؤثرا في تحجيم إخوان المغرب ووقف تطلعاتهم , إذ قال لهم آنذاك " ثورتكم ضد الإخوان رفعت السكاكين من فوق  رقابنا". كان الملك الراحل الحسن الثاني يؤثر " الصخيرات " عن غيرها من المدن المحيطة بالرباط ، ففيها بنى قصرا كبيرا واقامات للأمراء والأميرات , وعلى ضفاف شواطئها روی للصحفي الفرنسي " إريك لوران " ما جاء في كتابه " ذاكرة ملك " ,حالما بمغرب عربي كبير يبدأ من ليبيا وحتى موريتانيا.. ولكن الملك العظيم مات وما كان لاخواني أو سلفي أن يطل برأسه من نافذة بيته أثناء فترة حكمه..ولو كان يدرك أن مدينته الوادعة سوف يطأ رمالها الساحرة اخوانی بغيض عدو للحياه , ربما أعاد التفكير في شأن الصخيرات , وما كان لها أن تبقي أو تعيش.